عثرت على نص منسوب للكاتبة اليهودية اليمنية نجاة النهاري في موقع الجسرة وهي مناسبة لإدارة الحوار مع هذه السيدة.
(النص):
كثيرون وجهوا لي الدعوة للتخلي عن معتقدي اليهودي ودخول الاسلام، وكثيرون أيضاً يلعنونني كل يوم ويصفوني بالكافرة ويقولون ان غير المسلمين مصيرهم إلى نار الله.
بعث لي أحد الأصدقاء قصة جميلة عن النبي محمد ويهودي كان يسكن جواره ويلحق به الأذى والنبي يصبر عليه، وعندما مرض اليهودي زاره النبي فخجل اليهودي من أخلاقه ودخل الاسلام… عندما قرأتها فهمت أن تصرفات واخلاق النبي محمد كانت هي مقياس اليهودي للاعجاب بالاسلام واعتناقه قبل حتى أن يقرأ مافي القرآن.. ولحظتها تساءلت مع نفسي: يا ترى المسلمون اليوم بماذا سيغرون اليهودي لدخول الاسلام..!؟
أرجو أن لا تغضبكم صراحتي، فأنا أحاول أن أفهم الاسلام على طريقة اليهودي الذي أسلم بسبب تصرفات النبي قبل كلام القرآن.. وسأناقش الموضوع بثلاثة نقاط:
((أولاً))- المسلمون اليوم مذاهب متعددة وكل مذهب يعتبر الآخر “كافر” ويحلل قتله.. فلو أردت – كيهودية- دخول الاسلام فهل أدخله من باب “السنة” أم “الشيعة” أم المذاهب الأخرى؟ وأي منها أعيش فيه بسلام ولا يحلل قتلي أنصار مذاهب الاسلام الأخرى!؟
تحدثت لصديقتي المسلمة في بيروت عن دعوات الأصدقاء لدخول الاسلام، وأثناء النقاش فوجئت أن المسلمين يرددون كلاما مقدسا للنبي محمد بأن المسلمين سيتفرقون الى (70) فرقة كلها سيعذبهم الله في النار باستثناء فرقة واحدة ستدخل الجنة. فسألت صديقتي عن اسم هذه الفرقة فقالت أنها لا تعرفها ولا يوجد مسلم يعرفها لكن كل فرقة تدعي أنها هي المقصودة…!!
تساءلت مع نفسي: يا ترى إذا أراد يهودي دخول الاسلام، فعند أي فرقة يذهب ليتحول الى مسلم؟ ومَن مِن علماء المسلمين يعطيه ضمان أكيد أنه سينضم للفرقة الصحيحة التي لايعذبها الله!؟ فهذه مغامرة كبيرة وخطيرة جداً.
((ثانياً))- المسلمون اليوم يتقاتلون بينهم البين في كل مكان، ويذبحون بعضهم البعض بطرق بشعة جداً.. فكيف يقتنع اليهودي بدخول الاسلام إذا وجد المسلم يقتل أخاه بسبب الدين نفسه، بينما لا يمكن أن يسمع أحدكم أن اليهود يقتلون بعضهم البعض بسبب الدين، بل على العكس اسرائيل أقامت دولتها بسبب الدين.
قبل يومين قرأت تقريرا تم تقديمه للأمم المتحدة من دول عربية مسلمة يتحدث عن (80) ألف مسلم تم قتلهم في سوريا خلال سنتين فقط بأيدي المسلمين سواء من النظام أم المعارضة. ورأيت مقطع فيديو لأحد مقاتلي المعارضة وهو يخرج قلب جندي ويأكله- أي مسلم يأكل قلب أخيه المسلم..!!!
كما كنت قرأت إحصائيات عن عدد القتلى في العراق خلال الحرب الأهلية (المذهبية) تقدرهم بأكثر من 280 ألف عراقي غالبيتهم العظمى مسلمون وقليل جداً بينهم مسيحيون.
سأكتفي بهذين المثلين، وأترك لكم التفكير والتأمل والتساؤل، كيف يمكن لليهودي أو المسيحي أن يقتنع ويطمئن قلبة لدخول الاسلام إذا كان هذا حال دول المسلمين؟ مع إني واثقة كل الثقة أن ما يحدث ليس من تعاليم الاسلام لأن جميع الأديان السماوية تدعو للسلام.
((ثالثاً))- عندما دعا النبي محمد الناس للاسلام فإنه أغراهم بالحرية والعدل والخلاص من الظلم والجهل والفقر، لذلك تبعوه الناس. لكن اليوم عندما يدعو المسلمون اليهود لدخول الاسلام بماذا يغرونهم؟
لنكن صريحين وصادقين: فمعظم دولنا العربية الاسلامية، يعمها الفقر والجهل والظلم وانتهاكات حقوق الانسان، وتفتقر للتنمية والقوة الاقتصادية، ولولا ذلك لما قامت ثورات الربيع العربي. بينما الدول التي يديرها مسيحيون ويهود ممن يعتبرهم البعض (كفار) أصبحت هي من تغري المسلمين للهجرة اليها، والعمل أو العيش فيها.. بل هي من تصنع للمسلمين حتى ملابسهم الداخلية.. وأرجو المعذرة لذلك فليس القصد السخرية، وإنما اعتراف ومصارحة بالواقع الي يعيشه العالم اليوم!
صحيح أنا يهودية لكنني أحترم الاسلام، وأجد فيما يحدثني عنه المسلمون دستوراً عظيماً للحياة الانسانية، وتمسكي بعقيدتي ليس كفراً، كما يعتقد البعض، فقد بعث لي أحد الاصدقاء بنص من القرآن يؤكد أنه لم يكفر أصحاب الأديان، ويقول هذا النص ((ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون))!
لذلك بدأت أقرأ دراسات عن القرآن، وكل يوم تزداد حيرتي أكثر وأبقى أسأل نفسي: لماذا إذن العالم الاسلامي وصل الى هذا الحال رغم أنه لديه دستور ديني رائع ونبي عظيم، كان يجعل اليهودي يتبعه بسلوك صغير، قبل معرفة ما في القرآن، بينما اليوم ينظر غير المسلمين الى المسلم بريبة وخوف!!؟ (انتهى النقل)
أقصر حديثي على النقاط التالية :
1 ـ وقعت الكاتبة اليهودية اليمنية في إحدى أكبر المغالطات التي لا تفضي في العادة إلا إلى مزيد من اللجج في الخصومة والأبق في العناد إذ ظلت تحاكم الإسلام بسلوك المسلمين ولو خوصمت بمثل ذلك لما ألفت لليهود الذين يحتلون اليوم الأرض الفلسطينية سببا واحدا فلو حاكمنا اليهودية ـ وهي دين سماوي يأتي الحديث عنه لاحقا بإذنه سبحانه ـ إلى مسالك اليهود اليوم لألنا إلى النتيجة ذاتها أي فساد اليهودية بسبب فساد أهلها ولكنا لا نفعل ذلك لأننا نميز بين الدين والتدين من جهة كما نميز بين الدين وبين المنتسبين إليه من جهة أخرى إذ لا تزر وازرة وزر أخرى.
2 ـ لو داهنا الكاتبة اليهودية اليمنية فيما آلت إليه من أن مسالك المسلمين اليوم لا تغري أحدا بإعتناق الإسلام لحوصر منطقها إذ هو لا يصمد في وجه دين لا تزيده الأيام إلا إنتشارا في قلب البلاد الغربية التي قامت نظمها السياسية والفكرية على نقيض الهوية الإسلامية بالتمام والكمال ولا يجادل عاقل في أن الدين الوحيد الذي ما فتئ ينتشر بسيف الحجة لا بحجة السيف إنما هو الإسلام وأين اليهودية والمسيحية من ذلك. يحدث ذلك والموازين الدولية منخرمة لصالح الوجود اليهودي والمسيحي منذ قرون طويلات وبمعايير حق القوة لا قوة الحق فكيف لو تعدلت تلك الميزان ولو نسبيا ليلفى الإسلام بأمته ـ وأمة الدعوة من صلب أمته ـ مربعا دافئا آمنا تحت الشمس وفوق اليابسة.
