خطبة الوداع أو معالم الدستور الأعظم الجزء الأول

قصتي مع هذا الدستور عجيبة . حفظته عن ظهر قلب منذ سنوات بل عقود. لم ألف شيئا ورثناه تولى بيان المرجعية الدستورية العظمى ( القرآن الكريم ) مثل هذا : إنها خطبة حجة الوداع من في أعظم ولد آدم وفي أعظم يوم في الحياة ( يوم عرفة ) وعلى أديم مشعر من مشاعر الحرم المكي الأعظم ( جبل عرفة ). كتبت عنه في مثل هذه الأيام سنين طويلات وفي كل عام جديد أعاهد نفسي ألا أكتب ولكن يغلبني حبه والشوق إليه . ما ألفيت شيئا قرأته فغمرني ـ بعد النص المقدس الأول ـ بشآبيب الرحمة مثل هذا الدستور. هودستور الإنسانية بحق لما جمع إليه من بنود سبعة كفيلة بإختصار المشهد الإسلامي كله برمته في بعدها الجماعي العام. كيف لا وصاحبه أوتي جوامع الكلم. بل كيف لا وصاحبه يرتجله بين يدي عشرات الآلاف من الحجاج ـ هم أصحابه ـ ولسان الحال يقول : صاحبكم يودعكم فعوا عنه وبلغوا ” ورب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه “. الناصح الأمين لقومه ـ والبشرية جمعاء قاطبة هي قومه ـ ومثله الرائد الذي لا يكذب أهله ومثلهما الأب الحنون والأم الرؤوم .. كل أولئك يلقون الحكمة وفصل الخطاب عندما يهمون بتوديع من عليه كانوا يحدبون. أحببت محمدا عليه السلام بمثل ما يحب المؤمن وأزيد عليه بتعلقي بهذا البيان الدستوري الباهر معنى والساحر نظما. هذا وطني.هذا أملي أن تفيئ إليه الإنسانية يوما فيئة قريبة. لا أمل للداعية إلى سواء الصراط المستقيم سوى أن يشيد في تلك الفيئة لبنة. سر ولعي ـ بل ولهي ـ به هو أن هذا البيان الدستوري ينقلك من ضيق الأنا إلى سعة الجماعة ومن ضيق الحركة إلى سعة البلاد ومن ضيق التدين إلى سعة الفطرة ومن ضيق الأمة إلى سعة الآدمية. يخترمني نزع جذاب بقوة إلى بسط فرش الرحمة بين أيدي الناس كلهم أجمعين فما نأى من نأى منهم إلا لما رآه منا من غلظة وجفاء وتعسير وتنفير وإلا فما هم سوى أكباد حرى مجبولة على الخير. أم تتوهم أن شطارتك ساقتك إليه سبحانه.
الفصل الأول : الإنسان محرم  مقدس نفسا ومالا وعرضا وعقلا.
قال عليه السلام :” أيها الناس إن دماءكم و أموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا “. ألا هل بلغت اللهم فأشهد. أعرف أنك ستنشد إلى ” مقدس ” ليشغلنك ذاك ويستولي عليك. دعها ومرّ. دعها عقيدة لي أن الإنسان مقدس بسبب حرمة نفسه وماله وعرضه وبسبب منّه عليه سبحانه بالتكريم والتفضيل حتى على الملك المسبح والتقديس معناه الرفعة أن يوطأ. أنى لك أن تقبل أن المسجد الأقصى مقدس ولذلك سمي قدسا وهو كومة أحجار ـ مثله مثل الحجر الأسود وما فعل به الفاروق ـ و الإنسان الذي فضله باريه سبحانه على الكعبة المشرفة العظيمة ليس كذلك؟ كيف لا يقدس بناء الرحمان سبحانه؟ كيف لا يقدس من يساوي دمه دم البشرية جمعاء قاطبة ” أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما  قتل الناس جميعا “. لذلك ظل حبر الأمة يفتي معارضا الصحابة بعدم توبة قاتل النفس ظلما مستنبطا فقهه منه عليه السلام :” مازال المرء في سعة من دينه ما لم يصب دما حراما “. لأجل الإنسان حرم ثلث الزمان وكثير من المكان. ولأجل الإنسان شرعت الحدود ” القاسية وغير المتناسبة مع حقوق الإنسان ” من مثل قطع يد السارق وجلد الزاني والقصاص الذي لنا فيه ” حياة ” وبذا وردت نكرة لتستغرق الحياة كلها ومن بديع لسانك تعريف النكرة بسياق المعنى. ألم يكن فقهاء الأصول الأوائل على حق مطلق عندما جعلوا على  عرش الثلاثية المقاصدية الغزالية ( ضرورات وحاجيات وتحسينيات ) خمس محرمات عظمى بل خمس مقدسات كبرى هي مفتاح الحياة بمنوالها البشري لا بمنزعها البهيمي ( النفس أي الحياة + الدين + العقل أي الحرية + المال + العرض أوالنسل وهما يلتقيان في جذر ما ). لم قام عليه السلام لجنازة يهودي؟ لو كان اليهودي محاربا هل كان سيقوم له؟ لم كانت أول فريضة ( إقرأ) وليس أسجد. لم جاءت ثاني سورة تحمل إسم القلم وليس السيف. لم علم سبحانه آدم أولا ليعلم هذا الملك المسبح ليل نهار صباح مساء لا يفتر ولا يسأم. بل لم أسجده له؟ لم غضب عليه السلام على خالد يوم قتل في معركة مشركين نطقوا بكلمة التوحيد وسيفه قاب طرفة عين أو أدنى من رقابهم؟ قرائن الحال كلها بلغة القضاء توحي بأنهم ما قالوها إلا ضنا بأنفسهم على الموت. هل تظن أنه عليه السلام وهو الأحصف عقلا قبل النبوة وبعد النبوة لم يستقرئ تلك القرائن؟ كل ذلك يمكن أن يجد عليه الشاغبون شغبا لكن بالله عليك راجعني في هذه فحسب : لم نفي الإكراه عن الإنسان ـ وليس نهيا فحسب بسبب دخول أداة النهي على إسم وليس على فعل والنفي أقوى من النهي والعقوبة على منتهك النفي أشد من العقوبة على منتهك النهي ـ حتى عندما يدعى إلى ما يحييه في الآجلة والعاجلة؟ يعني أن الصحابة الذين عجزوا عن هداية فلذات أكبادهم المتنصرين لم ينهوا عن إكراههم فحسب بل نفي الإكراه عنهم نفيا ليكون أبلغ من مجرد النهي الذي قد يعصى. يعني أنه سبحانه يقذفك في النار لو أخرجت من النار البشرية جمعاء قاطبة بسيف الإكراه والعنف والإرهاب وليس ترغيبا بالحسنى. من لم يتدبر هذا الموضع في الإسلام ما فقه منه حبة خردل . ومن نفى الحرية عن الإسلام وعن الإنسان بعد تدبر هذا فلا حظ له في ميزان الحياة قطميرا .
الفصل الثاني : الماضي مرآة عكسية للإعتبار وليس مسرحا للتفاخر والتنابذ.
قال عليه السلام :” أيها الناس إن مآثر الجاهلية موضوعة إلا السدانة والسقاية “. لعلك تظن أن هذا الفصل كان أحرى بهم يومئذ إذ كانوا حديثي عهد بعكاظ وأسواق التآثر. أبدا. هذا الفصل يحمل هذا المعنى لنا نحن اليوم : وقع بينكم الذي وقع في سالف الأيام سواء بسبب خلافات مذهبية ( سنة وشيعة ) أو كلامية ( تأشعر وتصوف ) أو فكرية ( سلفية وغيرهم) أو حزبية أو قبلية أو جغرافية ( مشرق ومغرب وشمال وجنوب ) أو عرقية عنصرية ( عرب وعجم ) أو لونية خلقية ( بياض وسواد ) أو جنسية ( ذكورة وأنوثة ) وكان ذلك سببا مباشرا في إنخرام صفكم وذهاب ريحكم بل كان سببا في العيش من لدنكم في الماضي محبوسين مساجين ولسان الحال يقول : كان أبي. الماضي بقصصه القرآني والنبوي مثله مثل المرآة العكسية في السيارة : يحتاج إليها السائق لتعديل سيره فحسب فإن ظل مشغولا بها يحدجها حدج الوله فهو قاتل نفسه لا محالة وزاهق لما تيسر من أرواح بريئة. هي مآثر منبوذة لدى من يؤمن بقوله :” تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ” حتى لو كانت مآثر فضلى وهي محل فخر وإعتزاز فما بالك إذا كانت مآثر جاهلية حيث يكون النسب هو فيصل الرفعة وليس التقوى. شيدت حضارات على جنبات العرب يمينا وشمالا وظل العرب يصنعون الكلمة صنعا عجيبا لأجل تحقير بعضهم بعضا ومن أغراض الشعر الخمسة : الهجاء. ولكن إختارهم سبحانه لحمل رسالته لنقاء الفطرة التي لم تتلوث بأدران تلك الحضارات ورجل الجبلة أدعى إلى نبذ الكبر ومن نبذ الكبر هدي بحوله سبحانه. تلك هي عبرة نبذ المآثر الماضية حتى لو كانت فضلى : إجتناب أسباب الكبر كلها لأن الكبر يفرق الصف وينشئ الحقد ويغري الذئب الجاسر بالحمل المشغول بنفسه أبهة. لا يهم هنا أمر السدانة والسقاية كثيرا إلا للعلم إذ ولى أمرهما والعبرة بهما هي : الإسلام ليس دبابة إسرائيلية تحطم الذي أمامها أبدا بل هو دعوة تبقي على الطيب وتجهز على الخبيث وكم في الفترة الجاهلية العربية من طيبات أقرها الإسلام وفي ذلك درس بليغ قوامه : أيدي التصالح أكثر من أيدي الخصام وفرة وعظمة والمسافة التي بيننا يمكن لنا تقديرها ـ أي تخفيضها ـ ومساحة الحياة تتسع لنا ولكم جميعا وحتى إن أبيتم فهناك مجال للتعايش وفق (لكم دينكم ولي دين). الإسلام دين الوفاء والوفاء سيد الخلق العظيم الكريم الطيب. أي وفاء أوفى من وفاء نبي فاتح منتصر يدخل الكعبة ليصلي فيها ثم يعيد مفتاحها لصاحبه المشرك محذرا المسلمين أن يكونوا ظلمة ينتزعون مفتاح كعبتهم التي حولها يطوفون وفيها يعتكفون من صاحبه المشرك. دعني أختم هذا الفصل بهذه الكلمة : من أراد النصر حقا فلينتصف من نفسه ونفوس ” إخوانه ” لخلق الوفاء حتى لو كان الموفى له مشركا كافرا يسجد للعزى أو ينسب إلى الرحمان ولدا سبحانه.                                          
الفصل الثالث : العدل الإقتصادي شرط لحياة الإنسانية مشروط.
