من علم مناسبة الآية فلم يتجدد دينه فقد ظلم نفسه!
حاول بعض الأنصار إكراه فلذات أكبادهم الذين اختاروا النصرانية على الإسلام فنزل التّعليم السّماوي صارما في ثوب جملة اِسمية تقريرية لا إخبارية لنفي قيمة الإكراه واجتثاثها من الصدور وليس مجرد نهي يمكن أن يعصى كما تعصى نواهٍ كثيرة.
آية محكمة أدرجت بعد أعظم آية مباشرة ولكن كفرنا بها!
الترتيب السياقي للآيات مقصود لتأسيس فكرة وليس رصّا تراكميا وعندما لا يرضى سبحانه لكرامة الانسان وحريّة عبده حتى لو كان كافرا سوى أفضل موقع بعد تقرير وحدانيته في أعظم آية -آية الكرسيّ – فإن ذلك يعني أن الدّين مرتّب على أساس أن الله واحد لا شريك له وأن الانسان حرّ لا مُكره له.
كيف كفرنا بقيمة الحرية أعظم قيمة بعد التوحيد؟
أ- لمّا أرغم الأمويّون الأمة على نبذ سورة الشورى وآيات التراضي ليكون الحكم وراثيا حتى اليوم وغدا لا تشاوريا توافقيا كما كان في الخلافة الراشد.
ب – لمّا نظر فقهنا لقتل المرتد الفرد المسالم منسحبا في هدوء خلطا بين حدّ ردة لا وجود له البتة وبين حدّ الحرابة المعروف.
ج – لمّا نظر فقهنا السياسي بعد ضُمور شأننا وأضنانا لشرعية المتغلب بالسيف.
ما هي آثار كفرنا بآية نفي الإكراه؟
أ- تقديم الدولة على الانسان وأمن الدولة على كرامة الانسان، وبطن السلطان على بطن الفقير، وأولوية الأمن على الحريّة بالتعبير المعاصر.
ب – حجر السياسة والشأن العام كله على الأقوياء والأغنياء ليكون أمر الأمة بينهم هم وحدهم دولة وللعامة بيت الطاعة أو بيت العصا حتى ورثنا الفكرة الغربية أن الدين والسياسة مقدس ونجس فأنّى يلتقيان؟
ج- سقوط سقفنا الحامي بالكلية فإذا نحن زهاء ستين أمة لا تلتقي حتى على يوم واحد في عيد الفطر وكفر بسورتي العلق والقلم رمزي العلم والمعرفة ليصل مستوى الأمية الجاهلية الأولى فينا و نحن ثلث الأرض ثلثينا.
د- احتلال أرضنا المقدسة المياركة من لدن القردة والخنازير الذين امتلأ كتابنا تحذيرا منهم وها نحن اليوم نخون المقاومة ونساهم في خنقها ونهدي العدو أرضا جديدة هي الشام والعراق أي عواصمنا يوم كنا خير أمة، حتى الثورة التي كانت تأشيرة تحرر انقلبنا عليها وصدّقنا أنّ العروبة والحرية أو الاسلام والحرية قطّ وفأر فأنّى يلتقيان؟
حتى الإرهاب لا يفسّر إلا بكفرنا بالحرية التي قدسها الإسلام!
آخرها أن نقتل نحن المسلمين راهبا في كنيسته ذبحا في شمال فرنسا معترضين على الألمان والفرنسيين قولهم “الإرهاب الإسلامي” فمن أين جاءت القاعدة وداعش وعشرات المجموعات المتدثرة بالسلفية والجهاد؟حتى لو كانت صنيعة غربية هل أرغمونا على الانتظام فيه؟
كلمة الختام
أ- نحن في أضنك عيش عقابا إلهيا على كفرنا بأعظم قيمة عظمها واختار لها جوار الهيته أي قيمة الحرية التي لأجلها نهى الصحابة أن يُكرهوا فلذات أكبادهم عليه هو نفسه.
ب- فإما مقاومات نموت فيها ولا نحيى استعادة للقلم قبل السيف والكرامة قبل الشهوة والانسان قبل السلطان، وإلاّ فلنكفّ عن إدانة داعش لأن داعش تتغذى من فقهنا الذي قدم قتل المرتد على فريضة التحرير والشريعة على العدل.
ج- أعرف أنّ الخطاب كاسح ولاذع ولكنه مناسب لقانون : قل هو من عند أنفسكم ومناسب لقانون : حقيقة تؤلمني لأهبّ، خير من وهم يريحني لأترهل!
تراثنا مسؤول عن حاضرنا الأحلك وماضينا مازال يصنعنا فهل من ثورة فكرية قبل الثورة العضلية؟