إلى متى يمكن للمرء مهما أوتي من حلم وأناة أن يصمت عما يأتيه وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ من طرد تعسفي للأئمة ولسان الحال يبوح ـ بل لسان المقال ـ تشفيا ونكاية وثأرا جاهليا عجيبا من حكم ” الترويكا ” وما يمت إلى ” النهضة “بصلة؟
إلى متى يظل العاقل الأريب يتجرع ألم الذلة والهوان وهو يستقبل عبثا وأي عبث أشد عليك من أن يطرد إمام بمقتضى وثيقة رسمية مدونة عنوانها السماح لفضائية الجزيرة بنقل خطبة العيد بله أن يكون ذلك الإمام رجلا علمنا منه العلم بل الفقه من خلال كتبه التي ليس لبطيخ منها عشر معشار ومن خلال محاضراته وفتاويه ولا شأن لنا بكونه وزيرا سابقا للشؤون الدينية؟
إلى متى تغتال الثورة فينا عرقا عرقا وشريانا شريانا حتى في الحريات الدينية وهي منبع الحريات وأصلها ومربعها الأخير ونحن نتفرج كالمغشي عليه من الموت؟
ألا يدرك السيدان السبسي والصيد أن مثل هذا يهدد كل ما يدعون إليه من مصالحة وطنية جامعة رضي بها بعضنا ضرارا للعدالة الإنتقالية عسى أن نتحمل آلام الجراحات في سبيل خروج الثورة من محطة الإنتظار الطويلة التي أوقعت فيها … ولكن عدو الثورة الأشرس الأحمق ما رضي منا بشيء ولكم صدقت العرب في قالتها : ما عرفتك حتى لو خرجت من جلدك.
ألا يدرك هؤلاء أن السبب الإجتماعي الحقيقي الأصلي وراء سقوط المخلوع بن علي ـ حتى لو بقي عرشه حيا يتسلق إليه من بعده من حاشية الظل من آنس في نفسه قوة ـ هو إمعانه العجيب رغم التحذيرات الإستخباراتيه الغربية في التطرف والمغالاة الشديدين في مقاومة الحريات مهما تكن فردية شخصية خاصة مغمورة إذ هم يدركون أن الشيء إذا بلغ أشده إنقلب إلى ضده وأن التطرف والغلو لا يستقبلان في أحشائهما عند عملية التلقيح إلا بييضة عاقة مثلهما جزاء وفاقا؟
إذا تهددت حرية الإنسان دينيا ـ حتى لو كان بإسم مقاومة الإرهاب ـ وإذا تهدد الإمام في منبره فماذا بقي من الثورة التي ما كنا أوفياء لدماء شهدائها فكان العقاب معجلا وعقاب العقوق لا يكون إلا معجلا لمن يدرك قلة باقية من فقه الحياة بتجاربها التي دونها الدين في كتبه.
جس الرجل النبض لما أطرد الشيخ البشير بن حسن طردا تعسفيا ظالما جائرا ليس له سلطان لا من قانون ولا من عرف ولكن جنت على الشيخ صورته في قصر قرطاج مع الدكتور المرزوقي وأعداء الثورة ليس مثلنا قطعا إذ صدورهم تستوعب الماضي شبرا شبرا وحلقة حلقة وتختزن آلامه ثم تنفثها في أول فرصة سانحة كما تنفث الأفعى سمها الزعاف عندما تتمكن من القبض على الطريدة. فلما صمتنا عن طرد الشيخ بن حسن إلا شغبات من هناك وهناك لا تغني ولا تسمن من جوع عمد إلى طرد الشيخ الدكتور نور الدين الخادمي وهل يرتاب ملحد أعمى في تونس في وسطية الرجل وإعتداله وتوازنه قولا وعملا ولذلك فضح بطيخ نفسه أيما فضيحة إذ لم تأت له إستخباراته بحبة خردل مما يعتمده حجة لطرد الشيخ الدكتور فذهب يتستر وراء ما سيكون عليه وبالا في الدنيا قبل الآخرة وهل يطرد إمام من منبره لأجل أن نقلت خطبته من لدن جهاز آخر لا سلطان له عليه حتى لو أذن له ولو كان الرجل يخشى على لسانه الزلات ما أذن لفضائية مثل الجزيرة مما يمقت بطيخ ومن معه مقتهم الكفر أن تنقل كلامه.