قال عليه السلام :” أيها الناس إن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به وأضعه تحت قدمي هاتين ربا عمي العباس “. جاء الإسلام حربا على الربا وبالا بحسبانه أشد مظاهر الحيف الإجتماعي في تلك الأيام لبساطة الحياة ونظرا لعراقة التعامل به فإن الوحي ظل يدعو إلى العدل والقسط ويربط القهر والجور بالكفر ( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ) بل إلى التحاض التكافلي العام على مصلحة المحتاج وليس مجرد التصدق أو فعل الخير ولما بدأت التشريعات تتنزل كان في مقدمتها إلغاء الربا سيما أن المدينة قائمة من لدن اليهود الأغنياء على إستغلال العرب البله من أوس وخزرج فكان إلغاء الربا ضربة قاصمة للإقتصاد اليهودي الإسرائيلي ومسرب تحرر إقتصادي واسع للناس. شأن الإسلام في ذلك التدرج شأنه مع المستحكمات الإجتماعية من مثل الخمر والرقيق. هي عبرة اليوم لمشاريع الإصلاح أن يدرسوا مجتمعاتهم ما تغلغل فيها وحقه التدرج داعين الناعقين بتطبيق الشريعة جملة واحدة ولمحة واحدة وساعين إلى توفير أسباب ذلك التطبيق من تحرر عقلي ونفسي أولا. لم يعلن التشريع حربا باللحم والدم والشحم والعصب كما يقال على شيء إلا أمرين : الربا والعدوان على الناس. ذاك في القرآن وهذا في الحديث. ألم يكن الإسلام أول من يشن الحرب الدامية الضارية ويقدم فيها قرابين لأجل العدل الإقتصادي ( حرب اليمامة بقيادة الصديق ومات فيها عشرات القراء مما دعا إلى تدوين الكتاب ). لا يبدأ الإسلام بشن حرب إبتدائيا ـ حرب طلب لا دفاع ـ إلا عندما يتعلق الأمر بالمصالح المادية للناس وليس المصالح الروحية إذ في هذه يقتصر على الدعوة بالتي هي أحسن. درس بليغ ما وعاه منا اليوم واع. دعنا من ذا إلى ما يطحننا اليوم. ألم يكن سبب الأزمة الدولية عام 2008 بسبب الربا وكانت تداعياتها خانقة فما سلمت منها بلاد لا شرقا ولاغربا بسبب التشابك الإقتصادي المفروض من لدن المنتصر في 1945. أليست نكبتنا الإقتصادية الأولى اليوم ـ نحن المستضعفون ـ من قهر المصارف الإحتلالية الأمريكية و الغربية التي نظل أجيالا في عقب أجيال ندفع لها في فوائض ديونها وليس في رساميل ديونها. ألا تشعر بالقهر القاهر عندما تذكر ذلك ـ أيها العربي ـ وفقرك كما يقول الشيخ الغزالي عليه الرحمة والرضوان يمشي على أنهار من الذهبين الأسود ( البترول ) والأحمر ( الذهب ). لم لم تنجح محاولات المصرف الإسلامي؟ لأنها مخنوقة بالضغط الربوي الدولي كغريق يحاول النجاة في يم ميموم من الأمواج العاتية. لم يتشدد الوحي في شيء تشدده في أكل الربا ثم ثبت أن أكل الربا لا يضر المأكول فحسب بل يضر الآكل نفسه وأزمة البناءات في أمريكا 2008 خير دليل. أطلعت يومها على العدد السنوي 2008 لمجلة ( جون أفريك الفرنسية ) وكان مخصصا لتلك الأزمة فألفيت أن عدد التريليونات من الدولار الأمريكي التي دفعتها دولة الإمارات لتجاوز تلك الأزمة يفوق عدد مساهمات الأرض كلها والله العظيم والوثيقة بيننا. أليس أكثر أسئلة الناس اليوم ـ هذا من وحي التجربة ـ هي عن الربا قرضا لأجل مسكن أو متجر أو سيارة؟ لم؟ لأننا في سجن دولي إسمه سجن الربا. قال الدكتور محمد عمارة بحق أن الحرب العالمية الإقتصادية الأولى بدأت يوم 01.01.2005 أي يوم إنتصاب المنظمة الدولية للتجارة التي عوضت منظمة ( القات ). إرجع إلى تلك الوثيقة بنفسك لتقتنع أنك محتل إقتصاديا إحتلالا أسوأ من الإحتلال العسكري والسياسي مليون مرة. خصمك الربوي أذكى منك مليون مرة. أنت أقرب منه إلى الله ولكنه أقرب منك إلى الشيطان وفي الدنيا لا ينتصر الإيمان حتى تكون له قوة مالية وعسكرية وسياسية. منظومة الحياة ثلاثية : حق وقوة وخير. حقك المنزوع الدسم لا يثمر خيرا بل يثمر شرا. وقوتهم المنزوعة الحق لا تثمر كذلك خيرا بل تثمر شرا.
بقيت كلمة حول العباس عليه الرضوان. هوعمه عليه السلام وكان من أثرياء قريش الذين يثرون بأموالهم على حساب قيمة العمل وتلك هي جريرة الربا المحرم فهو خبيثة إقتصادية أولا وخبيثة روحية ثانيا. بدأ بعمه كقوله :” والذي نفسي بيده لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها “. ألا ترى أن الأنبياء كلهم ـ وسيما خاتمهم عليه السلام وعليهم ـ أثقل منا جميعا مسؤولية وعملا. لم تكن هناك منحة مسؤولية لهم. من تكثر مسؤولياته يكثر فقره في تلك الأيام لذا يفرون. وعندما تجعل لموظف  17 مرتبا ـ أي زهاء مرتب ونصف عن كل شهر عمل دون إحتساب العطل وهو معمول به في بعض الدواوين ـ ولديك في البلاد عشرات الآلاف من المطحونين قهرا والمفترسين فقرا مدقعا … عن أي عدالة تتحدث؟
لكم أضحك في نفسي من المطالبين بتطبيق الشريعة جملة واحدة وبلمحة واحدة وهم عن أبسط معالم النسيج الإقتصادي الدولي غافلون. أنا ممتلئ يقينا أن الفرار من جحيم الربا الدولي اليوم لا يقدر عليه أي  نظام ” إسلامي ” حتى لو قام إلا بعد عقود. أجل عقود. عقود طويلة. حب الشريعة جميل والأجمل منه معرفتها. أليست الحكمة هي : ليس العاقل من يعرف ما يريد ولكن العاقل من يعرف كيف يريد. بين ما الوصلية وبين كيف الحالية .. مسافة وعي غير قصيرة.
ألا أخبر نفسي عن الحكمة كلها. الحكمة كلها في التدرج والأناة وذلك من بعد العلم طبعا. بل الفقه وليس مجرد العلم. فقه النص وفقه مقصده وفقه مآله. هل أنتم أشد غضبا منه سبحانه على عباده المطحونين في سجن الربا في تلك الأيام؟ أم أشد حرصا منه عليه السلام على تطبيق الشريعة؟ إذا كان لا ذا ولا ذاك فلم لا تسألون هذا السؤال : لم أقر التدرج إذن وظل الناس يطحنون بالربا زهاء عقد ونصف كامل أي حتى الهجرة. ولم ظلوا يشربون الخمر وهي أم الخبائث بمثل ذلك بل أطول من ذلك. ولم ظل النساء غير مختمرات إلى أبعد من ذلك ؟ ولم ولم ؟ إنما حالنا وحالهم كمثل بدر. أصل بدر محاولة لإستعادة ما تيسر من الحق المالي من قافلة أبي سفيان عليه الرضوان. ولكن غير ذات الشوكة لم تكن محبوبة له سبحانه يومها فقدر ذات الشوكة والنتيجة هي : أنتم تريدون أموالكم ولكم فيها مطلق الحق ولكن خير لكم منها رقابكم مقدمة قرابين إلي وذلك حتى تؤثروا الآخرة عن الدنيا.
تقسيم الناس اليوم إلى فريقين : هذا يريد العفو عن السراق بإسم المصالحة الإقتصادية إما لأنه سارق مثلهم أو لأنه لا يحب بلاده أو دينه أو قيمة العدل أو أي شيء آخر وذاك لا يريد ذلك لأنه ثوري طهوري وطني مؤمن مسلم رضي الله وأرضاه .. تلك قسمة ضيزى. هناك حل ثالث وأكثر ما نتنكبه اليوم في حياتنا هو ذلك السبيل الثالث الذي هو سبيل الوسطية الإسلامية دوما. السبيل الثالث هو النظر في تنزيل مثل هذا الأمر من حيث مصالحه ومن حيث مفاسده. فإن رجحت أيهما أمضيت. ذلك هو معنى التدرج والأناة عندما تكون الموازين منخرمة. إلا أن يدعي اليوم مدع أن الموازين قسط مقسط بين الحق والباطل محليا أو في أي مربع من مربعات العالم .. عندها أسحب كلامي وأعتذر عنه وأنسب نفسي إلى الحماقة الحمقاء. أما إنشاء تداخل بين المبدإ وبين سبيل تنفيذه فهو ينشئ إنخراما جديدا يفيد منه السراق أنفسهم. هب أننا مجموعة إزاء سارق واحد سرق لنا أموالا فلما قبضنا عليه إختلفنا في أمره. من المفيد عندها؟ أليس هو وحده. إختلفنا في سبيل الإنتصاف منه وليس من حيث مبدإ الإنتصاف منه. أم أنه لا بد من الخطإ القديم : إما كل شيء وإلا لا شيء. إما دولة إسلامية على منهاج الخلافة وتطبيق الشريعة ثم الإنطلاق إلى الدول المجاورة لنحررها بلادا بلادا ونتخلص من الجاهلية في غضون سنوات أو عقود ونرفع راية الإسلام عالية خفاقة فوق القدس وتسلم أمريكا وأستراليا وجنوب إفريقيا والقطب الشمالي معهم جميعا وإما تنازع حول أمور على قدرها الكبير هي معارك في الطريق وليست أم المعارك.
 الفصل الرابع : الأسرة مؤسسة مقدسة والمرأة كائن إنساني مكمل للرجل ومساو له بالكلية.
قال عليه السلام :” أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا وإن لكم عليهن حقا “. تواضعنا في الجزء الأول ألا عتب علي في إضافة النعت المقدس لما أراه مقدسا. الإنسان مقدس من حيث أنه فرد محرم مكرم مسؤول معلم منه النبي ومنه الصديق ومنه الشهيد. وفي بعده الجماعي الأصغر ـ الأسرة ـ  لا يكون إلا مقدسا كذلك فالأسرة إذن مؤسسة مقدسة لأنها مصنع الإنسان الأول. بل يصنع الإنسان الأول في رحم المرأة فالمرأة من حيث أنها إنسان هي كائن مقدس. إذا كنت أقدس الإنسان ـ وهو فحل ـ فلم لا أقدس من قال فيه عليه السلام عمن أولانا بالبر ( أمك ثم أمك ثم أمك ). الأسرة مقدسة ولا أدل على ذلك من أن التشريع في القرآن نفسه جاء فيها مفصلا تفصيلا دقيقا وعجيبا وهو أمر لم تحظ به حتى العقائد أو العبادات التي لم تتفصل إلا في السنة وما عدا ذلك جاء مجملا أو كليا أو مقصدا. الأسرة مقدسة لأنها هي لبنة المجتمع وخليته الحية النابضة. ألا ترى أن أكبر عيب في الغرب مثلا ـ ألمانيا مثلا لا يتجاوز مستوى الخصوبة الأنثوية فيها 0,6 بالمائة ـ هو إنقراض الأسرة وإنقراض الأسرة هو إنقراض المجتمع أي النظام بكل أشكاله المادية والمعنوية. لا تحزن على كل حال فبورقيبة ومن بعده المخلوع جاهد حتى تصل تونس إلى المعدل ذاته والفرق بينهما ليس سوى 0,2 بالمائة. أرصد الإحصاء بنفسك. هل تريد الإنقراض؟ إذا كنت لا تريده فأعتبر أن الأسرة مؤسسة قدسها الإسلام تقديسا. إنما نشأت فينا ناشئات غرب فلسفية فأردتنا قتلى حتى إنك اليوم يعسر جدا أن تلفى سياسيا تونسيا واحدا ـ أقول سياسيا ـ يجيب إجابة مقاصدية إسلامية صحيحة عن قضية تعدد الزوجات. يعتبرون السؤال محرجا. وأي حرج فيه؟ هو مباح مقيد بإجتهاد من أولي الأمر ـ أهل الذكر دينا وإجتماعا وغير ذلك من علوم الدنيا ـ لأن المقصد الأسنى منه هو : تعديل الكفة الديمغرافية ـ العمرانية البشرية بالتعبير الصحيح ـ بما يناسب حال البلد أو الأمة أو الشعب أو المجتمع. حالة الحرب مثلا. وحالات أخرى شبيهة تذهب بالرجال. هو حل يعالج الأزمة عند وجودها ولو كان حلا فرديا لما خضع للتقييد ولو كان أرفع من المباح لما أرسله التشريع بل ضبطه وقيده من عنده هو. التقييد البورقيبي لم يكن تقييدا بل كان منعا قانونيا باتا وعاما. وتقابله الليبرالية العربية في بعض البلدان حتى يكون الأمر الذي يهدد التوازن العمراني السكاني الديمغرافي في أيدي نزوات غريزية للعبث. ذانك تطرفان ما قصد الإسلام بتعدد الزوجات أيا منهما.
