أ- تعلمنا جميعا وأنتم مثلنا أنّ الديمقراطية ليست مقصودة لذاتها بل هي مقصودة لغيرها، وغيرها هذا ليس سوى العدالة الاجتماعية أولا فهل يمكن الحديث عن جرعة واحدة من عدالة اجتماعية والفساد المالي سيف تمتشقه الدولة بمؤسّساتها ومصالحها بشهادة السّادة النواب بمناسبة حفل التأبين الذي نظم للصيد بل بشهادة شوقي الطبيب المسؤول عن ملف الفساد؟
ب- تعلمنا بمثل ما تعلمتم أن الديمقراطية الكفيلة بالاتجاه صوب العدالة لا حياة لها الا بتوازن اجتماعي وسياسي بين الدولة حتى لو كانت دولة رمز العدل في الدنيا عمر الفاروق وبين المجتمع وهو توازن تصنعه المعارضة السياسية وما يليها من مكونات مجتمع مدني أهلي.
هل ذلك التوازن الحافظ للديمقراطية ماء وجهها الخجول له اليوم وجود في تونس؟ مجتمع صبر وصابر وراكم وضحّى على امتداد أزيد من نصف قرن فلما توّجت مقاوماته بثورة خدرت دفاعاته الداخلية بعناوين سياسية توافقية ودُعي إلى ضبط النفس فانضبط وهو اليوم يعود إلى عراينه القديمة يأسا من السياسة والسياسيين ولسان حاله يقول سرقت ثورتي وذهبت دماء رجالي ونسائي سدى في وليمة رقص فيها الجلاّد ذراعا بذراع مع الضحية واحتسى فيها السارق كوب عصير لذيذ حول المائدة ذاتها التي يجلس عليها ولد الأرملة التي شنق بعلها في النظام القديم بتهمة ثلب الدولة.
لا يمكن للمجتمع وقانون الجمعيات يحاصره أن يقوم بوظيفة التوازن، إذن فهل هناك معارضة يمكن أن تقوم بذلك؟ معارضتنا إما يسارية استئصالية لم تعد لها من مشروعية وجود سوى مشروعية السخرية من هويّة البلاد أو ليبرالية محدودة العدد والعدّة بل هي زعامات فردية تتأبّى عن الإنتظام والفعل الجماعي.
القوى الأكثر تأثيرا تستهلكها الدولة:
الكتلة الإسلامية انصهرت في الدولة بالكلية وبسرعة قياسية واذا كان من حقّها الافتخار بتجنيب البلاد مصيرا معروفا في المشرق فإن من حق الشعب المطحون بدبابة الفساد منذ نصف قرن أن يسائلها في كل محطة انتخابية قابلة : ما الذي تغير في مستوى عيشي؟ أما الحرية السياسية والإعلامية فهي ترف نخبة أكلت وشربت وتعلمت وتزوجت وسكنت حتى وبعضها سجين أو منفي.
نداء تونس : هل مازلتم تريدون الضحك على ذقوننا البيضاء بقولكم ألا علاقة بين التشكلات السياسية الجديدة وبين الحزبين اللذين يتحملان مسؤولية الدماء المسفوحة والأموال المنهوبة وعضل مجتمع أن يصنع مجده أي الحزب الاشتراكي الدستوري والتجمع الدستوري الديمقراطي؟
هل يمكن أن نتجاهل أن البلاد تحكم في الملفات الحارقة برجال النظام القديم أمنيّا وماليّا وثقافيّا وقوميّا كذلك فيما يتصل بالعلاقات الخارحية؟
في لعبة الشطرنج هناك مربعات حول الملكة تظل محروسة.
خلاصة الكلمة:
أ- الحرية التي تزيدني جوعا أو التي تمنحني حق الصراخ ويداي مكبلتان بواقع قديم وليس بقانون جديد هي أدنى إلى مسرحية . هاهم الأفارقة يجوبون الأرض طلقاء ولكنهم يموتون جوعا حقيقة لا مجازا.
ب- إذا كانت هذه القاعدة صحيحة : ديمقراطية الدولة كذبة كبرى أو حلم جميل لا يتحقق إلا بقوة تحدث التوازن فإما مجتمع عصيّ قويّ منيع أو معارضة … اذا كان ذلك كذلك فإن الدولة في تونس اليوم بتحالفها السياسي تصنع التغوّل ولو بحسن نيّة البعض.
ج- التيئيس من السياسة والمغامرة بالانخراط في الشأن العامّ سيكون سببا من أسباب أخرى لركون المجتمع إلى نفسه وهو ركون مفتوح على احتمالات سيّئة والاتجاه العام للقوى التي تقود دولة يمسك بأركانها غيرهم هو اتجاه يخدم تلك المصائر السلبية.
نحن بشر مثلكم نعرف الإكراهات الدولية وأصداءها المحليّة بل نتفهمها مثلكم ولا نختلف عنكم سوى بإرادتنا أن يكون للثورة طعم وللمقاومة حتى من أريكة الحكم طعم ولفتنة التوافق كذلك طعم.
ساعدونا على الاحتفاظ بنكهة الطّعم فاذا فقدت أجسامنا الطّعم فقدت المناعة ولو ابتلعتنا أرائك الدولة ما وجدنا حرجا في ابتلاع حريات الناس وأموالهم كما ابتلعوا.
نحن مثلكم نفهم فلا تضحكوا علينا ولا نطلب منكم مقاومة الفساد اذ لا يكلف الله حزبا إلا وسعه ولكن لا تتستروا عليه ولو كان الثمن جنة الخلد الغالية.
وهل تقبلوا أن أقول لكم : لا تفسدوا يوم يفسد المفسدون وذلك أضعف الوطنية!