تمحور اربي الاول نظرا في هذا الحديث النبوي حول ابعاده التربوية والتعليمية . انظر الحلقة السابقة .
يعلم الانسان مقاصد العقيدة.
ذلك هو مبعث سوءاله عليه الصلاة والسلام اذ سال : هل انتم موءمنون؟ فأقر الجواب انهم موءمنون بدليل شكرهم في السراء وصبرهم على الضراء وإيمانهم بالقضاء.
مقاصد العقيدة : سوءال التجديد المهجور.
لا اعلم احدا سال عن مقاصد العقيدة ودعا الى بحثها عدا الدكتور احمد الريسوني وذلك قبل زهاء ربع قرن. اذ كتب الفقهاء في مقاصد الشريعة على نفاسة وندرة كتاباتهم بل تحديدا : الشاطبي وابن عاشور والفاسي ثم محاولات دراسة عميقة وجادة من لدن كل من النجار والريسوني وما عدا هوءلاءاشبه بالتحشيات والشروح التي امتلا بها تراثنا يوم هيمنت جاهلية غلق باب الاجتهاد.
ولا يساورني ريب ان السبب الفكري لتخلفنا انما هو العزوف عن البحث المقاصدي .
ومن نكد الزمان ان يطغى فهم عقيم معاصر عنوانه ان النظر المقاصدي هو بديل عن النص لتثار معركة مغلوطة بين أنصار المقصد وانصار النص .
انما النظر المقاصدي في مقابل الوسائلية وليس النصية ولا الحرفية.
مقصد العقيدة : تحرير الانسان تحريرا نفسيا وعقليا.
ذلك ما حدده الحديث النبوي.
١- الشكر في السراء معناه ان الانسان الموءمن لا يبطر ولا يتكبر ولا يفرح فرح قارون ولا يحمله ما اصابه من سرور وخير على مغادرة توازنه النفسي ليمارس صلفا وعلوا وغرورا يظلم به الناس.
٢- الصبر على الضراء يحمل المعنى ذاته ولكن في الاتجاه المعاكس اي ان الموءمن عندما يصاب بشر لا يحبط ولا يكون فريسة لليأس والقنوط بما يدفعه اما الى العنف لفرط الاحباط او الى الانطواء والانسحاب والفرار وفِي الحالين بلا ريب سوء لنفسه او للناس.
خلاصة ذلك :
ان الايمان يعصم الموءمن ويحرره من سجون الكبر واحباس الاحباط معا في حالي الخير والشر اذ يلزم اعتداله النفسي ليظل ثابتا راسخا ايجابيا والحياة لا تخلو ابدا من سواء وضراء .
والتحرير العقلي مقصود كذلك:
الايمان بالقضاء يضمن التحرر العقلي اذ يحتل الانسان الموءمن بالقضاء والقدر ايمانا صحيحا مكانه الصحيح والمناسب اي الكائن المستخلف المستأمن الحر العاقل المسوءول سيدا في الارض تحت سلطان ربه وفِي مملكته مكرما فلا يظن غرورا انه ربع اله ولا تواضعا مزيفا انه ريشة في مهب الريح او سقط متاع.
الخلاصة من ذلك :
ان الايمان بالقضاء يضمن له توازنه العقلي فيندفع نحو العمارة والعبادة والخلافة والزكاة وإقامة العدل.
تلك هي مقاصد العقيدة :
١- ضمان التوازن النفسي في حالي الخير والشر.
٢- ضمان الاعتدال العقلي تأهلا لمعركة العمارة.
وفِي التوازن والاعتدال مكمن التحرر.
واكرم بنبي يحرر الانسان بالدين وبعقيدة تكرمه ان يظل لقمة سائغة لصروف الدهر المتقلبة.
وحري بك ان تميز بين مباني العقيدة – الأركان بالتعبير المدون – ومعانيها اي مقاصدها. أركانها الستة كأركان البيت الذي يوءويك ومعانيها هي ما يوفره لك ذلك البيت من أمن وحرية من الاعين وقرة فوءاد.
العقيدة معللة مقصدة جلابة للمصالح وليست طلاسم او احجيات لا تعقل .
والله اعلم.