دعنا من الأسرة ولنتحدث عن المرأة.
ما معنى قوله سبحانه في آخر ما نزل أي التوبة :” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”. بعضنا اليوم يريد هذا ـ بل يعمل به ـ ( والمؤمنون بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) و ( المؤمنات بعضهن أولياء بعض يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر ). هو يتلوها كما أنف ويفهمها ويعمل بها كما جاء بين قوسين. هو لا يقبل مقتضى الآية أن يكون هناك أي إحتمال لتكون المرأة وليا للرجل ( لا يؤنث الولي فلا تقل ولية ). وهناك خلط بين الولاية الأسرية العائلية وبين الولاية الإجتماعية السياسية العامة. في الأولى أقول : هل عصى محمد عليه السلام ربه عندما أقر ما فعلت أم هانئ أي منحها اللجوء السياسي لأخيها غير الشقيق وهو مشرك في أثناء فتح مكة. عصت هي فأقرها هو. عملها ذاك أليس هو ولاية سياسية عظمى في شأن عام أي في قضية عسكرية أمنية تعود للدولة في الأصل. هل بحثت عنه هي فلما لم تجده تصرفت.؟ أبدا. هي إمرأة ولكنها ورغمت الأنوف تعرف ماذا تفعل وكيف تفعل. ذاك تطبيق حي نابض للآية. إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اليوم مثلا يقتضي بالضرورة الإشتغال بالسياسة والتحزب والإنتظام والقيادة والإمارة والعضوية والتنقل والتعليم والتعلم والتشاور والرئاسة والتشاور في أمور خطيرة جدا على المستقبل القومي للأمة أو للبلاد  .. فكيف تكون المرأة أمارة به وناهية عنه؟ هل نشطب عنها ذاك إعفاء؟ أم نقيض لها محرما يتبعها كظلها لا يفارقها ويكون الإختراق به يسيرا عليهم. الأم العظيمة عائشة لما خرجت مخاصمة لعلي عليه الرضوان في الجمل الذي سمي بها .. هل نقول أنها خالفت قوله ( وقرن في بيوتكن ). هي خالفت آية الأحزاب هذه وخالفت أية التوبة تلك. لم تقر في بيتها وزوجها ميت وخرجت مخاصمة ـ بل محاربة مقاتلة وزعيما ( الزعيم لا يونث ) لجماعة من المبشرين بالجنة. دعني أخاطبك بصراحة وكن مع نفسك شجاعا : إما أن تقول هي مخالفة أي غير مطبقة للشريعة وهنا أحترمك ورب الكعبة مراعاة لمستواك أو كن شجاعا وقل أنا مخطئ وعلي مزيد من فقه الإسلام ونبذ التعجل. عندها أجثو بين يديك متعلما ورب الكعبة. وفي الأمر الثاني أقول : القوامة ـ وهي المسؤولية الإجتماعية بسبب النفقة وبمنطوق الآية وبصراحها وهي الدرجة كذلك ـ شيء وهي خاصة بالأسرة والتكافل بين الرجال والنساء مجتمعين إئتمارا بالمعروف وتناهيا عن المنكر شيء آخر. ذلك هو الخلط الذي يقع فيه المتعجلون. من لم يفئ إلى ذلك عليه أن يقر بتناقض القرآن وأكون له والله من المحترمين مراعاة لمستواه.
خذ إليك قصة بلقيس ملكة سبأ. دعني أصدمك بهذا فأنا أومن بالعلاج بالصدمة. الديمقراطية من حيث أنها وسيلة شعبية سلمية حضارية لتحقيق مقاصد الإسلام السياسية أي ( التبايع الحر والتعاقد بالتراضي بين المسؤول وبين الأمة وفرض التشاور والتراضي والتوافق ومنع الإستبداد بالرأي نشدانا لأسباب الكرامة التي تحضن الشريعة كلها وتساهم في صنع مناخات تطبيقها ) وليس هي من حيث أنها فلسفة غربية أو مضمونا فكريا ـ إلا مضمونا منهاجيا يعني التشاور والتراضي والتوافق والتكافل ـ .. الديمقراطية بذلك المعنى الآلي الإجرائي المنهاجي هي مقصد الإسلام السياسي الأول وهي مؤصلة في القرآن الكريم وتحديدا في سورة النمل أي في قصة بلقيس مع سليمان عليه السلام. هل صدمت؟ ذاك رجائي. أنسبني الآن إلى حيث تريد. لا تعنيني الألفاظ والأسماء إنما تعنيني المسميات والمقاصد والمعاني. المعنى الذي لأجله قلت ذاك هو قولها ( ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ). فأثنى عليها سبحانه ثناء جميلا وقدمها مثلا للمسوؤل السياسي الأول الحريص على التشاور والتراضي والتوافق بين مكونات مجتمعه. أثنى عليها رضى حتى قال ( وصدها ما كانت تعبد من دون ا لله ) ثم قال ( إنها كانت من قوم كافرين ). ينسب الشر لغيرها وهو غير عاقل ويعفيها منه نسبيا. هي المرأة الحصيفة العظيمة الكبيرة التي إنتقلت من عبادة الشمس إلى الإسلام لرب العالمين مع سليمان وليس خلفه ولا وراءه ولا حذوه ولا حتى تقليدا له أو تأثرا به أو إتباعا له. ( أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ). هل تجرؤ اليوم أن تقول لملك مظفر : أسلمت معك. إما أن تصمت أو تقول : أسلمت خلفك أو تأثرا بك أو حتى بدينك وكأن دينه ليس هو دينك. أعرف أن الفحول لا يحبون مثل هذا ولكن أعالجهم بالصدمة.
ربما أختم بقوله عليه السلام : ” إنما النساء شقائق الرجال “. لما فقهها الفاروق سمى الشفاء رئيسة بلدية ولم يكن لها يومئذ مكتبا وثيرا ولا خدما ولا حشما بل كانت تخرج إلى السوق لتتفقد الأسعار والبضائع وتأمر هذا وتنهى ذاك وربما صادرت بضاعة هذا أو غير ذلك مما يأتي تحت صلاحيات رئيس بلدية ثم تأوي إلى بيتها فلا سيارة عمومية ولا سائق ولا مسكن عمومي مكيف في هواجر المدينة القائظة. ولما فقه ذلك الصحابة بإمامة عثمان عليه الرضوان أجمعوا على إستحفاظ النسخة الأصلية الأولى من القرآن الكريم عند حفصة. لم يا ترى والرجال يملؤون النهاد والوجاد. الله أعلم إن كانت في تلك الأيام تحيض أو لا تحيض ولكن ما سمعنا معترضا منهم يقول أنها ربما تحيض فلا تلمك قربانه. ربما ظن أنها تجعله متحفا تتبرك به مع كل فجر وليس كتابا تتلوه وتعمل به وتدعو إليه وهي من آل البيت النبوي الطاهر من الرجس.
ولما كان يمر عليه السلام بسمية أم عمار وهي تعذب في القائلة المقيلة في شعاب مكة لم يقل لها : وما يضطرك إلى هذا؟ هذا زوجك يعذب وهذا إبنك عمار وأنت لك أن تعودي إلى بيتك فلك عائلة وبيت ومطبخ. جهادك هو أن توفري لهم الأكل والشرب. جهادك الدعاء لهم. هل تظن أنه جاملها أم تظن أنه كتم الحق الذي به بعث. أقرها على جهادها ذاك وكان لا يزيد على قوله لهم كل فجر ( صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ). وبين من يوعد بالجنة ومن يوعد بالدولة بون شاسع واسع فسيح.
دعني أختم بالثلاثية الحبيبة إلى قلبي :
أول مؤمن في الأرض طرا مطلقا هي إمرأة إسمها خديجة بنت خويلد.
وأول شهيد في الإسلام طرا مطلقا هي سمية أم عمار. أي إمرأة كذلك مرةأخرى.
وأول مستحفظ مستأمن على أول نسخة من القرآن الكريم هي حفصة بنت عمر. أي إمرأة.
وأول من إنقلب على الإرث النبوي الإسلامي في قضية الأسرة والمرأة هم العرب الذين حرموا المرأة منذ القدم ـ حنينا إلى جاهليتهم الأولى ـ من السفر بإسم المحرمية ومن إختيار الزوج بإسم القصور ومن العلم بإسم تجنب الحب ولو أمضي معك هنا لأحصيت ما أجعلك به تبكي إن كان في القلب بقية شهد من إرث النبوة العظمى. ويكفي المتعجلون أن يعلموا أن كل ما يستمعون اليوم من كتاب مبين متلو بأعذب الأصوات وأصح الأداءات إنما هو أصله إمرأة إسكندرية ضريرة هي أم السعد ظلت تعلم الرجال قبل عقود طويلات فنون الأداء القرآني ثم توزع أولئك في الأمصار شرقا وغربا حتى تتلمذ عليهم ألاف الرجال ممن تستمعون إليهم اليوم فتخشعون ثم تقولون بلسان العياء الأحمق : صوت المرأة عورة. وما ألفيت عورة في حياتي سوى عورة ” فقهكم ” الأعوج البليد.
المقصود بالمساواة التي تزعجك إن كنت لا تعلم قوله الصحيح ( الناس سواسية كأسنان المشط ) ـ ولا أعلم سوى أن المرأة جزء من الناس فهي إذن مشمولة بالمساواة ـ هي المساواة المصدرية والمساواة الرسالية التعبدية والمساواة المرجعية. كل ذلك مذكور في قوله في أول النساء آية. يعني أن الرجل لا يفضل المرأة بسبب فحولة ولكنهما يتفاضلان أي يتبادلان الأفضلية مما يقتضي التكامل بالضرورة. إذ لم يقل ( فضل الله به بعضهم على بعض ) كما تريد أنت أن تفهم بل قال :” بما فضل الله بعضهم على بعض ). أي بعضهم مفضل على بعض فهما يتبادلان الأفضلية هذا يفضل ذاك بالصبر على تحديات الخارج وتلك تفضله بالصبر على تحديات الداخل. أي داخل الأسرة وخارجها. بل فرض لكل منهما نصيبا فقال ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما إكتسبوا وللنساء نصيب مما إكتسبن ). هنا جاءت ( به ). لأنه تفضيل في الرزق أي في الإرث ومقصده معروف ولا شأن لنا به الآن خشية الإسهاب. تفضيل يفضي إلى العدل وليس إلى المساواة لأن المساواة هنا هي عين الجور. هما يتساويان إذن في الخليقة الأولى ويتساويان في الرسالة التي يتساويان فيها حتى مع الجن أصلا أي رسالة العبادة والخلافة والعمارة وإقامة العدل والحكم بالحق. هي مساواة الشقة بصريح وصحيح الحديث آنف الذكر. أي معنى للشقة المقيدة والمؤكدة بأداة التأكيد والحصر ( إنما ) إذا لم تكن مساواة. أما من ينظر إلى الإختلافات البيولوجية بينهما ليستنبط بمنهاج أعور أنهما غير متساويين فهذا حسبه من العلم ما نظر إليه أي العورات. إذا أثبت لي أن الشمس أفضل من القمر مثلا أو أن الليل أفضل من النهار مثلا فئت إليك في تفضيلك الفحولة على الأنوثة. وعندها تكون أنت بفحولتك أفضل من أمهات المؤمنين مثلا.
الفحولة والأنوثة في عالم الإنسان مركبان زوجيان يختلفان هنا ويشتركان هناك ليقتضيان التكامل بقصد عمارة الأرض بالخير. تلك هي أبهر خلاصة عندي لما أشكل عندك. العلاقة إذن هي علاقة تكاملية لا تفاضلية. 
الفصل الخامس : التآخي عماد المجتمع العامد.
قال عليه السلام :” أيها الناس إنما المؤمنون إخوة فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”. الكفر هنا بضرب بعضنا رقاب بعض يعني كفر النعمة أو الكفر الأصغر غير المخرج من الملة بحسب تقسيم سديد للعلماء. وهو كقوله عليه السلام “ّ ثنتان في أمتي هم بهما كفر : الطعن في الأنساب والنياحة على الميت “. المقصود هنا هو الكفر لغة وليس الكفر شرعا. ولا يعني ذلك أبدا تهوين القتل العمد لنفس بريئة وقد مر بنا أن الإنسان ـ حتى لو كان كافرا إبن كافر ـ مقدس مكرم ما لم يكن محاربا وأمره إلى الله في دينه فالعلاقة معه هي علاقة دعوة وحوار أو تعاون على ما أمكن فيه التعاون وليس علاقة حرب إلا المحارب المعتدي في غير محل هدنة أو تصالح. الذي يهمني هنا أن التآخي بين الناس عامة على أساس الإنسانية وبين المؤمنين بصفة خاصة على أساس الإنسانية والإسلام .. ذلك التآخي هو عماد الأمة وعماد كل إجتماع بشري. مطلب الإسلام أن يكون على أساس الله ورسوله فإن لم يمكن ذلك فعلى الأساس الذي بنى عليه عليه السلام دستور المدينة أي المواطنة. الغرب اليوم لا يحترب بعضه مع بعضه وفيه من الأديان والألسن واللهجات والأعراق والعناصر والملل والنحل والطوائف والمذاهب والإتجاهات الفكرية والدينية والسياسية ما به تعجب لو علمت طرفا منه. لا يحترب الغرب رغم تعدده الشديد جدا وليس على أساس التآخي الديني بل على أساس المواطنة الدستورية. هي كلها ضمانات الإجتماع السياسي كما شرحه أبوه إبن خلدون عليه الرحمة. ضمانة الدين وهي أكبر ضمانة ولكنها غير كافية وضمانة السلطان الإجتماعي أي الرقابة الإجتماعية التي تصنع الحياء في النفوس ولكنها غير كافية وضمانة السلطان بالقوة وهي لازمة وغير كافية. هي ضمانات تتكافل ولا تتصارع. ماذا عندنا نحن منها معشر العرب والمسلمين. الأصل أن تكون متكاملة لدينا بعناصرها الثلاثة. كان عليه السلام يقول في قنوته في الصلاة ( وأشهد أن الناس كلهم إخوة ). كان يقرنها بشهادة التوحيد العظمى. نحن اليوم ـ أو بعض منا يزيد إلى الشهادة شيئا آخر ( علي ولي الله ) أو ( حي على العمل ). علي عليه الرضوان ولي الله دون ريب ولكن الزيادة على كلمات الأذان أو الإقامة التوقيفية ـ زيادة لا تكريرا ـ أدنى شيئ إلى البدعة.
لما برز المفكر والفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو بعقده الإجتماعي إنما بناه ليكون سفرا من أسفار الثورة الفرنسية وليكون التكافل فيه بين الفرنسيين أجمعين على أساس المواطنة والعقد والتبايع بين الحاكم وبين الناس في الشأن السياسي. هو عقد في مضمونه العام ـ مضمونه العام ـ متساوق مع دستور المدينة. بل إن الرجل معجب بالتراث النبوي وبشخصية محمد عليه السلام. ترى هل أسلم رجالات الغرب ونساؤهم الكبيرات وهم بالآلاف المؤلفة ـ أي من رجالات العلم وليس من عامة الناس ـ بسبب فقرنا المدقع أو بسبب عروبتنا التي فرطنا فيها لحساب لسانهم أو بسبب تفرقنا الأغرى إدقاعا. إنما أسلموا بسبب ما ألفوه في هذا الدين من ضوابط تحفظ المجتمع وتؤمن الناس. وفي الطريق المعاكس لهم هجم علينا بعض منا ممن غرتهم المادية الكالحة العجفاء فرسخوا فينا المادية وأنشؤوا لها الأحزاب وتمكنت من الحكم والتأثير والتوجيه فأقفرت البلاد وتصحرت النفوس وقحط العطاء والإبداع وتجففت كثير من منابع الخير والأمن والسلام.
ترجم ذلك عليه السلام في دستوره المدني بطريقة تسمى اليوم الكنفدرالية أو الفدرالية. الكنفدرالية هي النظام السياسي السويسري والفدرالية هي الأمريكي والألماني. معنى ذلك هو أنه وخاصة في حالة التعدد الديني والمذهبي والعرقي واللساني وغيرها لا يصلح بالمجتمعات لأجل التعايش السلمي الدافع إلى العمارة بالخير سوى النظام السياسي التعددي أي الفدرالي الذي يسمح للأقليات والأغلبيات على حد سواء بتنظيم أمرها الديني الخاص بما يناسبها محليا والوقوف صفا واحدا مرصوص البناء لمواجهة المهمات الكبرى من مثل السياسة الخارجية في حالي السلم والحرب والدفاع العسكري وحفظ النظام وكل نظام يحترم نفسه لا بد ينشئ قاعدة بشرية ومضمونية لحفظ النظام العلوي كالعالمانية مثلا أو التشيع الأثني عشري في إيران مثلا ثانيا أو غير ذلك أو الأباضي في عمان مثلا ثالثا وهكذا..
التآخي إذن ليس وعظا دينيا كما نمارسه نحن ثم ننصرف مسرورين. التآخي ركن من أركان النظام العام الذي وجب حفظه أن يوطأ من لدن الخصم والعدو فيخر السقف بالكلية على ساكنيه. أبو النظام الفدرالي الكنفدرالي الكفيل بحفظ أكبر ما يمكن من الحريات الفردية والمحلية من جهة وبتوسيع قاعدة الدفاع الخارجي من جهة أخرى .. هو محمد عليه السلام. إهتدى إلى نظامه السياسي الألمان والأمريكان وغيرهما وتنكبناه نحن لننشئ إما ملكيات غير دستورية ترثنا كما ترث متاع الهالك أو جمهوريات قومية نشأت لتحرير فلسطين والإلقاء بإسرائيل في البحر فبقت إسرائيل وإزدادت قوة وإلتقمنا نحن البحر هجرة إلى شمال المتوسط فرارا من الخوف أو من الجوع أو أنظمة بوليسية عسكرية لا تبقى ولا تذر شيئا من حق الإنسان في الحياة الكريمة.
دستور المدينة دستور تعددي يضم الأديان إليه ( إسلام ويهودية ) والأعراق والعناصر ( أوس وخزرج من المدينة نفسها ومهاجرين من مكة ) والألسنة كذلك وغير ذلك. دستور مبناه التآخي الديني والوطني معا. هو النسخة الأولى لكل دستور تعددي تصالحي جامع يفسح الحرية محليا ويحشد الناس إلتزاما وطنيا مسؤولا لمقاومة الخطر الخارجي. ظل ذلك ساريا في بدر وأحد ولما جاءت الخندق ضاقت يهود بالأمر ذرعا فخانت بنو قريظة فتأدبت مثلها مثل بني النضير وغيرهما. ذلك هو معنى الأمن القومي. دعك من القرف الذي تبديه من قولي ( قومي ) لأنك متأثر بجدل السبعينات. القومية ولاء في سلسلة ولاءات  أعلاها الإسلام وأدناها ولاؤك لنفسك ولعشيرتك القربى. الولاء سلسلة لولبية عارجة وليست خطا لا عموديا ولا أفقيا ومن شأن الهيئات اللولبية القدرة على المعراج وكذا إستيعاب أكثر من لبنة ومحطة ولاء.
لسنا اليوم مطالبين بالتآخي المفروض بالإسم على كل أنصاري أن يقتسم ماله وما له بالكلية والسوية مع أخيه المهاجر. ذلك أمر لم أبح به إلى اليوم لأي ألماني وأنصح الدعاة هناك ألا يبوحوا به أن يعرضوا الإسلام إلى الإتهام بالمثالية الطوباوية غير الموجودة في الأرض كمن يحمل الناس إلى أخلاق الصديق والفاروق .. تلك قامات سامقة شامخة لا أحبذ الحديث عنها كثيرا في حالنا اليوم وأحسبه ـ بل أحتسبه ـ فقه دعوة. أبصرت بعيني في مدينة ميونيخ عام 1995 زوجين جارين لي في مقهى هناك يفتش كل واحد منهما في جيبه لإستخلاص ما عليه من حسوة قهوة ويذهب كل واحد منهما بمفرده إلى محل الإستخلاص ثم ينصرفان. هما زوجان فوق السرير فحسب. ولا شأن للزواج بالحياة ومتاعبها ولا شأن لك أن تعرض دينك للضحك فتقص عليهم أن هناك في التاريخ رجالا إقتسموا زوجاتهم ـ وليس أموالهم فحسب ـ مع رجال آخرين. لا تكن داعية فحسب بل كن داعية حصيفا أريبا ذكيا مثل إبراهيم عليه السلام أو على دربه ولك مراجعة ذكائه في القرآن الكريم نفسه ( البقرة وإبراهيم والأنبياء مثلا ).
نحن مطالبون بما دون ذلك بكثير وكثير. مطالبون بنزع الأذى فحسب ولنا في ذلك صدقة كما جاء في الحديث الصحيح. تلك هي الدرجة الأولى وعندما نجتازها نرتفع إلى الأخرى.
أجل. في عصر داعش علينا إلتزام تلك الدرجة الأولى. لا علي إن كانت صنيعة غربية أم لا. ولكن علي أن أقول لنفسي : هؤلاء من جلدتك ولسانك وقومك ودينك وأهلك وعشيرتك ويمسكون البريء وهو مثلهم دينا ولسانا وقومية ويحكمون عليه بالردة ثم يقتلونه بالطريقة التي أمرنا أن نتجنبها عند قتل الأنعام والأضحيات أي إحداد الشفرة وإراحة الذبيحة وعدم ذبح هذه أمام تلك وقودها إلى الموت قودا جميلا كما أمر عليه السلام. هب أنه مرتد حقا. بأي حق تقتله أنت. ومن أين لك أن حد الردة القتل. والردة درجات ولا قتل فيها سوى حرابة وليس مجرد ردة. وكيف تكون الخصم والحكم. ولو صح كل ذلك منك كيف تذبحه بمدية دامرة أمام قائمة أخرى ينتظرون الذبح. الذابح يكبر والمذبوح يكبر. ليت شعري. وتهتم لذلك فتصوره وتنشره. عقلي يقول لي : عندما وصلنا إلى هذا الحال سواء كانت داعش صنيعة أمريكية أم عربية .. فالحديث عن ا لتآخي يفقد كل معنى. فلنبدأ من الدرجة الأولى : دع الأذى وإمض حيث تريد.
وعندما يضرب بعضنا رقاب بعض فقد كفرنا. من كفرنا؟ هو عليه السلام. ولكنه حمدا له سبحانه كفر نعمة. ولكني أومن أشد الإيمان بقوله الذي لم يرتب عنه في أي ذنب ما رتب إذ رتب أربعة جزاءات عظيمة فاقرة :” ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ولعنه الله وغضب عليه وأعد له عذابا عظيما “. الخلود في جهنم + لعنة الله + غضب الله + العذاب العظيم. لم يرد مثل هذا في أي ذنب حتى الشرك والكفر والردة وأي شيء يمكن لك أن تتصوره ثم تقول لي أن الإنسان ليس مقدسا في الإسلام. بل هو مقدس تقديسا لا يعلوه سوى تقديس الله سبحانه . هو مقدس وقدس بناءه. فمن شاء آمن ومن شاء كفر.
التآخي لا يعني نبذ التعدد والتنوع.
التآخي يعني التعايش السلمي بيننا جميعا على ما بنا من تعدديات وإختلافات وتنوعات حتى لو كانت عقدية. أسأل نفسي دوما : لم لا نذهب إلى يهود جربة فنقلتهم. ماداموا أعداء لنا إذ يدينون بدين غير ديننا. هل منعنا أحد في أ يام الأضطراب الثوري قبل خمس سنوات. حتى الآن. من يريد قتلهم سيقتل منهم واحدا على الأقل ثم تأتي الشرطة كالعادة في محل التسلل. ما الذي يمنعني أنا أن أقتل يهوديا في جربة. القانون ؟ والله لا. اللهم فاشهد. السلطان الإجتماعي ؟ اللهم لا فاشهد. إنما هو الدين وليس غير الدين. ذلك هو معنى التآخي وهو درجات : من تآخي ديني إلى وطني إلى عرقي أو قومي إلخ ..
عندما نفقد تآخينا إلى درجة أن بعضنا يضرب رقاب بعض ظلما ( داعش مثلا وليس مثلا أوحد) فلا حديث عن أمة ومجتمع وشعب ودين وعبادة وتقوى وكذب آخر طويل عريض نستدر به عطفه سبحانه أو ينافق به بعضنا بعضا.
عندها رجعنا كفارا. وبين الكفر بالملة وبين الكفر بالنعمة من مثل ضرب بعضنا رقاب بعض إنما هي مسافة قلامة أو أنملة. فلا ترع حول الحمى أن تقع فيه. وحمى الله محارمه وأكبر محرم عنده هو عبده الذي خلقه فمنحه حرية الكفر بمثل ما منحه حرية الإيمان بنص صريح صحيح وحسابه عند ربه وحده يوم القيامة وهو اليوم لفرط صبره عليك وعليه يرزقه رزقا خيرا من رزقك أنت ( آية الكهف للأولى وآية الإسراء للثانية ).
الفصل السادس :  المساواة العنصرية تفضي إلى الإسلام أو نبذ العدوان على الأقل.
قال عليه السلام :” أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم “. ربما تضيق كعادتك بكلمات المساواة وغيرها مما لا تسمعه من في خطيب أو واعظ أو حتى عالم أو مفت أو أي منسوب للدين اليوم في العموم إلا من رحم ربك وقليل ما هم. ضق أو لا تضق فالكلمة نفسها قرآنية قحة وحديثية أشد قحاحة كما سبق وأنف ذكره. إذا كان الناس اليوم يستخدمون مثل تلك الكلمات وهي أصيلة ديني فليس لي أن أتبرأ منها هي لأني أتبرأ منهم هم أو من توظيفهم البليد لها. أنا مكلف بإستخلاص وتحرير إرثي وليس التفويت فيه لهم. ألم تر أن الإسلام نفسه أقر أشياء كانت في الجاهلية لأنها طيبة ( دية القتيل مثلا ـ إبراء البرد أي الرسل مثلا إلخ ..). وعندما نلتقي معهم على شيء فذلك هو معنى قوله ( وتعاونوا على البر والتقوى ) إذ التعاون بين الناس ليس مشروطا بالصف الإسلامي. ألم يؤجر عليه السلام مشركا جمع بين القوة وبين الأمانة ليكون دليل أخطر عمل قام به السلام أي الهجرة التي كانت محفوفة بألف ألف مخطر ومخطر. ألم يمت ودرعه مرهونة عند يهودي. باعث الخصام ليس الدين في إختلافه بل العدوان وليس سوى العدوان. ألا ترى أنا أمرنا أن نقتل المؤمنين الذين ينبذون الصلح فيعرضون الأمة إلى مزيد من تمزيق الصف الواحد ( سورة الحجرات ). قاتل المؤمن شهيد إذن عندما يكون المؤمن أهلا للقتل. المعنى من ذلك أنه لا دخل لإيمان ولا لكفر في الخصام والقتال إنما العدوان هو سيد الموقف فإن وجد عدوان أغمض عينيك معا وقل دلوني على القاتل لأقاتله حتى لو كان أتقاكم وأورعكم وأقفل أذنيك كلتيهما وقل دلوني على المقتول لأنتصف له حتى لو كان يهوديا إبن يهودي ولك في القرآن قصة اليهودي الذي إنتصف له سبحانه من فوق سبع سماوات بعد أن كاد عليه السلام يضل فيه. إقرأ القصة لتفيد علما قوامه أن العدل هو مطلوب الإسلام الأول.
المساواة العنصرية معناها المساواة بين الناس في التقدير والإعتبار والمعاملة والمعالجة بغض النظر عن إختلاف عناصرهم والعنصر هو العرق. فلا تقل هذا ميز عنصري ولكن قل : هذا ميز بسبب العنصر إذا كنت تشفق على لسانك وإن كنت ممن لا يضيرهم أن تندلق أقتاب لسانك كما تندلق أقتاب بطن مبعوج فلا حرج عليك ولا تثريب.
بم دعاهم عليه السلام هنا إلى عبادة رب واحد وهو يخاطب الناس أجمعين لأنه رسولهم أجمعين وليس كما نعتقد نحن أنه نبينا نحن وكتابه لنا نحن وكفى الله المؤمنين القتال. قلنا فلسطين للفلسطينيين فإزدادت إحتلالا. ولكن عندما نقول : الكتاب للمؤمنين والرسول للمسلمين لا يجوز لأننا عندها نصادر على المطلوب بلغة المناطقة. هو يخاطب الناس عامة أجمعين ولذلك يقول في أول فصل من الفصول السبعة مما أعالجه هنا ( أيها الناس ) ثم يقول في عقب كل فصل ( اللهم هل بلغت اللهم فأشهد وليبلغ الشاهد منكم الغائب ).
دعاهم إلى الإيمان برب واحد متوسلا إليهم بقوله ( إن أباكم واحد ). أي متوسلا إليهم بالوحدانية العنصرية أو الأصلية الخلقية أو سمها ما شئت فلسانك أخصب مما تظن. عنصركم واحد فأقمن بكم إذن أن تعبدوا ربا واحدا. دعك ممن يقسم التوحيد إلى أقسام إنما صنعها بعض الأئمة الكبار ذات يوم لمواجهة كلامية ( إبن تيمية مثلا عليه الرحمة والرضوان وهو يخوض مراكب الكلام مع الباطنية والظاهرية بمختلف مدارسهما فهي إذن طريقة مدرسية لا تصلح لتخرج من ذلك الإطار ولا تصلح أصلا ليخاطب بها عامة الناس ممن ورثوا الإيمان في مصدره الأول القح دون تلك التفصيلات والتعقيدات من مثل توحيد ربوبية وتوحيد إلهية وتوحيد أسماء وصفات ). الرب والإله والولي والحاكم وغير ذلك مما ورد من أسماء له وصفات هي واحدة في دلالتها العامة إلا ما كان منها لغويا صرفا من مثل ( أذكرني عند ربك ). ولو كان التوحيد ثلاثي الأبعاد بمثل ما يفعل المتنطعون اليوم ـ والتوحيد هو رأس الإيمان وسيد شعبه طرا مطلقا بل هو رأس الأمر كله ـ لما ضن به عليه السلام على أصحابه وهم الذين قالوا ما مات عليه السلام حتى علمنا كل شيء حتى الطائر يطير بجناحيه في الهواء.
أحادية العنصرية إذن ـ فيئنا إلى آدم كلنا أجمعين ـ داع من دواعي الإيمان. ولذلك ميز الإسلام بين أتباع الدين السماوي وهو محرف قطعا وبين غيرهم فأجاز العلاقة التناكحية مع هؤلاء وبعض العلاقات الإجتماعية الأخرى ومنعها مع الآخرين حفظا لجوهرة التوحيد.
عندما يشعر الناس كلهم أنهم متساوون في المصدرية الخلقية الأولى وأنهم أصحاب مسؤولية واحدة هي مسؤولية العبادة والعمارة وإقامة العدل والقسط والمساواة بين الناس وأنهم إليه راجعون جميعا .. عندما يترسخ ذلك الشعور في الإنسان فإنه يكون أدنى إلى الإستجابة ولذلك على الدعاة في أروبا والغرب البحث عن تلك المشتركات لتغذيتها والتذكير بها قبل الوصول إلى منطقة الخلافيات.
من يبدأ مع غيره في الخلافيات هو الأحمق الذي يريد الحرب بكل ثمن. ومن يريد تكثير سواد أمته يبدأ بالمشتركات بين البشرية لعله ينتخب منهم بحوله سبحانه أدناهم إلى الفطرة والجبلة.
آدم ـ مصدر عنصركم الأول ـ من تراب أي عليكم بالتواضع لرب العزة أولا فهو الذي خلق من البشر ماء فجعله نسبا وصهرا. قلت في حلقة سابقة ما أومن به قطعا من أنه لا وجود لداء مثل داء الكبر فهو سرطان الدين وجرثومة النفس مثله مثل سرطان الأبدان عافاكم الله جميعا. سرطان البدن يؤمل شفاؤه ولكن سرطان الدين أي الكبر الذي يحلقه حلقا لا برء منه. لذلك قال عليه السلام ( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ). ليس في الكبر قليل ولا كثير. قليله ككثيرة مثله مثل الخمر. ما أسكر قليله فكثيره حرام وما بعث على الكبر ـ وهو بالحديث الصحيح : غمط الحق وغمط الناس ـ قليله فكثيره حرام.
الفصل إذن يقصد التذكير بالعنصرية الآدمية الواحدة بقصد الإيمان أو نبذ العدوان على الأقل. ثم تذكر بخلق التواضع لأجل الخلق من التراب الوضيع. ومن تواضع لله فإما أن يعبده أو لا يعبد غيره على الأقل ومثل هؤلاء موجودون وهم أقل كفرا من غيرهم. ومن تواضع لله لا يعتدي على غيره. ذلك هو مطلوب الإسلام : إما عبادة أو كف عدوان. لأن العدوان فتنة تجعل من المؤمن كافرا كما تكره المؤمن على الكفر أو تكره المرء على الإيمان وفي الحالين ذلك ممقوت.
الإسلام ثورة بالمعنى العقلي للثورة.
أجل. الإسلام ثورة عندما جاء وتنزل وفقه العرب ذلك ولذلك إختلفت مواقفهم. فمن تكبر بماله وأهله وجاهه وظن أن الإسلام جاء ليسلبه جاهه ومكانه تصدى له محاربا لأنه يعتقد بحق أنه ثورة في الدنيا بموازين العقل وهو ثورة في الموازين السائدة يومها. ثورة تسوي بين العبد وبين سيده وبين الغني وبين الفقير وبين الحاكم وبين المحكوم وبين الرجل وبين المرأة. ثورة لم يألفها العقل العربي ولذلك قاومها. ومن نبذ الكبر وإستمع إلى الحق بعقله وحصافته وإربته متخلصا من عبئه الثقيل آمن. تلك هي القصة كلها. قصة العرب مع الإسلام.
