كان يمكن للتشريع أن يخبرنا أن الخمر والميسر محرمان ولو فعل ذلك لالتزم الناس كما التزموا بحرمة لحم الخنزير ولكنه أخبرنا أنهما كذلك بسبب غلبة المفسدة عليهما مع الإقرار بالمصلحة فيهما وهذا موضع تدبر لمن ينشد فقها في الدين وقياسا في الحياة.
لماذا توسل التشريع بالتعليل؟
أغراض ثلاثة:
بناء عقل إسلامي أسّه التفكير والتدبر أي المقارنة والنظر إذ غذاء العقل التفكر وغذاء النفس السياحة وغذاء الجسم ما هو معروف والتفكر يفتح للذهن آفاقا معرفية جديدة فيكون الابداع والتجديد، اعتماد آلة القياس في التشريع الديني والدنيوي معا إذ الأحكام متناهية لا يتسع لها مليون كتاب بسبب تجدد الحوادث أما الحوادث فهي لا متناهية ولولا القياس تلك الآلة المناطقية بالأصل لتجمد الدين وأسِنت الحياة، وتسعة أعشار قضايانا اليوم دينا ودنيا معا لا نصّ فيها في الدين ولولا القياس لكان الدين ظاهرة اجتماعية عفا عنها الزمن إذ استنفدت أغراضها بالتعبير العالماني.
النظر في تسخير الحرام دينا في عمارة الدنيا ومن أمثلة ذلك تسخير جلود الخنزير للملبس والرياش وكذا إهاب الميتة بالتعبير النبوي والأعناب الخمرية نفسها فلا تحطم أو أموال الربا المحرمة على صاحب أصل المال وليس على غيره وليس غرضي إحصاء الأمثلة ولا حتى تفصيلها بل إن تسخير المحرم دينا لعمارة الدنيا فحرمة لحم الخنزير مثلا لا يبيح تعذيبه والأصنام تكون مكروهة لما تعبد أما تحويلها الى تراب تذروه الرياح بدل تسخيرها لسد طريق مثلا فهو خلط بين المحرم دينا والمباح دنيا.