هل نسي السيد بطيخ أيامه السوداء الكالحة وهو قعيد مبلس لا ينبس ببنت شفة والمخلوع بن علي يهجم على الإسلام هجوما كاسحا حادا في أم شعائره وشرائعه ومقدساته؟
هل نسي أنه كان مفتيا للمخلوع بن علي الذي أتى ما لم يؤت لا في الجاهلية ولا في الإسلام من إكراه الحرائر على نزع خمرهن فحرم آلافا مؤلفة من إبداعهن في مختلف صنوف المعرفة ليكن حاملات لنهضة تونس؟
هل نسي أن سلفه الشيخ الدكتور المختار السلامي صدع بكلمة الحق في الثمانينات بإقراره وجوب الخمار في ليلة يشهدها التونسيون كلهم وهي ليلة القدر في محاضرة تبثها التلفزة مباشرة فما عقب بورقيبة بشيء على ذلك لا قولا ولا عملا؟
هي كلمة واحدة لا ثاني لها : سلوك بطيخ يهدد السبسي نفسه ويهدد الصيد نفسه ويهدد النهضة نفسها والإئتلاف الحاكم نفسه ولا يهدد بطيخ نفسه أبدا فهو إلى مزبلة التاريخ آيل بل آل في حكم قضائي سيكون قدرا عما قريب بحوله سبحانه لمن يكلف نفسه الإلتفات إلى الخلف لمحة بصر واحدة. أجل. هذا سلوك يهدد الثورة لمن كان منا على بقية من وفاء للثورة التي تمرض ولا تموت وتختفي ولا تعدم ظهورا في وقت مناسب. هذا سلوك يهدد الحريات الدينية وإندحار الدول يبدأ عندما يكره الإمام ـ ومثله الإعلامي والقاضي والسياسي ـ على قول ما لا يعتقده. لشركاء الإئتلاف توازناتهم التي نعرفها ونحترمها وعليهم إكراهاتهم التي نقدرها ونتفهمها ولهم آمالهم التي هي أكبر من أن تعبأ ببطيخ ومن على شاكلته ثأرا جاهليا أحمق .. لهم أن يرعوا مربنة السفينة أن تحيد كثيرا أو تميل ميلانا يهدد هويتها ولهم أن يضحوا في سبيل ذلك بما يضحون والكبار دوما من علاماتهم أنهم ينظرون إلى الكبير لا إلى الصغير مهما كثر وجل .. كل ذلك نعرفه ونتفهمه ضمن معادلة التغيير والإصلاح النسبية تحملا لضر أدنى أملا في دفع أقصاه ونحن قطعا في مربع المفسدة لما نتجاوزه … ولكن العتب عليّ وعلى غيري من الناس ومن مكونات المجتمع المدني الأهلي الذي يعول عليه بعد الله سبحانه أن يحفظ الثورة أو ما بقي منها. أما السلطان مهما يكن عادلا بالقسط قواما فهو إلى الغطرسة أميل كما يؤكد علامة هذا الفن إبن خلدون عليه الرحمة والرضوان.
أطالب بعزله لكونه يخرق الدستور خرقا لا مساغ له ولكونه يعمل ضد الثورة وضد الحريات وخاصة الدينية منها أي التي لا خلاف عليها بيننا وهل يفرح الصيد بعضوية حكومته وهو الذي أولاه الدستور الجديد من السلطات ما أولاه أن يكون فيها مثل هذا : وزير أبيض الذقن بالكلية يعزل إماما مشهود له بالكفاءة العلمية والوسطية والإعتدال ـ ولنهب أنه لم يكن وزيرا سابقا بل كان عتالا وعذري للعتالين كلهم أجمعين ـ بحجة أن خطبته نقلت ذات مرة من لدن فضائية لا تروق للوزير؟؟؟
عندما يتجاوز الوزير حقه ويتعدى حده لنا أن نطالب بعزله بل علينا أن نلح في عزله حدبا على البلاد والثورة والدستور والمصالحة الوطنية الجامعة التي يلح عليها السيد رئيس الجمهورية. إذا قدر لي أن أتنازل عن حقي في العدالة الإنتقالية ـ ولن أفعل ـ فلا يحق لي أن أتنازل عن حقي في المطالبة بعزل مثل هذا الوزير الذي يطعنني في الخصية.
الهادي بريك ـ المانيا