فهم الناس ذلك فآمن من آمن على بينة وكفر من كفر على بينة ولكن حالنا اليوم مع الإسلام ليس كحالهم. منا المؤمن تقليدا وإمعية بلا علم ولا معرفة ومنا من لم يكلف نفسه البلاغ أم لم يصبر على ثقله فما علم الناس من حولنا ما ثورة الإسلام. نحن مسؤولون عن النظرة السلبية للإسلام من حولنا. أجل مسؤولون.
اليوم لنا من الحريات ما ليس لغيرنا لا في الغابر ولا في الحاضر. ولنا من الإمكانيات كذلك. الأنترنت جهاد العصر بحق وصدق. أس الجهاد في الإسلام كلمة صادقة صحيحة ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ). ما لنا بكم.؟ مالنا كمه؟ ونحن صناع الكلمة فيما مضى.
ثورة الإسلام التي ما وعيناها حق وعيها فما واعينا به محيطنا هي : الكرامة والحرية وقداسة الإنسان. لما قال سبحانه متأولا القرآن الكريم ( لا فضل لعربي على أعجمي ..) فإنه يريد أن يبعث برسالة إلينا نحن اليوم لنوصلها إلى الناس أجمعين قاطبة مفادها : مبنى الإسلام على الحرية والكرامة والعزة الحرمة والقداسة ـ قداسة الإنسان ـ فلا يتفاضل هذا على ذاك بغير التقوى والتقوى هي العمل الصالح الذي ينفع الناس. تلك القيمة كانت ثورة بأتم معاني كلمة ثورة. ولذلك عرفها العرب وإتخذ كل منهم منها موقفه المناسب. إن أكرمكم عند الله أتقاكم : هي سلعة اليوم في عالم اليوم.
الميز بسبب العنصر وبسبب الدين وبسبب المال وبسبب الجمال وبسبب الموقع وبسبب أشياء كثيرة لا نعلم أكثرها .. ذاك ميز يمزق أرضنا اليوم ويستعبد الناس بعضهم بعضها بإسمه وتحت سقفه ونحن صامتون والماء في حياضنا.
أمريكا التي تسترقنا بأشد مما يسترق السيد عبده إنما إنبنت على إبادة الهنود الحمر أصيليها. وإلى اليوم تشكو من الميز بسبب العنصر ضد السود. وما ظل مانديلا محبوسا زهاء ثلاثة عقود كاملات إلا مقاومة لمثل ذلك الميز وهو مسيحي غير مسلم.
تلك هي قضية الإسلام : المساواة بين الناس كلهم أجمعين إلا المحاربين وحسابهم يوم القيامة عند ربهم سبحانه. الكرامة للناس أجمعين بسبب النفخة الربانية الرحمانية التي فيهم وما أكرمهم سبحانه سوى بسبب تلك النفخة إذ في الإنسان روح من روح الله وروح الله سبحانه أحق بالتقديس. فمن إعتدى على أي إنسان  بريئ فهو معتد على الله سبحانه أي يقتل روحا هي من أمر الله وحده بل هي منه.
ما الذي يجعلنا نحن اليوم مسترقين مستعبدين محليا ودوليا ؟ أليس هي غياب المساواة؟ ثم نتقعر بأن المساواة من شأن العالمانية والكفر والغرب ولا علاقة لها بالإسلام. هل هناك أحمق من هذه الحماقة؟ ترفض الشيء الذي بإسمه تسترق وتستعبد.
ألم تعلم صرخة الفاروق المجلجلة في الكون بأسره اليوم؟ متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ هي الكلمة نفسها التي دبجت بها القوانين الدولية وراجعها بنفسك إن شئت. بل هي الكلمة التي بمعناها دبج بها الدستور الألماني مثلا. وكل قانون أو دستور يحترم نفسه.
هي قيمة المساواة التي فقهها رسوله ربعي إبن عامر وهو يصرخ في وجه الأكاسرة مسعليا بإيمانه إذ لخص الإسلام في كلمة واحدة من فقهها فقه الإسلام كله ومن جهلها فما عليه سوى التعلم من رجل تعلم من حلمات النبوة ( جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ). تلك كلمات أسرتني و الله. أسرتني إسرا وجعلتني تلميذا بين يدي الفاروق وربعي.
هل لنا أن نستعيد بضاعتنا لننشرها بين الناس الظمآى إلى مثل هذا النور وهم مستعبدون مثلنا مسترقون في الأعم الأغلب ولكن بعضهم لا يعلمون.
لك الأمر في خلاصة خالصة : تذكير الناس بوحدانية العنصرية الآدمية هي ليست دعوة لهم للإيمان فحسب ولكنها دعوة لهم كذلك إلى الوحدة ورص الصف إنسانيا إن كانوا مختلفين وسيكونون مختلفين وإسلاميا إن كانوا على دين واحد.
المساواة دعوة إلى الإيمان أولا ودعوة إلى الوحدة ثانيا.
الفصل السابع : تحديد المرجعية الدستورية العظمى : الكتاب والسنة.
قال عليه السلام :” أيها الناس تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلو بعدي كتاب الله وسنتي”. هو الإنتهاء إذن إلى تجديد التذكير بالمرجعية الدستورية العظمى أي الفصل الأول من الدستور الإسلامي أو لكل دستور ينتسب إلى الإسلام ويحترم نفسه وأهله. هو هنا عليه السلام يستلهم قوله في سورة النساء ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ..). لو لم يمت عليه السلام لكان ذلك سببا لضعاف الإيمان أن يتخذوه شيئا شبيها بما فعل النصارى بعيسى عليه السلام. ولكن قضت سنة الحي الذي لا يموت سبحانه أن يموت كل أحد وكل شيء. وسبحان من قضى أن كل من عليها فان. لذلك لا تقل دينا محمديا أو كلاما فارغا مثل هذا. هو دين الله وهو دين الإسلام. ولو كان الدين لينسب إلى رجل لنسب إلى أبيه إبراهيم عليه السلام.
المرجعية الدستورية الإسلامية العظمى إذن تتكون من أمرين إثنين هما : القرآن الكريم والسنة. دعنا قبل ولوج إلى بعض التفاصيل نعرج على المعنى العام لذلك. معنى ذلك أن الأمة مهما إختلفت وتعددت وتنوعت مذاهب ومللا ونحلا وطوائف ومدارس وتيارات وأعراقا وألسنة وعناصر فما لها سوى الفيء إلى أصل واحد مركب هو القرآن والسنة ولذلك ظلت الأمة محفوظة بذلك بحمده وحده سبحانه. أحيانا يشغب علينا التنوع المقبول وغير المقبول حتى نظن أن الأمة هلكت أو هي في طريق الهلاك وذلك حدس خائب وظن أشد خيبة. إقرأ التاريخ لتلفى أن الأمة تعددت كثيرا وتنوعت سيما في العهد العباسي وبعده بل خر سقفها الأعلى ـ  أي الخلافة التركية على أمراضها الشديدة ـ ولكن ظلت محفوظة في الحد الديني الأدنى لشيء واحد هو أنها لا تتجاوز القرآن والسنة حتى لو إختلفت في كثير منهما.
لا بد لكل أمة من الناس من مرجعية دستورية هي حفظ النظام كما يقال بتعبيرنا المعاصر وهو الأمر الذي تنشئ له الدول التي تحترم نفسها هيئات وغير ذلك. نحن اليوم نحفظ النظام المادي بالشرط والعسس والسلاح والعملة والسيادة وغير ذلك وهذا مهم ولكن حفظ النظام المعنوي للأمة أجدر بذلك. الفكرة التي لم أجد عليها عوانا ـ أو لم أظفر بهم ـ هي أننا فشلنا في ” ثورتنا ” أو قاربنا ذلك أو في أمور أخرى ونجح غيرنا ـ ولكن بثورة أي أروبا ـ وذلك بسبب أن غيرنا لما ثار بادر إلى نظم مرجعية دستورية عليا كانت صارمة وقطع مع الفوضى المنظومية الثقافية السائدة قبل الثورة بالمطلق. أضرب لك مثلا بألمانيا التي أعرفها : ألمانيا كانت قاعا صفصفا عام 1945 وفرض عليها الحصار العسكري فأنكبت على نفسها تبني نفسها في هدوء تام بناء إقتصاديا وتعمل كأنها مختفية في كهف فلا ركز لها دوليا وبعد زهاء نصف قرن فحسب ظهرت قوة إقتصادية إحتلت المرتبة الأولى في التصدير الدولي من عام 2006 حتى اليوم 2015. ألمانيا التي أتحدث عنها متعددة بشكل غريب دينيا وعرقيا وعنصريا ولسانيا وعرقيا وغير ذلك. المسيحية مثلا التي تدين بها رسميا هي ثلاثة أديان كبرى وليست هي ثلاثة مذاهب كما هو  حالنا نحن. المذهب عندنا نحن هو دين عندهم هم. أي الكاتوليك الذين يشكلون الأكثرية الدولية بزهاء 70 في المائة من الديانات المسيحية والبروتستانت والأرتودوكس وهؤلاء أقلية كأقلية اليهود في العالم.
الذي جعل ألمانيا كذلك أشياء كثيرة وكبيرة ومنها قطعا حسمها المسألة الدستورية العليا في مفصلها الثقافي الفكري الديني العام فالمسيحية هي الدين ولمن شاء أن يتمذهب بأي مذهب منها فله ذلك والعالمانية هي المذهب الفكري بمعناه اللبرالي حرية فكرية والدولة الفدرالية هي من يملك منوبول العلاقات الخارجية والدفاع والمصلحة العامة العليا أي المصلحة القومية العليا. تلك هي مكونات المرجعية الدستورية العظمى في ألمانيا. معنى ذلك أن الحرية متاحة لكل أحد بل حتى لمسلم أن يدعو لدينه جهارا نهارا بواحا صراحا ولكن كل عمل من ذلك لا يفضي إلى تغيير الأمن القومي المرتكز على المسيحية والعالمانية والحرية الشخصية وعلوية الدولة وشرعية الإنتخاب.
معنى ذلك أنهم جاؤوا إلى أم المرجعية الدستورية فحسموه وما تحته مهما كبر هو جزئيات صغيرة. الحال عندنا غير الحال يا صاحبي. الحال عندنا ربما يحد منه الدستور الموثق ولكن ما لم يقم لنا أمن قومي بمعناه المعنوي الفكري أي هيئة قضائية دستورية عليا هي فوق كل شيء وفوق كل أحد تحمي النظام المعنوي بمثل محكمة كارلسرو الألمانية .. ما لم يقم ذلك فكل شيء معرض للإنهيار عندما تتهيأ الظروف لذلك.
ذلك هو معنى أن التذكير منه عليه السلام بالمرجعية الدستورية العليا والعظمى هو حماية للأمة ونشدان لمصلحتها القومية فتظل الخلافات تحت ذلك السقف خلافات صغيرة جزئية مهما كبرت في عيوننا. نحن بإسم هيبة الدولة يمكن لنا أن نمزق الدستور شر تمزيق أي في مسألة حقوق الإنسان وبإسم حقوق الإنسان يمكن لنا أن نلغي الشرعية الإنتخابية العليا أي يمكن لنا أن ننقض كل غزل نقضناه.
صحيح أن المسألة عريقة ولها أعراف وتقاليد وهي مسار ونحن لم نبدأ بعد في مسار ألف متر ولو بمتر واحد. كل ذلك صحيح ولكن هل نحن ماضون إلى هناك أم مرتدون إلى الجاهلية العربية الأولى.