3 ـ والشأن نفسه لو خاصمنا الكاتبة اليهودية اليمنية بقولنا إن المسلمين الذين تعزو إليهم الصد عن الإسلام لا يوازون في الأمة التي تعد ربع البشرية اليوم ـ مسلم واحد عن كل أربعة أنفار يزحمون الأرض ـ سوى نسبة ضئيلة جدا ولا شك أن السيدة اليمنية تدرك مخلفات الحروب المسيحية في أوربا في العصر الحديث ذاته سيما بين طائفتي الأرتودوكس والبروطسطنت وهي حروب ما كادت تجف دماؤها إلا بعد ما سمي في إيرلندا قبل سنوات غير كثيرات بيوم الجمعة العظيم ولا شك أن السيدة اليمنية ذاتها تدرك جيدا أن اليهود كانوا من أكبر ضحايا الإمبراطوريات السالفة من مثل الإمبراطورية الرومانية وقد سجل الكتاب العزيز ـ القرآن الكريم ـ شيئا من ذلك في بعض مواضعه ولعلها تدرك كذلك جيدا أن اليهود ظلوا محل مضايقات من حضارات وثقافات ما قبل الإسلام وأن الإسلام بدولته النبوية والراشدية مرورا بالأموية والعباسية والمملوكية حتى العثمانية هو الذي وفر لهم المواطنة الكريمة بشعاره العظيم : لهم ما لنا وعليهم ما علينا. صحيح أن الوضع الإسلامي اليوم ليس على ما يرام ولكن لو لجأنا إلى المقارنات التاريخية في موضوع التقاتل الداخلي لما صمدت التجربة اليهودية ولا التجربة المسيحية ولا بد من المقارنات في مثل ما نحن بصدده إذ تحكيم المثال القيمي هنا لا يكون عادلا بسبب طبيعة التدين البشري التي لا تبلغ الكمال وليس مطلوبا منه بلوغ الكمال أصلا.
4 ـ نحن نعتقد يا حضرة الكاتبة اليهودية اليمنية أن القلوب كلها بيد الرحمان سبحانه فهو الذي يهدي من يشاء وهو الذي يضل من يشاء وليس ذلك إعتباطا عبثيا ولكن من بعد توجه العبد إلى سبيل الهداية ليهدى أو إلى سبيل الغواية فيغوى فهو المسؤول عن مصيره ولكن الله تعالى لا يكره أحدا على مصير إختاره لنفسه. نحن ندعو لك ولغيرك بالهداية ولا نرجو لك ولا لغيرك أبدا البتة أن يكون فريسة لحطام النار يوم القيامة ولكننا نعتقد أن الأمر بيدك أنت وحدك والله تعالى ييسرك من بعد ذلك إلى حيث إخترت السير. وليس صحيحا البتة ما بعث به إليك صديقك ومفاده أن أهل الكتاب من يهود ونصارى غير كافرين. لم يكن الإسلام أصرح منه في شيء في مثل صراحته في مثل هذا. أنصتي إلي هنا بدقة : الإسلام نزع المشروعية الدينية عن الدين الذي سبقه بالتمام والكمال ومن ذلك اليهودية والنصرانية أي أنه إعتبرهم كفارا إذ الإيمان لا يتجزأ في أصوله العظمى فما آمن بموسى عليه السلام من كفر بمحمد عليه السلام وما آمن بعيسى من كفر بموسى أو بمحمد عليهم السلام. ولكن الإسلام الحادب على الهداية لكل الناس أبدا أبى إلا أن يسلك مع اليهود والنصارى مسلك الدعوة المحببة فظل يكنيهم بأهل الكتاب تأليفا لقلوبهم. الإسلام إذن نزع المشروعية الدينية عليهم بالتمام والكمال ولكنه حفظ لهم حق الوجود وحق الحياة وحق التدين وحق الإعتقاد وحق العمل وحق التنوع وما سوى ذلك من الحقوق المحفوظة لغيرهم من الملل والنحل إذ ذهب في ذلك مذاهب من التسامح لم يبلغها دين من قبله وذلك عندما سمى الشرك الوثني الصنمي القرشي في مكة دينا ” لكم دينكم ولي دين ” فما بالك بأهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ولكنه الإيمان المغشوش الذي لا يوحد الديان سبحانه بمثل ما أراد هو لنفسه الذي أراد ومعلوم أن اليهود في هذا أقل شناعة من المسيحيين. تلك هي رؤية الإسلام لليهود والنصارى إذن : إحقاق حق الوجود والحياة والعقيدة وعليهم تحمل مسؤولياتهم كاملة يوم القيامة مثلهم مثل غيرهم وفي مقابل ذلك عدهم كفارا ولكنه لم يدمغهم بذلك تأليفا لقلوبهم فسماهم أهل الكتاب لعلهم يفيؤون إلى الكتاب الذي لا يفتأ يذكرهم بنداء موسى وعيسى عليهما السلام أن آمنوا بنبي يأتي من بعدي إسمه أحمد عليه السلام.
5 ـ يكفي المسلمين فخرا يا حضرة الكاتبة اليهودية اليمنية على ما هم فيه من أوضاع فيها من السوء الذي فيها أنهم يؤمنون بالنبوات كلها والرسالات كلها والكتاب كله فلا يفرقون بين نبي وآخر ولا بين رسول وآخر ولا بين كتاب وآخر. ماذا لو حصل مثل ذلك في أسرتك فإعترف بك هذا وأنكرك ذاك من الإخوة أو الآباء أو الأمهات وماذا لو حصل ذلك مع أحد أشقائك؟ أليس يعترف لكل والد بما ولد ويعترف كل مولود بمن له عليه حق الولادة؟ الأمر كذلك في قضية النبوات وتعالى الله سبحانه وهو الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد. هل يقبل عاقل أن يؤمن بنبي أرسله ربه ثم يكفر بمن يليه أو يجيء بعده. أي خطل آفن هذا؟ والله الذي لا إله إلا هو ثلاثا وعشرا وبليون بليون مرة لو أقنعني يهودي أو مسيحي أو غيرهما بأن موسى أو عيسى عليهما السلام لم ينبها مرات ومرات على ضرورة الإيمان بمحمد عليه السلام .. والذي نفسي بيده لكفرت بالإسلام وبنبيه لتوي وإلتحقت بدينك أو دين من ترضين. ذلك هو إيماني الذي أشيده على البرهان والحجة والبينة وبالسلطان وليس بإتباع القبيلة أو الإرث أو الهوى.
6 ـ أنصحك بمزيد من دراسة الإسلام ولكن من مصادره الأصلية ومصادره الأصلية واحدة لا ثاني لها وهي القرآن الكريم سيما أنك عربية قحة تقرئين فتعربين فتفقهين فلا حاجة لترجمة ولا لواسطة وهي من بعد ذلك حديث محمد عليه السلام ولكن القرآن هو الحاكم وليس المحكوم وهو المتبوع وليس التابع. إدرسي الإسلام وأنسي الأمة الإسلامية بالمرة. أنت إمرأة متعلمة مثقفة فهل كنت تركزين إهتمامك في أي مادة من المواد الدراسية التي كنت تتابعينها على معلمك و أستاذك أم على المادة نفسها؟ ما هو الأهم بالنسبة إليك : المادة الدراسية أم موقع المدرسة وصورة حيطانها وألبسة زملائك وغير ذلك؟ الأطفال الصغار هم الذين تستهويهم الأشكال والصور أما الكبار فإنما يحدجون بأبصارهم دلالات الصور ومعاني الأشكال. الأمة الإسلامية شكل وصورة ولكن المادة الدراسية هي الإسلام وكتابه وسلوك نبيه عليه السلام. الأمة نفسها لم تكن كذلك فيما مضى وإدرسي التاريخ فهو يزيدك معرفة بالإسلام. الأمة فيها خير كثير ولكنك لأسباب كثيرة لا تدركين ذلك ومن تلك الأسباب ما يبثه الإعلام. للأمة رغم جراحاتها مجاهدات ومقاومات ومكافحات ومناضلات ومنافحات وصولات وجولات وهي متواصلة إلى يوم الناس هذا. أنظري إلى نفسك : هل تجدين في نفسك سوى الخير فلا شر يخترمه أو سوى الجمال فلا قبح يعتوره. طبعا لا. إذا كنت أنت نفسك لا تسلمين من الشر ولا من الضعف ولا من الضر والقبح وأنت في بحبوحة عيش فكيف تنعين على أمة تناوشتها الأسياف مذ فرطت في سقفها السياسي الأول وكان ذلك قبل قرون سحيقات ولكنها ساعية منذ قرون يسيرات إلى تدارك ذلك وهي مدركته لأنها مكلفة بالشهادة وهي أمة منفتحة فلا تقصي أحدا أراد الإنضمام إليها فلو أسلمت أنت الآن لكنت أختا لمليار ونصف مليار من المسلمين والمسلمات لك ما لهم وعليك ما عليهم بالتمام والكمال. سرحي نظرك في آفاق أرحب وأبعاد أوسع مما يصنعك به الإعلام أو ما قد يصيبك في إثر ذلك أو غيره من حول أو عور وما خلقك سبحانه بعينين إلا لتري مختلف الزوايا تاريخيا وجغرافيا وسياسيا وثقافيا وإجتماعيا.
