وترجل مقاوم آخر من أسود تطاوين

جل. رحل عنا الرجل الكبير والمقاوم العنيد محمد الصغير في هذا اليوم الثلاثاء الخامس من ذي القعدة الحرام 1436 بعد معاناة مريرة مع المرض ولا نقول إلا ما يرضي من يتوفى الأنفس سبحانه ـ الحي الذي لا يموت ـ فالحمد لله على ما أعطى وعلى ما أخذ وإنا لله وإنا إليه راجعون وإنا على فقدك يا محمد والله لمحزونون. 
محمد الصغير أستاذ تعليم ثانوي من تطاوين متزوج وله مجموعة من الأبناء والبنات وهو في العقد السابع من العمر من مؤسسي العمل الإسلامي ضمن حركة النهضة في ربوع تطاوين في سبعينيات القرن الميلادي المنصرم وتحمل مسؤوليات قيادية في الحركة وكانت آخر مسؤولياته عضوية المجلس الوطني ا لتأسيسي إذ بدأت حالته الصحية تشهد توعكات وإنحدارات منذ شهور طويلة. مقاوم شرس عنيد عرفته السجون في سنوات 1987 وما بعدها ثم في المحنة الإستئصالية الأخيرة 1990 وما بعدها. وإلى حد هنا يمكن أن يكون مثل هذا الكلام على جلالة قدره وصحته مسلكا عاما أو شبه عام لكثير من رجالات المقاومة في البلاد ضد سنوات القحط البورقيبي أو عجاف المخلوع بن علي. ولكن الذي يتفرد به هذا الرجل الكبير ـ عليه الرحمة والرضوان ـ هو مثاله الأخلاقي وعلويته القيمية ومعدنه الروحي الصافي الزلال ولا أقول ذلك ورب الكعبة رجما بالغيب بل من بعد عشرة وخبرة ومعرفة وصحبة في ظلال العمل الإسلامي يوم كان العمل الإسلامي يكلف الحياة والأموال والراحة والسجون والمنافي والطرد من العمل وغير ذلك مما هو معروف وغير معروف. عرفت الرجل صادقا مخلصا عاملا على خلق عظيم تربع عنه ويكاد لا يطمع في جواره أحد منا. عرفته صبورا شكورا حمال ألوية لا تسمع له تأوها ولا تبرما ولا ضجرا. عرفته مقداما شجاعا لا يهاب موتا ولا يبالي بعذاب. كل ذلك وبنيته الجسدية تنزع إلى الضعف دوما ولكنه الضعف الذي يريك قوة وقرارا وصلابة ومتانة. تربى على يديه مئات من شباب تطاوين سواء ممن كان لهم أستاذا في المعاهد الثانوية أو ممن تعلم منه الخلق الطيب والإسلام الوسطي والتفكير المعتدل والأداء المتوازن.  
رحل عن تطاوين رجلها الأكبر المرحوم ضو صويد الذي غمر بإشعاعه ولايتي مدنين وتطاوين في تلك السنوات الأولى من السبعينات وتبعه جندي آخر مجهول هو محمد البوصاعي ورجل آخر عرف بنضاله الطلابي وعطائه الفني وهو الهاشمي المدني واليوم نودع رجلا ليس ككل الرجال والله ولا نملك سوى أن نتعبد الله سبحانه بحزننا على فقده وذكر مسيرته لعل الأجيال اللاحقة تلفى فيها ما يكون لها حاديا ومعزيا. رجل الرجل فما بدل وما غير ويكفيك بها طوبى وليهنك بها مكرمة ندت اليوم فينا. يلتحق الفقيد الكبير عليه الرحمة والرضوان بمن سبقه طبقة من بعد طبقة وآخرهم عبد الله الزواري والمنصف بن سالم وغيرهم كثير لا يكاد يحصى.
أجل. نحن في زمن أصبحنا فيه نعد موتانا والراحلين عنا وشهداءنا وتلك هي قافلة الحياة تسعى حثيثة إلى يوم تخرج فيه الأرض أثقالها وتحدث أخبارها.
لا أهاب الموت فهو علينا حق وسبحان القاضي بأن كل من عليها فان ولكن الذي أهابه حقا ورب العزة هو خلوص الخلصاء الصدق من مثل هذا الرجل الكبير إلى ربهم حتى تتفيأ بنا ظلال الحياة فيما نحن فيه إلى حثالات إمعات نخاعات خدج لا يعني لك إنتماؤهم إلى مشروع إحياء المسيرة الإسلامية دينا ودولة وحضارة وفكرا شيئا أو شبه لا شيء.
يا الله هل بدأ الطريق في الإستيحاش أم كتب علينا أن نعمر الذي نعمر من بعدهم أيتاما وليس كاليتم من قافلة الرجال يتما وليس كالوحشة من وحشة طريق ليس فيه من لك نظير وحشة.
أخلص تعازي إلى نفسي أولا وإلى أصدقاء الفقيد ثانيا وإلى المقاومين الأحرار سيما من تطاوين ثالثا وإلى تونس الثورة والنهضة الإسلامية وطريقنا الجديد تعمره الأشواك التي نظنها زهرات باسقات.
اللهم إجمعنا به على كوثر محمد عليه السلام.
اللهم أخلفنا فيه خيرا وثبتنا من بعده على الحق الذي ثبته عليه.

الهادي بريك ـ مدنين
28420944

brikhedi@yahoo.de

 

شاهد أيضاً

قصة يونس عليه السلام

هو يونس إبن متى عليه السلام أحد الأنبياء المرسلين المذكورين في القرآن الكريم وحملت سورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *