أم يوم علمتنا لغة الحب يا محمد؟
أنت تعلم لغة الحب؟ أجل. والذي بعثك بالحق. أنت نبي الحب ورسول الحب ولكن الناس ـ سيما عربهم ـ لا يعلمون. علمتنا يا محمد لغة الحب مع الطفل إذ كنت تخصص من وقتك الثمين جدا طرفا لطفل يلهو إسمه أبو عمير. لم تشغلك هموم البشرية التي أرسلت إليها هاديا أن تلهو معه قائلا : ما فعل النغير يا أبا عمير. النغير هو إسم عصفوره. أجل. علمتنا أن مفتاح الحب هو أن تحفظ في رأسك ـ على جسامة الهموم ـ إسم الطفل وإسم عصفوره كذلك. علمتنا أن الإنسان عندما ينادى بإسمه يشعر بالحب والتكريم والتقدير فيتفاعل بالحب. علمتنا أن الطفل يحب لعبته فإذا هو أسماها إسما فما على الولي إلا أن يقرّ له بذلك وما عليه إلا أن يسمي لعبته بالإسم ذاته الذي إرتضاه الطفل لها. تلهو مع الأطفال كأنك طفل يا محمد. وبذلك علمتنا لغة الحب إذ لا يفهم الطفل لغة العقل . ويوم مات النغير حزن أبو عمير فشاركته حزنه يا محمد. تحزن يا محمد لحزن طفل ولموت طير. أجل . ولم لا؟ أليس لتشعر الطفل أنك حزين لحزنه فيفهم لغة الحب فإذا كان أبا أو وليا عرف قيمة الحب وتعامل مع الناس بحب؟ علمتنا يا نبي الحب أن الكبير يصغر مع الصغير ويكبر مع الكبير وإلا فما هو بكبير حتى لو إشتعل الرأس منه شيبا والذقن
أم يوم علمتنا لغة الودّ يا محمد؟
أنت تعلم لغة الودّ؟ أجل. والذي بعثك بالحق هاديا ولكن الناس لا يعلمون. علمتنا لغة الودّ عندما كنت تخطب فوق منبرك ـ وأنت من أنت ـ فإذا بالسبط الحسن أو الحسين يدخل المسجد يتعثر في قميص طويل فلا تتردد بالنزول من فوق منبرك والصحابة ينظرون . تحمله بين ذراعيك وتصعد به منبرك وتعود إلى وضعك وربما لا ينقطع كلامك. ويظل الولد يرضع من حلمك ورحمتك ورأفتك وحبك يا نبي الحب ورسول الودّ حتى تكمل خطبتك ثم تصلي بالناس. هل أنت فعلا نبي يا محمد؟ الذين يقرؤون مثل هذا اليوم لا يصدقون أو لا يكادون يصدقون منك ذلك. حتى الذين يصدقون منك ذلك لا يروق لهم ذلك. نحن عرب يا محمد. نحن ورثنا الفظاظة والغلظة والجفاء يا محمد. نحن بحاجة إلى قبسات من حبك يا محمد. وذات يوم عندما كنت راكعا أو ساجدا يأتي السبط نفسه بل ربما كلاهما فلا يحلو لهما ظهر يمتطيانه عدا ظهر جدهما فيفعلان وتظل راكعا بالناس أو ساجدا أكثر من الوقت المخصص منك في العادة لمثل ذلك فإذا قضى السبطان أربهما منك عبثا ولهوا أكملت صلاتك وبعد التسليم تبتسم للصحابة قائلا لهم : ولدي إتخذ ظهري له مطاء فكرهت أن أقطع عنه ذلك. تبسم الصحابة وفهموا سرّ الأمر ومرّ كل شيء بسلام. تصور يا محمد ـ يا نبي الحب ورسول الودـ لو حدث مثل هذا مع واحد منا نحن اليوم؟ سيطرد المسكين من المسجد شر طردة ويتهم بالهرطقة والزندقة والردة وربما يجلد في ساحة المسجد أنه عابث لا يقيم لشعيرة الصلاة وزنا. أنه يقدم لهو الأطفال على العبادة . قل لي بربك يا محمد : لم لم يسألك صحابي واحد وهم بالمئات أو الآلاف هذا السؤال الشقي الذي لا يكاد اليوم يغادر لسانا : أخبرنا يا حضرة الإمام الذي كان يؤمنا هل أن سبطك الذي حملت طاهر أم نجس؟ طبعا لم يسألوك ولن يسألوك. مثل هذه الأسئلة الشقية تصدر عن الأشقياء مثلنا. نحن الذين ملأنا الرؤوس بفارقة قوامها أن الدين شيء والدنيا شيء آخر. عدوان لا يلتقيان. الناظر من بعد يقول في نفسه أن صاحب هذه الأسئلة تقي ورع يتحرى الحق والحلال والطهر. ولكن نبي الحق يخبرنا ألا نسأل عن شيء سكت عنه. وشتان بين فارغين يتشدقون بالأسئلة الفارغة وبين رجال شغلهم الجهاد والعلم ووحدة الصف ومقاومة الحياة عن مثل تلك الأسئلة الشقية . أسئلة البطالين والفارغين
أم يوم علمتنا فن القبلة يا محمد؟
أنت تعرف القبلة؟ أجل .والذي بعثك بالحق يا محمد . أنت نبي الحب وأنت رسول الودّ. ولكن أسلمنا وظللنا جلافا غلاظا ما باشر الحب شغاف القلوب. بل ظللنا نظن أن الحب شيء والدين شيء آخر. هما عدوان لا يلتقيان. علمتنا فن القبلة يا محمد عندما جاءك الأعرابي ـ في عام الوفود مسلما ـ فاتفق أن كنت تقبل سبطيك فاندهش الرجل وقال لك بصراحة العرب المعهودة ـ وتلك فضيلتهم الوحيدة تقريبا ـ أنه له من الولد عشرة ما قبل يوما أحدا منهم. ثارت ثائرتك يا محمد ـ يا نبي القبلة ـ وقلت له في لهجة المؤدب الغاضب : وما ذا أملك لك إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك؟ حري بك أن تلقننا نحن اليوم هذا الدرس. أجل. لقد لقنتنا الدرس فهل تلقناه؟ مازال كثير منا يظن أن القبلة أمارة ضعف سيما بحضرة الفحول أو النساء. هي سجية عربية جاهلية ورثناها. كثير منا لا يجازف حتى بإستخدام الكلمة عساها تصرف في أجواء الفساد إلى مصارف النساء. تعلمنا سد الذرائع وليس فتحها حتى هنا. في الفقه وأصوله لها مكان وإن كان قد إنداح وتوسع حتى ضيق واسعا ولكن ما محلها هنا؟ هو التدين المزيف المغشوش المزور يا محمد .