عندما تجد في تونس مثلا من يعترض على تلك المرجيعة قولا وعملا صريحا صحيحا لا يحتمل أي شبهة .. عندما تجد ذلك ويتكرر على مرأى ومسمع من الناس وفي قنوات فضائية تملكها الدولة التي ترعى الدستور .. بل عندما يعترض على ذلك معترض فيسجن أو يعاقب .. عندها تقول حقا أي دستور وأي توثيق وأي حاجة وأي كذب وأي مرجعية نتحدث عنها. تعال إلى ألمانيا لتنظر هل تجد واحدا فحسب مهما يكن  أمره ممن يرفع عقيرته أو يكتب حرفا واحدا يدعو فيه إلى تغيير النظام الألماني أي التغيير المعنوي كأن يكون نظاما إسلاميا مثلا أو نظاما غير عالماني مثلا أو إلغاء المسيحية … لماذا ؟ ليس لأنه ليس هناك من يتمنى ذلك ولكن هناك عرف الناس كلهم أحجامهم وأقدارهم فهم يتحدثون عن دولة ونظام يضمن للناس الذي يضمن وهو نظام قومي محفوظ لا يتسامح معه متسامح. لا بإسم حقوق الإنسان ولا بإسم هيبة الدولة.
ذلك ما أفهمه من تذكيره عليه السلام بالمرجعية الدستورية العظمى وإلا فإن المخاطبين كلهم يعلمون حق العلم آية النساء وغيرها علما نظريا وعاشوا به حياة كاملة.
هل يكون من المفيد أن نلج الآن إلى بعض التفاصيل التي هي جزئيات صغيرة جدا حيال ما أنف ذكره ولكن تضخم فقهنا حديثا وغابرا بالتفاصيل وأنسي الكليات الكبيرة التي تحكم على هذه. تلك مشكلة التدوين وما أدراك ما التدوين.
المقصود بالقرآن الكريم ذلك الكتاب المعروف طبعا. ذلك مقصود مرجعي عام أي مقصود دستوري. ولكن في الداخل هناك تفاصيل منها ـ بل أهمها ـ أن المقصود بالتمسك به هي المحكمات الواردة في أول آل عمران فهي أم الكتاب التي تحفظ الوحدة الإسلامية الجامعة ومن أكبر المحكمات ( هذه المرجعية آنفة الذكر نفسها + كرامة الإنسان وحرمته وقدسيته + الصف الواحد المرصوص + رعاية حق التنوع والتعدد والإختلاف تحت ذلك السقف وليس إختراما له + الأسرة مؤسسة مقدسة والمرأة كيان مساو للرجل بالكلية + العبادة في طقوسها الكبرى المعلومة هي أم الفريضة الإسلامية + الظلم مؤذن بخراب العمران كما صاغ ذلك صاحبه إبن خلدون + الدعوة إلى الله بالإستراتيجية الإسلامية المنصوص عليها في القرآن الكريم نفسه فريضة + الجهاد حق ماض إلى يوم القيامة وهو بالقرآن أولا وبالكلمة ثانيا وبنبذ العدوان ثالثا وبقصد التحرير رابعا + العلم أصل الدين وأم العقل ومطلوبه والفقه تخصص والمعرفة مهذبة للخلق والبحث والإجتهاد والتجديد والإبداع فرائض إسلامية إلخ .. )
فقرة المحكمات التي هي أم الكتاب إذن هي أول مطلوب سيما ممن يتصدى للتوجيه والإصلاح. ولم أذكر منها آنفا طبعا سوى أمهات أمهاتها لضيق المجال.
المحكمات هي الراسخات الثابتات القطعيات التي تكفل لنا وحدة الصف وما نحتاجه لإجتماعنا السياسي. وما دونها صغائر وجزئيات يمكن الإختلاف فيها بل الإختلاف فيها سنة إلهية ماضية لا تلغى.
والمقصود بالسنة أمر آخر ويتطلب صفحات لتشعبه. إنما المهم فيه أن السنة هي المصدر الثاني ووظيفتها البيان وليس سوى البيان وليس التشريع إلا تشريعا مخصوصا يعرفه أهل الفقه وطلبته من مثل تخصيص عام أو تقييد مطلق أو بيان مجمل أو غير ذلك أو تشريعا يحسبه طويلب العلم غير المثابر تشريعا مستقلا وما هو كذلك ولكنه تشريع من التشريع. والأمثلة هنا أضرب عنها خشية الإسهاب.
إنما تتطلب السنة فقها على مستويين وليس كالقرآن فهي تتطلب فقه السند أي فقه الرواية وفقه المتن أو فقه الدراية وكلاهما لازم. وهذا أمر لا يتسنى لكل أحد وخاصة فقه السند والرواية. وهي بعد كونها مبينة لا مشرعة وتتطلب علما وفقها وتمحيصا شديدا جدا مضنيا .. ثلاثية الأبعاد فهي قول وهو الأقوى في الأعم المطلق إلا أن يقترن بالقول صارفات وقوادح تخصم قوته وهي فعل لا يقتضي وجوبا ولا تحريما عند الإنتهاء أي عدم الفعل ولكن مجرد الإباحة إلا أن تنصرف إليه صوارف وقوادح تجلعه في قوة القول العامة بل أقوى وهي إقرار وهذا كثير جدا بل ربما هو الأكثر وهو لا يأتي تحت إحصاء.
وهناك تفصيل آخر مهم  للسنة وهي ما سمي بمقامات التشريع وهي زهاء خمسة عشر مقاما عند إبن عاشور وغيره ممن بحث الأمر ولكنه بكر ما طمث حق طمثه. لا أفصل هنا خشية الإسهاب. ولكن التمييز بين مختلف المقامات ـ النبوة مثلا والإمامة أو البشرية والنصيحة وغير ذلك  أو القضاء والنبوة ـ هو تمييز ضروري جدا إذ الجمع أو الخلط بينها أو بين بعضها مفض إلى غموض الفهم وعلة الفعل.
وهناك تفصيل آخر مهم للسنة وهي أن السنة تبعا لذلك منها التشريعي ومنها غير التشريعي وغير التشريعي أكثر بكثير. إذ التشريعي ينحصر في مقام النبوة والبلاغ. وليس معنى ذلك نبذ البقية ولكن معنى ذلك عدم تنزيل حديث أو صنيع في مقام القضاء مثلا عند كل قضاء أو في مقام الإمامة عند كل إمامة أو غير ذلك.
كل ذلك يحيل إلى قضية الفهم والفقه. وفيها مثلث مهم جدا فهي تقوم على حسن فقه النص ـ فقه رواية وفقه دراية بالنسبة للسنة وليس بالنسبة للقرآن إلا في موضعه الثاني ـ وفقه مقصده أو العلة منه وفقه محل تنزيله. فلا فقه إلا بالقرآن والسنة معا ولا فقه إلا بفقه ذلك الثلاثي الملازم.
فمن فقه محكمات القرآن التي هي أمه وهي أقل من خمسة بالمائة ـ أقل من جزء من عشرين جزء ـ ومن فقه السنة وفق ما أنف بدون تفصيل أخشى منه الإسهاب والإطناب في غير محلهما المناسب … من فقه ذلك فقد ترشح لفقه يجمع النص مع مقصده والمقصد مع محله.
ومع ذلك تظهر لنا مساحة الضرورات والحاجات والتحسينات التي تعيد ترتيب الإسلام وشريعته ترتيبا أصليا منظما قويما وصحيحا. ثم تظهر لنا مساحة الضرورات والحاجات والقصورات والمعذرات والرخص بمعناها المعروف فتتغير الفتوى بتغير موجباتها المعروفة ..
وبأثر من ذلك العلم تبرز لنا محطات فقه السياسة الشرعية الضامر .. ومنه فقه الدعوة الأضمر.. وفي القرآن والسنة وفي كل حقل ومضمار لمن يكلف نفسه عناء البحث والإجتهاد لعقود وليس لسنوات فحسب مجال خصب وفسيح للإستنباط والإكتشاف .. إنه كتاب معجز.
وهكذا لا ينتهي الفقه ..
يتجدد بتجدد كل يوم وكل ليلة ..
قال علي عليه الرضوان : هل أخبركم عن  الفقيه كل الفقيه ؟ من لا يوئس الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من مكره.
الوحي يوجهك إلى الواقع. لأن المقصود بالوحي هو إصلاح الواقع. ولذلك ملئ قصة ومثلا وكونا. وتكاليف الدين فيه قليلة المساحة قليلة العدد.
بقي أن أقول إنسجاما مع أصل ا لموضوع وليس مع جزئياته : المرجعية الدستورية الإسلامية العظمى اليوم أي القرآن والسنة في مقاومة شرسة مع العالمانية وبناتها وأمهاتها بدء من الشيوعية والماركسية التي توصلت إلى حكم دول إسلامية وإنتهاء بما سماه الدكتوران المسيري وعماره العالمانية الجزئية أي التي تعترف بالعقيدة وليس بالحياة والدولة أن يوجههما الإسلام. تلك المرجعية في مقاومة شرسة مع الدولة اليهودية التلمودية التوراتية الوحيدة ـ بعد الفاتيكان ـ المصنفة دولة دينية ولا إعتراض طبعا طالما أن مجلس الأمن يحميها. وهي مرجعية في مقام ثالث مع التحدي الثالث الأكبر أي مقاومة شرسة مع النظام العربي الإستبدادي الفردي. تلك هي ثلاثة تحديات عظمى تواجه مرجعيتك الدستورية العظمى فلا تكن من الغافلين الذين يقاومون تحديات أكل عليها الدهر وشرب من مثل قالات كلامية عن الذات والصفات أو تحديات داخلية صغيرة مهما كبرت.
أي ترسانة وأي جهاز معرفي خصصناه لخوض تلك التحديات. العولمة جزء من ذلك والمنزع الإستهلاكي جزء من ذلك كذلك. لكن ذكرت الأصول المعاصرة الثلاثة.
                    خلاصات الخطبة
1 ـ الإنسان مقدس محرم مكرم لأسباب منها :
أ ـ أنه مخلوق من نفخة رحمانية ربانية إلهية والعدوان عليه هو عدوان على الله سبحانه فهو جزء من روحه وهو بناؤه الذي فضله على الكعبة الشريفة.
ب ـ أنه مخلوق لعمارة الأرض فهو مستخلف منه هو مباشرة وليس خالقا لنفسه ولا مستخلفا لنفسه وهو مستأمن على الأرض وعلى القيم الدينية العليا والعظمى. والعدوان على المخلوق المعد للعمارة والمستأمن عليها هو عدوان على المستخلف نفسه ( الله سبحانه )
ج ـ أنه معلم بما ينصلح به للعمارة والخلافة وهو لفرط قدسيته من علم الملائكة وليس الملائكة يتعلمون من الله خالقهم مباشرة. هل هناك فضل أعلى من هذا الفضل. اللهم لا. والعدوان على الإنسان هو عدوان على العلم.
د ـ الإنسان إرادة الله سبحانه فبه يهدي وبه يضل وبه يعمر الأرض وبه يفعل سبحانه كل شيء فهو سبب له وهو سنة له وهو قدر من أ قداره. والعدوان عليه عدوان على الإرادة الربانية.
ه ـ بقيت كلمتان : المرأة إنسان بالتمام والكمال حتى مع طروء الإختلافات البيولوجية ومن قال أن الأصل هو الفحولة والمرأة إستثناء فلربما كانت الأنوثة أصلا والفحولة إستثناء. فإذا كانت المرأة إنسانا كامل الإنسانية روحا وبشرا كامل البشرية نطفة فهي إذن إنسان ولا يكتمل الإنسان إلا بها فهي إذن مشمولة بالتقديس والتكريم والتفضيل والعلم والخلافة والإستئمان والمسؤولية. الكلمة الثانية : الظالم لا يتمتع بذلكم من شيء حتى ينتصف منه فإذا إنتصف منه عادت إليه كرامته وقدسيته كما كانت. يستوي أن يكون مؤمنا أو كافرا إذ ليس للظلم دين ولا لسان ولا عرق ولا عنصر.
وقدسية الإنسان تشمل بشرته أي نفسه ودينه أي عرضه وهو شخصيته المعنوية وعقله وماله وفرادته وجماعته الصغيرة والكبيرة فالعدوان على أي منها بدون حق هو عدوان عليه بالكلية.
2 ـ قيمة الإنسان في حاضره أما ماضيه فلا يملكه لأغراض منها :
أ ـ الماضي كسب أبيه وجده فلا تزر وازرة وزر أخرى ولا سبيل إلا للقطع مع العقيدة المسيحية التي تجعل من خطيئة آدم وزرا تحمله ” الصليب ” عيسى فمسح به ذنوب البشرية. تلك عقيدة تواكلية تكاسلية تثمر البطالة والعطالة والإسلام يحرض على تحمل المسؤولية الفردية الشخصية الخاصة.
ب ـ الذين يفرون إلى الماضي يعيشون تحت وطأة عقد الشعور بالنقص أو بالإستعلاء. فما إتسع لهم الحاضر على سعته. والفرار إلى الماضي يولد شعور النقمة على الحاضر حتى لو تكلف المتكلفون.
ج ـ الماضي سلف وإنقضى ولكل كسبه فهو معروض للإعتبار بالخير خيرا وبالشر شرا وليس هو متحف للتسلي ولا هو معين تزود إلا بقدر ما يتزود سائق السيارة بمرآة سيارته مما يجري وراءه.
د ـ التغني بأمجاد الماضي حتى لو كان فاضلة هو من صنيع البطالين المحالين على المعاش والتقاعد.
هـ ـ ولكن الوفاء للماضي أي لقيمه الجميلة وأهله الكرام مهما كان من دينهم واجب إسلامي ( وفاؤه عليه السلام للمشرك صاحب مفتاح الكعبة ).
3 ـ العدل الإقتصادي مطلب الإسلام الأول لأغراض منها :
أ ـ تكريم الإنسان بقيمة العمل والكد والجد والنصب.
ب ـ الظلم مفض إلى الصراع الطبقي وإنخرام الصف وذهاب الريح.
ج ـ فتح مساحات التنافس وتكافئ الفرص عملا وإستثمارا يضخ مزيدا من الرغد ويبتلى الناس فيه أيهم أحسن طوية وأشد عريكة وأيهم أجبن وأبخل وأبعد عن معانقة الرغد المفتوح.
4 ـ الأسرة مؤسسة الإسلام المقدسة لأسباب منها :
أ ـ هي مصنع الإنسان الأول والأم فيها ـ أي المرأة ـ هي المصنع الرحمي له. وهي المدرسة الأولى.
ب ـ هي حافظة المصرف الرحمي للناس كما تحفظ المصارف المالية لهم أموالهم فلا يشعر شاعر أنه ملقى من صدفة مجهولة أو هو دعي من الأدعياء. الشعور بالنسب جبلة إنسانية.
ج ـ تغذي المجتمع فلا يتغول عليه متغول من دولة أو حاكم فهي لبنة الدفاع الأولى ومحصن المقاومة الأول. جاء الإسلام فأعترف بالنظام القبلي إجتماعيا ولكنه هذب نتوءاته الجاهلية ليكون خادما لمقاصد الإسلام. وما نجح بورقيبة مثلا في تونس سوى بعد أن فتت النسيج الإجتماعي القبلي للتونسيين وجعل كل واحد منهم فردا الدولة أمه وأبوه. بل كانت النكاية عندما قنن التبني بتبعاته النسبية والمالية فإختلطت أنساب التونسيين جزئيا وفي بعض مواطن. وأي عار وشنار علينا اليوم وبعد ما أسميناه ثورة أن يظل هذا العبث بأعراضنا قانونا مسنونا حتى لو خبت مفاعليه الإجتماعية قليلا.
5 ـ وحدة الصف الإنساني والإسلامي بالتبعية فريضة الإسلام العظمى.
أ ـ بالتآخي الإنساني أولا فإن لم يكن فبالتآخي الإسلامي على الأقل وبين ذلك التآخي على قاعدة الصفة الكتابية كما جاء في سورة آل عمران.
ب ـ التآخي واجبات وفرائض وعزائم روحية ومادية ومالية ومعنوية وليس وعظا دينيا جافا.
ج ـ ليس من حافظ بعد المرجعية الدستورية العظمى للأمة سوى قوامية التآخي تكافلا وتواصيا بالحق وبالصبر وبالمرحمة وإعتصاما بالدين وبالأمة معا. وليس هناك ما يخرم تلك المرجعية سوى تمزق الصف وإنخرام الوحدة حول المحكمات التي هم أم الكتاب.
د ـ الوحدة لا تعني إلغاء التعدد وشطب التنوع بل على الضد من ذلك بالتمام إذ الصف الواحد يختلف فيتشاور في محال التعدد فيتوافق بالأغلبية أو بالتراضي ومن ذا تمضي سنة ربك في قضاء التعدد في كل صعيد ومجال.
6 ـ المساواة العنصرية طريق إلى الإيمان أو إلى وحدة الصف على الأقل ونبذ الإحتراب.
أـ المساواة في الأمور الفطرية الجبلية الغريزية أي فيما نحن لسنا مخيرين فيه ولكن العدل فيما عدا ذلك أي في كسبنا الإختياري.
ب ـ إشعار الناس أنهم من آدم وهو من تراب يعني دعوتهم إلى التواضع أولا ومن تواضع هدي بحوله سبحانه إما إلى الدين أو إلى السلم الإجتماعي. هذا سلاح الدعاة الحاذقين سيما في الغرب.
ج ـ كرامة الإنسان يستمدها عند ربه سبحانه ـ أي في الآخرة وليس اليوم ـ من تقواه  وطاعته وليس من أ ي شيء آخر. هذا نوح من الخمسة الأوّل على قائمة البشرية قاطبة جمعاء وإبنه من صلبه كافر كفرا صراحا بواحا. تلك ثورة الإسلام في عالم يقيم الكرامة لمعايير أخرى منها القوة قطعا. ومنها الحسب والنسب والمال والجمال وغير ذلك. بل منها اللون. وأي شنار أن يكرم الأبيض ويهان الأسود.
7 ـ القرآن والسنة هما فصلا ا لمرجعية الدستورية الإسلامية العليا العظمى.
أ ـ وظيفة المرجعية ـ أي مرجعية ـ هي وظيفة إجتماعية سياسية عمرانية عامة.
ب ـ لا إجتماع لمجتمع إلا بتحديد مرجعية دستورية عليا تكون حاكمة لا محكومة ومتبوعة لا تابعة.
ج ـ لا طاعة لمخلوق مهما كان ـ ولو كان الصديق نفسه أو الفاروق ـ إلا بقدر إندراج أمره تحت سقف القرآن أو السنة. فلا كهنة ولا سدنة ولا ولاة أمر ولا علماء ولا فقهاء ولا مشايخ  ولا أي شيء إلا ما كان موافقا لذلك المصدر الدستوري الأول.
د ـ ذلك السقف الجامع ما ينبغي تهديده ولا جرحه بأي شكل ولون ومن تجرأ على ذلك يستوجب العقاب كائنا من كان. ولا حرج ولا تثريب في أي إختلاف تحت سقفه أو تعدد أو تنوع مهما كان بعيد التأويل. كن مبتدعا وكن فاسقا وكن عاصيا وكن وكن وكن .. ولكن لا تخرق السقف الأعلى الذي يحمي الأمة جمعاء قاطبة حماية معنوية قيمية أولا.
ه ـ هناك تحديات معاصرة تقاوم مرجعيتنا. علينا معرفتها ومقاومتها كذلك. مقاومتها بأسلحتها نفسها ما إستطعنا إلى ذلك سبيلا. الإبتلاء أقوى قانون إسلامي. والإزدواج بعده.
                 ترجمة الخطبة إلى قاموسنا المعاصر
1 ـ نداء من النذير العريان عليه السلام إلى البشرية جمعاء قاطبة وإلى الأمة ـ أمة الإجابة ـ أن ينضووا تحت هذا الدستور نشدانا لأسباب السعادة النفسية والمادية قبل الموت وبعد الموت فرادى ومجتمعين.
2 ـ نداء مختصر لأم الكتاب العزيز ( محكماته) في آخر حياته لعل النداء يلتقطه الرواحل العدول يبنون به حضارة وأمة ودعوة ودولة وثقافة وكسبا يجمع البشرية ولا يفرق أمرها فهي عبيد الله إلا من أبى.
3ـ نداء دستوري مركز مكثف هذه فصوله بقاموسنا المعاصر :
أـ لا قيام للأمة إلا برعاية قدسية الإنسان مذكرا ومؤنثا فردا وجماعة عقلا وبشرة.
ب ـ لا قيام للأمة إلا بدفن الماضي البعيد فيكون مرآة إعتبار وليس محل إفتخار وعلو وكبر.
ج ـ لا قيام للأمة إلا بإرساء أسباب العدل الإقتصادي قدر الطاقة فالعدل أساس العمران والظلم مؤذن بخرابه.
د ـ لا قيام للأمة إلا برعاية المؤسسة المقدسة الأولى فيها أي الأسرة وإعتبار المرأة شريكا إنسانيا كامل الشراكة فهي مختلفة لإقتضاء التكامل وليس عنوانا للدونية.
ه ـ لا قيام للأمة إلا بنسج خيوط التآخي المتكافل المتعاون المتراص صفا واحدا مقدما لمحكمات الإجتماع وراسخاته على داعيات التنوع المطلوب وإفساحا للمجال الخصب لذلك الإختلاف تحت السقف المرفوع أن يخدم الوحدة لا أن ينقضها.
و ـ لا قيام للأمة إلا بتقديم الدعوة إلى الإسلام على أساس المساواة الإنسانية مصدرية خلقية ورسالة إستخلافية إستئمانية يشترك فيها الناس أجمعون كلهم وعندها يمكن للإيمان أن يتسلل إلى الأفئدة الظامئة أما الصور التي تقدم الإسلام إلى الناس أنه منة أو قرضا أو علوا أو كبرا فلا يقبله أحد.
ز ـ لا قيام للأمة إلا بإعلاء مرجعيتها الدستورية العظمى فوق كل إعتبار فهي القلب من البدن وهي العقل من الجسم وهي القائد المتبوع لا الجندي التابع. وهي القرآن بمحكماته خاصة التي هي أمه والسنة بما فيها من تصانيف وتقاسيم وتراتيب يعلمها أهل العلم. ولا طاعة لغيرهما ـ إلا إتقاء فتنة ـ أبدا البتة ما لم يكن الأمر منبجسا منهما.
تلك هي مرجعية الأمة وتلك هي خلاصة كتابها وسنة نبيها وتلك هي مفاصل خطبة حجة الوداع أو ما تيسر لي تثبيته. إن أصبت خيرا فمنه وحده وإن كانت الأخرى فأهل النظر هم أهل التصحيح والنصح.
أملي أن أحيا لحسن فقهها وحسن تنزيلها مع إخواني وأخواتي عاملا مثابرا مخلصا عسى أن أموت شهيدا في سبيله سبحانه فأفوز بالجنة وأحصن من عذابات المحشر الرهيبة ولا أمل لي في ذلك والسنون تغذ السير نحو الموت غذا.
الهادي بريك ـ مدنين ـ تونس ـ الثاني من ذي الحجة المحرم 1436
 

 

شاهد أيضاً

قصة يونس عليه السلام

هو يونس إبن متى عليه السلام أحد الأنبياء المرسلين المذكورين في القرآن الكريم وحملت سورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *