الكلمة الثالثة : ( النهضة ) ليست الأمثل بل الأقل سوء.
حصيلة لمحطات 2014 ثم 2018 ثم لرئاسيات 2019 فان هذا الحكم ( النهضة ليست الأمثل بل الأقل سوء ) هو حكم الشعب الناخب الذي لم تغر صناديق الاقتراع نصفه بالكامل بل أزيد . هو حكم قد يزعج المتحزب والنصير ولكن الديمقراطية هي حكم الشعب .
مسالتان للتجلية :
١- توافق ( النهضة ) مع النظام القديم.
عندما تبسط الأمور للحوار الهادىء فاني أظن ان التوافق الذي صنعه لقاء باريس كان مطلبا مشتركا بين الحزبين الفائزين ( النداء والنهضة ) اذ قدر كلاهما ان تفرده بالحكم باغلبية بسيطة ضمن مناخ هش ومنذر بالردة قد يعود عليه بالنسف. أظن كذلك ان التوافق ساهم في تعويق حركة الانقلاب ضد الثورة . وقد يكون الخيار التوافقي في غير محله وخاصة تنزيلا ولكن القول بان التوافق من الجانب النهضوي خيانة للثورة تطوير بعيد تفهم مقاصده عندما يصدر عن قوى اليسار . أنى لحركة عبدت سبيل الثورة لعقود بالنضال ان ترتد في غضون سنوات او شهور ضد ما يعتبر بعد هويتها الدينية عقدها المرصع ! لا لن أتردد عن التأصيل الديني الذي غدا اليوم ممجوجا حتى عند أهله : الم يتوافق عليه السلام مع النظام القرشي في فتح مكة ؟ الم يتاخر اخلاء الحرم المكي بعد ثورة الفتح زهاء عامين ؟ لم يا ترى؟ ليس سوى حسبانا للتوازنات.
٢- المسالة الاجتماعية والتنمية .
انا أدعو الى اختيار ( النهضة ) ولكن باختلاف وتميز عنوانه : الصدق فيما اعتقد وليس استجداء للأصوات باستخذاء.
معنى ذلك ان تحسين الاوضاع المعيشية للناس لم يكن ممكنا في المرحلة السابقة وليس هو ممكن كذلك في المرحلة القادمة وخاصة إذا تعلق الأمر بجلب استثمارات وضربات موجعة ضد البطالة ومثلها ضد الفساد وغير ذلك .
مستندي في ذلك ان المسالك المالية ستظل بين أيدي النظام القديم ( روءوس أموال وتهريب وقوانين وعلاقات ومصالح ) لسنوات اخرى وان السياسة هي مباشرة منابعها لتجفيف منابعها وليس الصياح بالشعارات الثورية .
أحببنا أم كرهنا فان المرحلة مازالت تحت سقف المعركة الطاحنة بين أنصار الثورة وأعدائها ( بسبب صعود الإسلاميين فحسب وليس بغضا في قيمة الثورة نفسها ) ومن ذا فان التفرغ لمعركة العدالة ومحاربة الفساد بقوة في منابعه الحقيقية لم يحن أوانه بعد.
بالخلاصة هنا فانه يمكن تحسين الحالة الاجتماعية للطبقة المسحوقة ببعض الإجراءات وليس اكثر من ذلك .
الحرب العالمية الدايرة اليوم ليس سوى استئثارا بالمال والاستثمار الوطني أولى وكلاهما يشترط الأمن والسلم شرطا .
٣- كل الوعود الاجتماعية عندي كاذبة ومجانية سيما في وزنها الاستثماري الثقيل ولكني أظن ان ( النهضة ) هي الاقل سوء اذ اثبتت نظافة يد وطهارة من الفساد ومثابرة في الاداء الحكومي ( العذاري مثلا ) والبرلماني ( حرص على المحكمة الدستورية حتى لو ترأسها شيوعي سابق ” العياشي ” ومشاريع قوانين للأوقاف وغير ذلك ) .
الخلاصة :
مشهد قادم غامض يتطلب اختيار الاقل سوء والأقل طمعا في المال العام اذ لسنا بين ( مهدي منتظر ) و( المسيح الدجال ) بل بين ( مافيا ) و ( حزب نظيف اكتسب تجربة ).
تونس ( بلدة طيبة ) فلا تدعها للذئاب .