بالهجوم الإرهابي على بنقردان الإثنين 7 مارس تحولت نظرية المؤامرة إلى حقيقة ملموسة فدقت ساعة الجدّ ولا بد لنا جميعا من التهيّؤ لمقاومة العدوان أن تقع بلادنا فريسة سائغة في أفواه قطعان الهمج الإرهابية البربرية (داعش) ومن خلفها ومن معها بمثل ما إبتلعت سوريا والعراق واليمن وليبيا. هذه الأخيرة قنبلة على أهبة الإنفجار ولن تكون تونس ـ وليس مصر ـ سوى أول ضحية لذلك الإنفجار. حديثي هنا ربما يطغى عليه الجانب العملي :
1 ـ لم يعد هناك أي ريب اليوم أن أولوية الأولويات للتونسيين جميعا حكومة وشعبا إنما هي مقاومة الإرهاب إذ لو سلبت حريتنا من جديد وبسطت (داعش) نفوذها علينا وساستنا بــ(إسلامها) الظالم الكافر فلن تجدينا ثورة ولا تكافل ولا دستور. إنتهينا والسلام.
2 ـ الجهاد ضدّ ” داعش ” فريضة دينية محكمة ومسؤولية وطنية مقدسة في عنق كل تونسي وتونسية، هو خارطة الطريق الذي علينا تفعيله بعيدا عن التعويقات التي تزرعها أكثر الفضائيات التونسية التي تديرها دوائر الثورة المضادة في تونس إستكثارا على التونسي أن يتحرر من حقبة الإستبداد السوداء في غضون أيام قليلات تحت ظل ملحمة بطولية سلمية.
3 ـ أكثر أجندة الإرهاب المعاصر ـ وليس كلها ـ هي أجندة (إسلامية) أي أن الإرهاب يطيح بالأبرياء بثوب إسلامي وشعار ديني. هذه حقيقة لا نجتهد كثيرا في توريتها ظنا منا أن الإسلام يتلطخ بتلك الصورة البشعة وما نزل هو إلا رسالة تحريرية جامعة للإنسان على أساس الآدمية المقدسة والإنسانية المكرمة. صحيح أن الإرهاب لا دين له ولا لون ولا لسان ولا أرض ولكن الأصح من ذلك أن أكثر الأعمال الإرهابية المعاصرة إنما هي ذات لون إسلامي ولسان إسلامي وثوب إسلامي. هذا الإتجاه الإستقرائي يدفعنا إلى أمرين كبيرين : المراجعة لموروثنا الذي يتحمل جزءا من هذا أولا والإنخراط عمليا في الجهاد ضدّ الإرهاب ثانيا.
4 ـ تونس اليوم ينتقص طرفاها من لدن الإرهاب (ولايات الشمال الغربي المتاخمة للإرهاب القادم من بعض الإمارات الإفريقية لتنظيم ” داعش ” وولايات الجنوب الشرقي المتاخمة لإمارة له في ليبيا ). تونس اليوم دخلت مرحلة الحرب العسكرية المفتوحة مع الإرهاب. لنؤجل الأسئلة الفارغة : من صنع داعش؟ ما هي خطة داعش؟ هل الإرهاب إسلامي بالضرورة أم لا لون له؟ ثم لنضع أمامنا أسوأ الإحتمالات : تحول بلادنا إلى ساحة حرب مثل سوريا وغيرها. أيّ إستبعاد لذلك تحت أيّ دعوى إنما هو بلاهة ساذجة أو تحالف موضوعي بوعي أو بلا وعي مع أجندة الإرهاب ومن يدعمها. الإرهاب سرطان الثورة وسلّ الحرية ومن تسلل إليه سرطان الإرهاب ولو بطلقة واحدة فما عليه سوى أن يعلن حالة النفير العام.
5 ـ مع التحية الخالصة للجبهة الأولى في وجه الإرهاب من القوات العسكرية والأمنية من شرطة وحرس وديوانة ومع رعاية مالية قانونية ـ وليس إحسانا ـ لعائلات الشهداء فإني أرى أنه على النهضة أن تكون هي الجبهة الثانية في الجهاد ضد الإرهاب وفق الصور التالية وللأسباب التالية :
أ ـ تجنيد وتعبئة أبناء الشعب التونسي وبناته في كامل تراب البلاد لينتبهوا للحركات المسترابة وخاصة في المناطق الحدودية ويعينوا في توفير المادة اللازمة لتتولى الأجهزة الأمنية مواصلة المهمة. ذلك أن (النهضة) هي المؤهل الأكبر لذلك شعبيا وجماهيريا ولتجربتها التنظيمية العريقة. ولا يستبعد أبدا أن تكون في بعض المناطق الحدودية بحسب التجربة الماضية مرتكزات خلفية بشرية ومادية لتنظيم(داعش) وجب كشفها قبل إنفجارها علينا.
ب ـ تنظيم إجتماعات شعبية لهذا الغرض بالذات تحصينا للجسم التونسي كله وقدر الإمكان ضد الإختراقات الإرهابية الفكرية المعاكسة وتنظيم حلقات أخرى مع الوجود السلفي التونسي في مختلف مستوياته القيادية المؤثرة إذ أن ذلك الوجود مؤثر في فئات واسعة من الشباب المهمش وهو وجود لا يستنكر كثيرا من صور الإرهاب والأهم من عدم إستنكاره المطلوب واللازم هو إمتلاؤه بالتبريرات الدينية والفكرية والسياسية والأمنية وهي تبريرات تجد لها وجودا موسعا نسبيا حتى خارج الفئة السلفية أي في التدين التقليدي الذي تغلب عليه الأسطورة والخرافة والوعي المحنط دينيا ومنزوع الدسم وطنيا. هذا العمل كذلك تؤهل له (النهضة) أكثر من غيرها شعبيا وفكريا.
ج ـ لست من أنصار المؤتمرات الإستعراضية التي درجنا على تنظيمها. سرطان الإرهاب بصفة خاصة يجب ألا نميّعه بمؤتمر وطني إستعراضي وأي مهزلة أن يشارك في المؤتمر من يدعم إرهاب (داعش) بإرهاب سياسي فكري إعلامي ليختلف معه منطلقا فكريا ويلتقي معه نتيجة. آن أوان إنتاج خطة عملية ـ لا نظرية ـ عاجلة لمقاومة الإرهاب. أقولها بإطمئنان : كل يوم يمضي علينا دون ذلك هو تمكين لمناخات الإرهاب فينا. على (النهضة) بسبب أهليتها أكثر من غيرها ـ وليس هذا من باب الفخر ـ أن تنتج خطة وطنية تعرضها على الناس. عليها أن تقول هذا : لا نجاح لمؤتمرها العاشر دون أن يكون مؤتمرا وطنيا إستراتيجيا يثمر خطة فاصلة عملية متدرجة وجامعة لمقاومة الإرهاب فكريا بالتوازي مع المقاومة الأمنية التي يقوم عليها أهلها. مطلق السلبية أن ندع أخطر مهمة تحفظ الثورة المهددة حتى قبل الإرهاب للسلك العسكري والأمني فحسب. هذا تحد يتجاوز إمكانياته.
كلمة الختام.
الإرهاب ليس على تخومنا بل في قلب حواضرنا. لن ننتصر على الإرهاب حتى نكون مع رجال الأمن وخلفهم وأمامهم على الأرض وليس خلف المكاتب. لن ننتصر حتى يسقط منا من الشهداء والدماء والأشلاء بمثلهم وأكثر منهم. لا أحد من التونسيين والتونسيات جميعا يخوض الحرب ضد الإرهاب بالوكالة عن أي تونسي آخر أو تونسية أخرى. هذا جهاد دفع أي مقاومة بالتعبير المعاصر وحكمها الشرعي والوطني معا : خروج كل أحد دون إذن أحد إلا بترتيب أمني عسكري أو سياسي لضبط المقاومة.
لكم يشرف ( النهضة) بإعتبارها أكثر تأهيلا فحسب أن تضيف إلى شهدائها دون تجفيف منابع الهوية ودون الإستبداد والدكتاتورية شهداء آخرين من خلّص أبنائها وبناتها. هذه معركة الحياة. هذه معركة الثورة. هذه معركة المصير. هذا هو الترجمان العملي الخالص للشعار الجميل : الوطن فوق كل شيء. تونس قبل كل شيء. الحرية قبل كل شيء.
لا مكان (للنهضة) إلا في الصفوف الأولى لا إنتاجا لخطة مقاومة الإرهاب فحسب بل سندا للقوات الأمنية من أمام ومن خلف والمساعدة في كشف العمليات الإرهابية قبل حدوثها وكشف الخلايا النائمة فينا تترقب اللحظة المناسبة لقتلنا.
لا بد لكل معركة من زعيم. ليكن الزعيم الشعبي لهذه المعركة الأخيرة من معارك الثورة : النهضة.
الهادي بريك ـ ألمانيا
brikhedi@yahoo.de