7 ـ إقرئي كتاب المستشرقة الألمانية سغريد هونكة ” شمس العرب تسطع على الغرب “. إقرئي كتابا آخر لكاتب هندي كبير إسمه ” ما ذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين “. إطلعي على قصص إسلام غربيين كثر وغربيات كثيرات منهم الدبلوماسي والفيلسوف الألماني مراد هوفمان وما كتبته المستشرقة الألمانية الأخرى ذائعة الصيت دوليا آني ماري شمل. وقبل ذلك إقرئي حديث نفسك لنفسك فإذا ألفيت في الإسلام من حيث أنه دين ما يغريك فلا تترددي يوما واحدا في إعتناقه حتى لو حالت ظروف دون إعلان ذلك إذ العبرة بينك وبين ولي نعمتك وليس بينك وبين أهلك وذويك. هل تتمسكين باليهودية لأن أكثر اليهود اليوم أوفياء ليهوديتهم؟ إذا كنت تفعلين ذلك فلا تعتنقي الإسلام لأنه بحسب زعمك ليس أكثر المسلمين أوفياء لإسلامهم. هل ذلك أمر صحيح. تلك مغالطة كبرى. إذ لا يعرف الحق بالرجال ولكن يعرف الرجال بالحق. إذا كانت أخلاق المسلمين اليوم ليست في مستوى ما ترجين فلم لا تسلمين لإصلاح ذلك العطب الذي يفسد عليك أحلامك. أيهما أولى بك : هل تقفين فوق الربوة متبرمة من أخلاق المسلمين وأنت معجبة بدينهم أم تقتحمين المشهد بحنكة وحكمة وبصيرة لإصلاح تدين سباك دينه. ماذا لو سئلت يوم القيامة وأنت تؤمنين بيوم القيامة : ما حجزك عن الإسلام؟ فيكون جوابك : أخلاق المسلمين. ويكون الرد : وبم أرسلت إليك في كتاب موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام جميعا؟ هل أرسلت إليك بأخلاق الإسلام أم بأخلاق المسلمين؟ تقولين : بأخلاق الإسلام ـ ومعلوم أن الدين عند الله الإسلام ولم يكن دين موسى وعيسى ومحمد ومن قبلهم جميعا من زهاء 124 ألف نبي إلا الإسلام ـ فيكون الرد : فلم لم تسلمي إذن؟ وعندها لات حين مناص كما قيل. دعك من تعليق الأمر على أخلاق المسلمين وكوني مسؤولة على مصيرك في الدنيا وفي الاخرة إذ لو كنت في قافلة بشرية فيها العشرات أو الملايين المملينة فشذ أكثر من فيها إلى ما لا ترضين لما كان ينبغي لك سوى الثبات على ما ترينه حقا أما دون ذلك فهي الإمعية التي تثخن الشخصية وتقتلها. الناس اليوم كلهم في سفينة واحدة تمخر بهم عباب الحياة كدحا إلى الله تعالى والإيجابي فينا هو من يمنع العابثين بالسفينة يريدون ثقبها من أسفلها أما من يرفع شعار : نفسي نفسي فحسب .. فهو ظهير العابثين وهو أول الهالكين من الهلكى. إذا كنت ترين أن الإصلاح يمكن أن يتخذ له دينا غير الإسلام فلا ضير عليك أن تظلي يهودية. رأس الأمر هو ما هداك إليه عقلك. إذا هداك عقلك إلى اليهودية فظلي عليها وإذا هداك عقلك إلى الإسلام فلا حجة لك مع نفسك أن تترددي يوما واحدا دون إعتناقه. الإسلام أغلى من الأمة ومن البشرية ومن الوجود كله فلا تجعلينه محل مساومات مع أخلاق المسلمين.
8 ـ لا أريد التعريج كثيرا عن أكذوبة الفرقة الناجية والحديث الموضوع عن الفرق. في الحديث المعني ضعف شديد قد يفضي به إلى الوضع أي الكذب ومن أبرز مبررات ذلك عدم توافقه مع المنطق القرآني القائم على أن الأمة الإسلامية كلها في محل إنجاء ما تضمنت أركان الإيمان الستة المعروفة ثم أردفتها ـ ولو بشيء من التقصير ـ بأركان الإيمان الخمسة وما إلى ذلك من الجهاز الأخلاقي والمحكمات التشريعية الراسخة التي لا يطالها الإحتمال. الجهاز الأصولي المنيع هنا هو أن القرآن الكريم هو الحاكم حتى على الحديث بله غيره وهو المتبوع لا التابع حتى من لدن الحديث نفسه كائنا ما كانت صحته إذ لا صحة تعلو صحة الكتاب العزيز الهادي. وكل ما يخرق أصلا من أصوله في العقيدة أو الخلق أو العبادة أو المعاملة في كل حقل فهو موضوع ولا يؤبه له. من مات بعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام دخل الجنة ولا يخلد في النار حتى لو مات على كبائر كبيرة دون توبة منها إلا أن يعذب في ذلك لأجل لا يعلمه إلا هو سبحانه إبتغاء تطهيره وإعداده للخلود العدني. معنى ذلك أن الإسلام ليس يسيرا فحسب بل هو اليسر كله وما فارق اليسر شيئا حتى عقيدته إلا خرج عن دلالات الإسلام. أنت إذا سافرت من اليمن إلى أمريكا إبتغاء رزق أو نكاح أو أمن أو علم فلا أظن أنك تضبطين كل التفاصيل منذ البداية : كيف تصلين ومن تعرفين وأين تقيمين وماذا يحدث لك وغير ذلك. تلك تفاصيل كبيرة وكثيرة لا يعلمها المرء إلا عند مباشرتها ولا يمنعك ذلك من العزم بالسفر وتجشم مشاقه وتحمل وعثائه. الأمر كذلك في الإسلام : إذا إعتقد المرء في هذا الدين فإنه يعتنقه لأنه آمن بكلياته ومقاصده وإتجاهه العام وما عدا ذلك من تفاصيل صغيرة تأتي في الإبان إذ ليس من العزم والتوكل والمروءة أن يقول قائل : لا أدخل الإسلام حتى أعرف تفاصيل هذه الفرقة الناجية. هذا لا يقال حتى في التفاصيل الصحيحة فما بالك بالتفاصيل المكذوبة. هل يعجبك أنت كل شيئ في اليهودية؟ لا أظن ذلك. وكذلك الأمر في الإسلام هناك كليات عامة هي محل إعجاب من المسلمين وما عداها تكاليف قد ننشط إليها حينا ونكسل عنها حينا آخر وأخرى لا نعرف منها كثيرا لأنها غير ذات ثقل وهكذا. إذا أردت إقتناء دار في مدينة يمنية فلا أظن أنك تسألين أول ما تسألين عن بيت الخلاء فيها ولكنك تسألين عن موقعها ومساحتها وعدد بيوتها وهندستها المعمارية وغير ذلك مما هو مهم. قضية الفرق والفرقة الناجية هي مثل الأمر الزهيد جدا في الإسلام فلا يسأل عنها إلا الذي أسميهم أنا البطالين العطالين المتسكعين لفرط فراغهم الفكري على شطآن التاريخ والجغرافيا.
9ـ الأمر ذاته تقريبا يقال عن الفرق الكلامية والمذهبية من مثل الشيعة. ملف الشيعة ملف متشعب جدا فهي شيعة مذهبية وهي شيعة سياسية وهي شيعة معتدلة وهي شيعة مغالية ومثلها تقريبا بقية الفرق والمدارس في التاريخ والتراث. نبش مثل هذا الأمر لا يحسنه المبتدؤون ولا المتعلجون ولا الذين ينصرفون إليه لتصفية حسابات سريعة. هل كان جرحا داميا في المسيحية أنها فرق من مثل الكاتوليك والبروطسطنت و الأرتودوكس؟ طبعا لا. بل هي هناك أديان وليست مجرد فرق كلامية أو مذهبية. ومثل ذلك في اليهودية. أليست اليهودية اليوم في الحقل السياسي المعاصر يهوديتان : يهودية تعد أي عمل لبناء دولة هو خطوة في إتجاه فناء اليهودية وقيام ساعتها ولذلك تتكافل تلك اليهودية مع المقاومة الإسلامية للإحتلال الإسرائيلي في فلسطين ويهودية أخرى على الضد من ذلك. التنوع في الكون والخلق والإجتماع إرادة إلهية ربانية رحمانية ومن يجرؤ على إلغاء ذلك؟ التنوع الكلامي والمذهبي والمللي والنحلي والديني والعقدي والتقاليدي والعرفي وغير ذلك من التعدديات المعروفة .. كل ذلك عامل إثراء بشري ولعلك لا تعلمين أن أقوى سنة في الكون طرا مطلقا هي سنة الإزدواج التي شدد عليها القرآن الكريم تشديدا عجيبا وغريبا وما ذلك سوى لتعليم الإنسان أن كل شيء متعدد متنوع مختلف يجوز عليه الإزدواج إلا الله سبحانه أي كان ذلك لخدمة أسمى مقاصد الإسلام أي توحيد الديان سبحانه ومن جهة أخرى كان ذلك لحث النظر العقلي البشري على تسخير الكون وتقحم العلوم وذلك بسبب أن الحياة في الكون مدينة للحركة والحركة مدينة لقانون الزوجية وقانون الزوجية مدين للعمل والعمل مدين للتنافس والتنافس مدين للغريزة الجبلية وهذه مدينة للباري الذي أودعها فينا. تلك هي حلقة الحياة وتلك هي فلسفة الكون. ولا يشذ الدين عن ذلك فهو موحد العقائد والمقاصد ومتنوع الجزئيات والتفاصيل ومن الحكم في ذلك كذلك إرساء قانون الإبتلاء الذي لولاه لم نبرأ أبدا البتة من لدن الباري سبحانه. فما خلقنا إلا لقصد الإبتلاء والإختبار.
السنة والشيعة إذن وغيرهما من الإرث الكلامي والعقدي في الإسلام أبواب في دار الإسلام وللإسلام أبواب بمثل ما لبيتك أبواب من أيها شئت ولجت تيسيرا لك وعليك. لا يكون سؤال البداية كم لهذا البيت من باب ولكن سؤال البداية هو هل يروق لي هذا البيت فإن راق لي دخلت ومن بعد دخولي أنا حر في توسيع هذا الباب أو إيصاد الآخر أو فتح نافذة هنا أو كوة هناك. ذلك هو مثال الفرق الكلامية والمذهبية في الإسلام وفي كل دين. فلا يكن ذلك حائلا دونك ودون تحقيق سعادتك من بعد موتك لا بل سعادتك قبل موتك كذلك.
أقول لك كلمة لعلها تكون الأخيرة في هذا الحوار. كلمة ربما تكون عسيرة الهضم ولكني أعول على عقلك : نظام الدين هو نظام الدنيا بالتمام والكمال ولذلك إفقهي نظام الدين ـ الإسلام مثلا ـ بمثل فقهك لنظام الدنيا فما من شيء في هذا النظام الدنيوي الذي نحياه إلا ونظيره في النظام الإسلام مع إعتبار الإختلاف بين المادة والمعنى مثلا وبين الشهادة والغيب وهكذا.
وأردفها بالكلمة الأخيرة : لا عذر لك مع نفسك ـ وليس مع أي أحد من الناس ـ إذا كان الإسلام من حيث هو دين قد أعجبك ثم تترددين متعللة بأخلاق المسلمين. ذاك سلوك يجعلك مفصومة الشخصية. إذا كنت متزوجة فهل يعجبك كل ما في زوجك. قطعا لا. ولكنك ما نكحته إلا لرجحان أفضاله على سوءاته. هل قرأت القرآن الكريم. أما سحرك بيانه الذي سحر مشركي قريش الذين إنما جاء لإفحامهم ببيانه فبكتهم ولكن حق فيهم :“ وجحدوا بها وإستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا “. أربأ بك أن يكون ترددك في الإسلام من تلك الطينة. أنت عربية وليس بينك وبين الكتاب الناطق بإسم ولي نعمتك واسطة وتلك نعمة وأي نعمة. وحجة ذلك السلطان عليك أكثر من حجته على غيرك من غير العرب. كيف تتخلف عربية في مناخ عربي عن منح نفسها فرصة السعادة بعاجلها وآجلها. كتاب معجز من كل جانب. أنظري إليه هو وأنظري إلى هذه الأمة يوم كانت خير أمة أي يوم كانت تقود الدنيا بالعلم ولعلك تعرفين شيئا عن إبن رشد الحفيد وغيره من علماء الإسلام الذين نبغوا في العلوم الكونية قبل نبوغهم في العلوم الشرعية. إذا كان لك والد أدركه الكبر عندك فهل ترمينه في دار العجز لأنه لم يعد اليوم مغريا كما كان معك بالأمس. طبعا لا. لم؟ لأنه كان بالأمس يحدب عليك حدبا جعلك إمرأة لها شأن. أنت تنظرين إلى ماضيه وليس إلى حاضره. إفعلي كذلك مع الإسلام. أنظري إلى ماضي أمته وإقرئي التاريخ. المرأة الشهمة الكريمة لا ترمي من تحب في يوم عجزه أو مرضه بل ترعاه حتى يموت أو يشفى. هذا دين إنما خلق ليحيا لا ليموت ولكن تمر بأهله سنون العجف والهرم والمرض والعجز والعيب عيبهم هم وليس العيب عيبه هو. هذا دين يستقبل اليوم غدا واعدا وحركة البشرية اليوم إليه مشرئبة وأول دليل على ذلك أن الإهتمام بالإسلام اليوم لا يوازيه إهتمام ومن خصومه وأعدائه قبل أهله. أنت إمرأة في مقتبل العمر وإمرأة المستقبل فلا تفرطي في المستقبل أما اليهودية والمسيحية وغيرهما فهما ملك للتاريخ.
أجل. أدعوك بحرارة من ذاق فاشتاق إلى الإسلام. ولكني أدعوك قبل ذلك إلى إعمال البصيرة والحكمة والعقلانية وإستقلال الشخصية والتحلي بالملكة العلمية فإن ألفيت فيه ما يسرك فلا تضني على نفسك بالعسل المصفى وإن ألفيت غير ذلك فاليهودية حسبك. أدعوك إلى إدارة حوار هادئ مع نفسك أنت وليس مع أي بشر فوق الأرض. أدعوك والفؤاد ممتلئ ورب الكعبة برجاء الهداية إليك وإلي كذلك ولكنه أكثر إمتلاء بأن المهجة بين يديه وحده سبحانه فهو الذي يقلبها كيف يشاء. فإن أردت الخير لنفسك فهو يأتيك بأسرع مما أنت عليه تقبلين وإن كانت الأخرى فهو الغني عنك وعنا جميعا ولكن عذاب يوم القيامة شديد أليم.
الهادي بريك ـ تونس
28420944
brikhedi@yahoo.de