أي أيامك أجمل يا محمد؟ ( 8 )

أم يوم كنت تنادى في العرب جمعاء : الصادق الأمين. وليس تنادى بإسمك : محمد؟ أي رجل أنت وأي إنسان أنت؟ لا ريب في أن ربك يعدك لمهمة بناء الإنسان بالخلق العظيم. حتى والوحي لم يباشر منك شغافا كنت شامة بين الناس. نسي الناس إسمك الذي به سميت به. نسوا ذلك إذ طغى خلقا الصدق والأمانة عليك. بشهادتهم هم أنفسهم كنت الصادق في مجتمع بلغته الكذب ” وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون “. بشهادتهم هم أنفسهم كنت الأمين في مجتمع يخون بعضه بعضا. لا أجد شرفا أكبر من هذا يا محمد. الصادق الأمين حتى وربك لم يوح إليك بشيء؟ إنما هو يصنعك على عينه سبحانه كما صنع موسى من قبل على عينه. أولئك هم الهداة لا بد من صنعهم على عينه سبحانه صنعا. أولئك هم الرعاة لا بد لهم من شهادة من أقوامهم من قبل أن يبعثوا إليهم. شهادة الصدق والأمانة فيك من لدن الذين سيخرجونك ويقاتلونك هي عربون حق أنك لا تبغي من دعوة الإسلام عدا خيرا للناس. أي قلادة أغلى من أن يخلع على إمرئ من لدن خصومه أنه الصادق الأمين؟ أقول في نفسي دوما : كسبت المعركة من قبل أن تصعد على الحلبة. أجل. حياتك معركة أو لا تكون. حلبتها الفكر والخلق. وعندما تقلدت من قريش نياشين الصدق والأمانة فلم يعد لهم أي عذر حتى يصدوا عنك. ولكنه الكبر الأعمى. بالصدق كسبت المعركة وبالأمانة علمت الإنسان كيف يكون إنسانا لا ذئبا مفترسا

أم يوم سلمت مفتاح الكعبة لصاحبه المشرك في فتح مكة ومباشرة من بعد أن صليت فيها ما شاء لك الله أن تصلي. كان يمكن لك يا محمد وأنت الفاتح المنتصر أن تعتقل أولئك الرجال أو أن تصفيهم أو أن تعذبهم أو أن تحتفظ بهم حتى تستكمل حالة الطوارئ مدتها. كان يمكن لك أن تتسلم منه مفتاح الكعبة وهو مشرك صاغر. أليس كذلك يفعل الفاتحون في كل زمان ومكان؟ لا. أنت مفتوح لك ولست فاتحا حتى وأنت في قلوبنا جميعا خير الفاتحين بإذن رب العالمين. أنت مفتوح لك. هكذا علمك ربك وعلمنا أن الأمر كله بيده هو وحده سبحانه ومن دون إعدام لإرادة الإنسان ولكنها مقتضيات العبادة فلا يملك العابد في حضرة معبوده شيئا لمن يفقه حقيقة العبادة. أنت مفتوح لك ” إنا فتحنا لك ..“. أنت منصور ” إذا جاء نصر الله والفتح ..“. الفعل منسوب إليه وحده دوما سبحانه أن يطغى الإنسان يا محمد. كان يمكن لك أن تحتفظ بمفتاح بيت الله الحرام عندك أو تسلمه أحدا من أصحابك. لا . أنت تعلمنا خلق الوفاء مرة أخرى. الوفاء حتى للمشركين؟ أجل. الوفاء حتى للمشركين. هذا الخلق الذي هو عقبة علينا تقحمها ولكنا لما نتقحمها. لساننا ولسانك يا محمد مختلفان: نحن نقول : هؤلاء كفار فجار وصنوف أخرى لا تحصى من قاموس النعوت. أما لسانك فلا يشغل نفسه بهذا. لسانك مشغول بالوفاء حتى للمشركين. تؤلف قلوبهم. وأي قيمة لمفتاح الكعبة نفسها من بعد أن كنت أنت الفاتح المنتصر وهي تحت إمرتك أنت؟ لا قيمة لمفتاح هزم أهله. الهزيمة هي إذن أن يظل المفتاح عندهم هم. تلك هي إستراتيجية النصر التي غابت على الفاتحين وغابت عنا نحن اليوم أيضا كذلك يا محمد. فريدتك يا محمد أنت تقتل أعداءك بالحب وتأسرهم بالود وتستعبدهم بالإحسان وتنفذ إليهم بالكلمة الطيبة. ذلك هو سلاحك الذي به نصرك ربك يا محمد .

شاهد أيضاً

قصة يونس عليه السلام

هو يونس إبن متى عليه السلام أحد الأنبياء المرسلين المذكورين في القرآن الكريم وحملت سورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *