بين يدي الذكرى العاشرة لكارثة 11 أيلول 2001.
كأن شيئا لم يزل إذا أتى.
قال الشاعر : كأن شيئا لم يزل إذا أتى … كأن شيئا لم يكن إذا مضى.
بالأمس القريب جدا كنا نعيش على وقع كارثة القرن : 11 سبتمبر 2001.
أقصد : بالأمس القريب كنا نموت على وقعها لأنها إعلان موت للمسلمين.
اليوم : 11 سبتمبر 2011 لا نعيش ولكن نحيى على وقع الثورة العربية أو ربيع الأمة.
قلت في نفسي : سبحان من يحيي العظام وهو رميم. سبحان من يقلب الليل والنهار ليجعل في ذلك عبرة لأولي الأبصار.سبحان من يعز من يشاء ويذل من يشاء. سبحان من يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء.
هذه مفردات الذكرى العاشرة.
1 ـ تنظيم القاعدة أو منهاج الإنتقام الأعمى.
2 ـ الولايات المتحدة الأمريكية أو دجال العصر الأعور.
3 ـ الصهيونية العالمية التي تحمي بلوبياتها السرطان الإسرائيلي.
4 ـ الإسلام والحركة الإسلامية والثورة العربية المتواصلة منذ 14 يناير 2011 حتى اليوم.
من أراد الكتابة أو التأريخ أو الحديث عن الذكرى العاشرة لكارثة سبتمبر 2001 فلا مناص له من معالجة تلك المفردات مفردة مفردة لأنها مكونات المشهد الكارثي الذي كاد يعصف بالوجود الإسلامي الغربي بصفة عامة والأمريكي والأروبي بصفة خاصة.
هل هي كارثة حقا؟
أجل. هي كارثة دون ريب. سوى أن الإسلام ـ ومن ورائه المسلمون ـ يبتلى بالكوارث ليقوى عوده عملا بأعلى سنن الله في كونه وخلقه : قانون الإبتلاء الماضي. ألم يقل سبحانه في ذلك : „ أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون”. أما التحاليل المائعة التي تريد أن تجعل من تلك الكارثة نصرا للإسلام مبينا فهي مواعيد السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه وفي حسابه. بعض من أولئك أغرار يرتبون نتائج صحيحة على مقدمات خاطئة. بعض من أولئك يستدلون على أن الكارثة نصر بزيادة عدد معتنقي الإسلام فضلا عن المهتمين به إهتماما إيجابيا وغير ذلك مما هو كثير من نتائج تلك الكارثة. قل لأولئك : بعض الأمراض تصيب الأبدان فتزيدها قوة ونشاطا وحيوية من بعد البرء منها.. هل يمكن أن تقول عن الداء العضال أنه عافية؟ طبعا لا. هو داء عضال حقه العلاج والحرب فإذا خلف ذلك الداء العضال عافية زائدة فهو القانون السنني السببي المطرد : كل محنة تواجه بالصبر والتقوى تكون عاقبتها منحة. هل يجعلنا ذلك نسمي المحنة منحة وهي في طور المحنة؟ كارثة سبتمبر 2001 كارثة حقيقية بكل المقاييس بسبب أنها إستهدفت بالقتل آلافا من الأبرياء وكثير من أولئك مسلمون لا ناقة لهم ولا جمل في سياسة الصهيونية التي تهيمن على المؤسسات القيادية في أمريكا. إذا أبدل الله سبحانه عسرك يسرا فلا تقل : كان العسر يسرا ولكن قل : جاء مع العسر يسر لتكون منسجما مع المنهاج القرآني تفكيرا ومبنى : „ إن مع العسر يسرا”. ثبت العسر مرتين وعرفه مرتين ثم أخبرنا أن يسرا ـ بل يسرين ـ يخترمه ليرثه.
مازلت عند هذا الرأي.
لم أقف إلى حد اليوم على حقيقة مؤكدة قاطعة ولكني مازلت على رأيي القديم : بادر تنظيم القاعدة بإيقاع الكارثة ولما كان العمل لذلك حثيثا إخترقته أجهزة الإستخبارات الأمريكية ثم إتخذ القرار من أعلى سلطات البلاد سياسيا وأمنيا لمواصلة العملية وإسنادها بما يجب من ( لوجستيات) بالتعبير الأجنبي المعاصر وتوظيف ذلك ضمن مرحلة تصعيدية جديدة من مراحل الخطة ( الناتوية = نسبة إلى الناتو الذي صرح أمينه العام بعيد سقوط الدب الروسي مباشرة بأن الإنتصار على العدو الأصفر (الإتحاد السوفييتي وحلفائه) يجعلنا أمام إستحقاق دولي آخر إسمه شن الحرب ضد العدو الأخضر ( الإسلام والمسلمون ).كلمة السر في الدوائر الإستخباراتيه الغربية ـ سيما الأمريكية والأروبية ـ هي : أمن إسرائيل ـ وهو الخط الأحمر الذي لا تنازل عنه ـ لا يتحقق دون ترويع المسلمين. هما أمنان لا يتعايشان فإما أن تأمن إسرائيل وإما أن يأمن المسلمون. ولا مانع من أن تكون الكارثة قد توخت خيط السير المعاكس أي أن الإستخبارات الأمريكية هي التي بادرت بالكارثة إبتداء فأغرت بها تنظيم القاعدة بمثل ما يغرى فأر ليلتقط قطعة شحم فإذا دخل الحمى وقع في الفخ المنصوب بعناية.
لا بطولة لتنظيم القاعدة في تلك الكارثة لولا أن تلك الكارثة لم تندرج ضمن الخطة الأمريكية الجديدة. ولا بطولة لأمريكا لولا أنها لم تعثر على خصم أحمق. فكانت الكارثة نتيجة لمصالح متبادلة : خسرت فيها أمريكا شيئا وربحت أشياء وخسر فيها تنظيم القاعدة شيئا وربح أشياء.
تنظيم القاعدة ومنهاج الإنتقام الأعمى.
هذا موضوع كتبت فيه مرات ومرات ومن ذلك رسالتين إلى التنظيم قبل موت زعيمه أسامة إبن لادن عليه رحمة الله سبحانه.إبن لادن من الشخصيات التي ظل فيها فريقان من المسلمين: فريق يمطره بالكفر والنفاق والزندقة والهرطقة وأغلب أولئك من وعاظ السلاطين الذين يقبضون من المال بقدر تكفيرهم للرجل. وفريق يرفعه إلى درجة العلماء أو الفقهاء والمصلحين بما يجعل من إجتهاده التنظيمي القائم على : التكفير والتفجير .. حسنة يأمر بها الإسلام أو يبيحها ولا نكير له عليها. تبعا لذلك يمكن أن تقول بأن المرحوم إبن لادن من الكبار الذين تختلف فيهم البشرية. هو كبير بعمله وقيادته لأكبر تنظيم يقض مضاجع الغربيين وحلفائهم في المنطقة العربية. القول العدل ـ فيما أرى ـ في الرجل وعمله : الرجل مؤمن مسلم مخلص صادق مجاهد مقاوم لا يبغي دون الإنتصار للإسلام شيئا ولكنه سلك مسلكا إصلاحيا لا يبغضه الإسلام فحسب ولكن لا يفتأ يحذر من عواقبه. مسلك القتل بالجملة أبغض مسلك شن عليه الإسلام حربا بلا هوادة. ليس للتنظيم سوى مستند فقهي واحد هو مستند سماه أهل العلم : تمترس العدو بالمسلمين في حرب جمعت الكافرين بالمسلمين. النظرية فقهيا صحيحة ولكن تنزيلاتها تتطلب أمورا لا نتطرق إليها الآن لخروجها عن موضوعها. واضح أن التنظيم إضطرب كثيرا في مسيرته العلمية التي بنى عليها جهاده : من نظرية إخراج المشركين من شبه الجزيرة العربية إلى قتال اليهود والنصارى في كل مكان ثم إلى إستهداف أمريكا. حتى يوم الناس هذا لا تشعر أن التنظيم يحضر عنده الهم العربي الإسلامي الأول : فلسطين. ليس هناك قضية جهادية تجمع المسلمين اليوم بمثل ما تجمعهم قضية فلسطين. كما تورط التنظيم مرات ومرات في القتال ضد أنظمة عربية أو إسلامية وبمقاتلين لا ينتمون إلى البلاد المقاتلة.
أما آن للتنظيم أن يراجع نفسه على ضوء الثورة العربية؟
يبدو أن المرحوم إبن لادن ـ على تخبطه الشديد في مسألة شرعية محددة في القرآن الكريم ذاته أي مسألة الجهاد والمقاومة والمنهاج الموضوع هنالك لهما بدقة عجيبة ـ أرجح عقلا بكثير من خلفه الدكتور الظواهري. أظن أنه لو بقي الرجل حيا لبادر إلى إصلاحات جوهرية في إستراتيجية التنظيم الجهادية على نحو يعزر فيه الثورات العربية المنداحة بسبب الإلتقاء معها في الهدف الأسنى ذاته وهو : تغيير موازين القوى لصالح الإسلام والمسلمين والمستضعفين في الأرض عامة وهو تغيير لا بد أن يكون متدرجا وشعبيا ومنسجما مع الطابع السلمي للجهاد الإسلامي والمقاومة الإسلامية ـ إلا في مواضع الإحتلال العسكري من مثل فلسطين وأفغانستان ـ وهو تغيير لن يفضي مع الأيام إلا إلى إنسحاب تدريجي للقوى الغربية والصهيونية التي تتحكم في السياسات والأموال وتغذي نكباتنا في التجزئة والتمزق والتفرق وهيمنة الدكتاتورية والإستبداد والسلب والنهب والفساد والولاء لأعداء الأمة.
أليس الأفضل لتنظيم القاعدة أن يجري عمليات جراحية مؤلمة على إستراتيجيته الجهادية ليبث عقلا جديدا وتربية جديدة وخلقا جديدا في أعضائه والمتعاطفين معه على غرار المراجعات الجريئة التي أجراها كثير ممن يقتسم معه بعض أطروحاته من مثل الجماعة الإسلامية في مصر ـ والتي كان منها الظواهري نفسه على ما أظن ـ ومثلها في الجزائر وليبيا؟ ألا يكون القائد العسكري لطرابلس ـ الشاب عبد الحكيم بلحاج ـ نموذجا يحتذى؟ ألم يكن ذلك الشاب قياديا في الجماعة الليبية المقاتلة وهو اليوم قائد شعبي ميداني ثوري؟
الحكم بالإعدام على تنظيم القاعدة بجرة قلم حلم حالم ووهم واهم. التنظيم واقع حي ملموس وله أثره ويلقي بظلال الروعة هنا وظلال العطف هناك. الحل هو إجراء حوارات مع قياداته لأن الإنسان كائن مفكر عاقل ولا يستبعد أن يفيء منهم كثير إلى المنهاج الإسلامي الأرشد في التغيير والإصلاح سيما بعد أن أصبحت الثورة هي الإطار الأوسع لذلك وهي الإطار الأنسب بسبب أمرين : الطابع الشعبي الجماهيري بما ينفي عنها الطابع النخبوي القديم الذي جرها إلى أن تكون زينة ( ديكورا ) في المشهد ( الديمقراطي ) المزيف وبذلك كانت النخبة في الجملة والأعم الأغلب شاهد زور في وليمة زور. الأمر الثاني الذي ساهم في نجاح الثورات العربية المنداحة هو طابعها السلمي المدني الإحتجاجي الأهلي الذي يسير وفق النظرية الإسلامية القحة الأصيلة : الصبر الجميل.
ذلك ما أرجوه من المصلحين و هو ما أرجوه كذلك من كثير من أبناء القاعدة : حوار علمي فكري أساسه : الحجة من جانب والتناصح من جانب آخر حتى تستعيد الأمة جزء من أبنائها الذين إختطفتهم نظريات إصلاحية تغييرية يبرأ منها الإسلام براءة الذئب من دم إبن يعقوب كما يقولون. ما ينبغي للمصلحين أن ييأسوا من تنظيم القاعدة وما ينبغي لهؤلاء أن ييأسوا من ربهم سبحانه أن يغفر لهم ما إقترفوه في حق الأبرياء شرقا وغربا وما ينبغي لهم أن ييأسوا من أمتهم سيما بعدما خلعت أردية الذل والمهانة فثارت كالعواصف الهوجاء ضد المستبدين والطغاة.
أمريكا المتصهينة.
لم ألف ميزانا أصدق من ميزان القرآن الكريم. ذلك الكتاب الذي يتخذه أكثر المسلمين ـ أجل. ويا للأسف الشديد ـ كتاب بركة وليس فوق البركة شيء. ذلك الكتاب الذي لم يهتم بأمر الصلاة والصيام والزكاة والحج بمثل ما إهتم بالتاريخ قصصا ومثلا لنستل منه ما سماه في جلاء ووضوح : „ لقد كان في قصصهم عبرة”. ذلك الكتاب الذي يعلم الإنسان ـ تعليم يفيد منه حتى غير المؤمنين والمسلمين فما بالك بهؤلاء ـ فقه الحياة وأجل علم في فقه الحياة هو : علم السنن والأسباب. وأجل سنن وأسباب يعلمناها هي : سنن وأسباب نهضة الأمم وتقدم الحضارات ورقي الثقافات وغلبة المجتمعات وأضدادها أي سنن وأسباب تأخرها وإنحطاطها وإندكاكها وتدحرجها.
ذلك الميزان الإسلامي الصادق العادل يقول لنا أن أمريكا ستأفل بمثل ما أفلت القوة التي كانت تقتسم معها النفوذ فوق الأرض. أجل. قال لنا ذلك بكلمة لا تحتاج إلى ذكاء وقاد لفهم معناها. قال لنا وهو يقص قصة عاد :“ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة”.
إذا كان ذلك لا يعني في زماننا أفول أمريكا المتبرجة بقوتها بمثل ما أفل الدب الروسي الذي كانت نظريته الشيوعية في ذات عقود من عقود أواسط القرن الميلادي المنصرم دينا مدينا يخشع في محرابه الشيوعيون ويعتكف في عتباته الملحدون .. إذا كان ذلك لا يعني في زماننا أفول أمريكا فلا يملك المرء إلا أن يردد مع الكتاب العزيز : „ يا حسرة على العباد”.
ستأفل أمريكا لأسباب وسنن منها.
1 ـ أمريكا التي أبادت الهنود الحمر لتحل محلهم في الأرض الأمريكية لا بد أن يطالها القانون ذاته الذي علت به. من السنن الإسلامية الماضية : كما تدين تدان. أي بمثل ما تسيء إلى غيرك يساء إليك جزاء وفاقا. ومن كانت ذاكرته صغيرة قصيرة فليقتن لنفسه حاسوبا ذا طاقة إستيعابية أكبر يتسنى له به تخزين التاريخ الماضي.
2 ـ أمريكا التي قامت على حماية سلطات القهر والظلم والجور في كل مكان في الأرض على إمتداد عقود ـ سيما أعدل قضية اليوم على الأرض أي قضية فلسطين التي قمعتها أمريكا بعشرات المرات مما سمي جورا حق النقض ( الفيتو ) ـ ..أمريكا التي إحتضنت أكبر سفاح في العصر الحديث : الصهيونية وإسرائيل.. تلك هي ( عاد ) العصر التي لن تفلت من صيحة أو إغراق أو ريح أو غير ذلك مما أهلكت به الأمم السابقة لظلمها. لكنها صيحة من ضرب آخر أو صرصر من نوع آخر. لا تختلف سوى صور العقوبات أما النتيجة فهي واحدة. ذلك أمر يتم اليوم بالتدرج عاما من بعد عام ولكن عيون العقلاء فحسب هي التي ترصده وتحصيه.
من أعمق أرحام الثورات العربية المنداحة اليوم في ربيع الأمة لا يعدم المتأمل أن يستل عبرة كامنة مفادها أن الثائرين قبلتهم مواطن الإستبداد في بلدانهم ولكن في أفئدتهم أمرا آخر سيأتي زمانه. أمر قد لا تفصح عنه الحناجر الثائرة ولكن لسان الحال يفصح عنه. الثورة العربية المنداحة اليوم لن تتوقف بإذنه سبحانه ـ طال الزمن أو قصر ـ إلا عند تحرير فلسطين. وكلما تقدم مشروع التحرير الفلسطيني فوق الأرض عسكريا وفي السياسة والإعلام والتوازنات تدحرجت القوى الباغية الظالمة في الأرض وعلى رأسها طرا مطلقا : أمريكا.. تدحرجت خطوة إلى الوراء.
تركيا هي من كتبت لها الأقدار تدشين ذلك الفضل.
أجل. تركيا الإسلامية غير العربية. تركيا تلك الآية الإسلامية والمعجزة السننية. تركيا التي لو تحدث إنس أو جن فوق الأرض قبل نصف قرن فحسب عن تحولاتها الراهنة لصفد بالسلاسل وقبر في مشفيات الأمراض العقلية.تركيا هي التي تصنع الحدث الدولي المتعلق بأعرق وأخطر وأكبر قضية عربية إسلامية : فلسطين. تركيا التي لم تتردد في طرد السفير الصهيوني وتجميد العلاقات العسكرية. لا يعني ذلك سوى أن مكانة أمريكا ترغم في التراب. وتأخر أمريكا لا يعني سوى تأخر إسرائيل.
ثم تلتها مصر الكنانة أو مصر الثورة.
أجل. مصر تصنع الحدث والعزة عندما تطرد السفير الصهيوني وتهدم فوق رأسه سفارته الخائنة ومنزله الآثم. مصر الثورة وليست مصرا أخرى. مصر ثورة ربيع 2011 وليس مصر ثورة 23 يوليو 1952.
إذا كانت تلك الأحداث المتسارعة التي تكاد تصيب المرء بالدوار والدهشة وهي تحط يوما من بعد يوم من مكانة أمريكا .. إذا كان ذلك لا يعني أن دورة حضارية جديدة تتأسس بكل المعاني والمقاييس .. دورة حضارية عنوانها : العدل مكان الجور .. إذا كان ذلك لا يعني ذلك فلا مكان لمن لم يبصر ذلك سوى المشافي. لا. بل المقابر. هي أولى بهم وأحرى.
أتراهم لا يفهمون ذلك؟ لا.أبدا. الميزان الإسلامي يخبرنا عنهم فيقول : „ وجحدوا بها وإستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا”.
أمريكا هي دجال العصر الأعور.
ليس تأويلا للأحاديث التي تخبر عن ذلك. لا. ذلك تأويل فاسد. ولكنها كناية لحصول التشابه بين الدجال الأعور وبين أمريكا.كلاهما يعرض ملء الأرض ذهبا وفضة إغواء وإغراء بين يدي الإنسان الجائع الظامئ الخائف ليبيع دينه وعرضه ونفسه في أسواق النخاسة البائسة. وكلاهما يلفى من يتبعه. ثم يرد التحطيم على كليهما. أمريكا دجال لأنها تكذب كذبا يجر إلى الظلم الفاحش. أمريكا عوراء لأنها تزن الإنسان ببرميل من البترول.الإنسان في الإسلام روح ذات أشواق قد تصل حدة ولهها بالحياة إلى حد الإستشهاد سحقا للبدن في سبيل حياة الإنسان وهو في الآن نفسه برميل من البترول يصنع به الرفاه والتقدم والنهضة والإزدهار ويحمي به حقوق المستضعفين.
الصهيونية العالمية وإسرائيل الموعودة.
لم تنشأ الصهيونية من فراغ لأن الطبيعة تأبى الفراغ. ليس هناك في الكون والإجتماع أحداث ولدت صدفة ولكنها أقدار موزونة بتقدير عجيب. نشأت الصهيونية رسميا في مؤتمر بازل عام 1897 وإنبثق عن مؤتمرها التأسيسي الأول إنشاء دولة للكيان الإسرائيلي بعد خمسين عاما فحسب من ذلك التاريخ فكان ذلك كذلك : 1948. من هذه الزاوية لا تملك ـ كائنا ما كان كذلك على نفسك ـ إلا أن تحيي ذلك. بل لك أن تفيد منه إن كنت من طلاب الحكمة من أي وعاء خرجت. نشأت الصهيونية لتكون أسم خنجر في خاصرة الإسلام وفق شروط وسنن وأسباب كثيرة أكبرها ـ عندي ـ غياب الإسلام عن قيادة الأرض. ومتى غاب الإسلام عن قيادة الأرض التي جاء لقيادتها؟ الجواب عندي كاسح لا يقبله أكثر المسلمين اليوم : الجواب عندي هو أن الإسلام بدأ بالغياب ـ حتى لو لم يغب بالكلية ـ يوم ضعفت الخلافة الراشدة في عهد علي عليه الرضوان ثم تلا ذلك تنازل السبط الحسن عليه الرضوان لمعاوية ـ عليه الرضوان كذلك ـ بالخلافة. من ذلك اليوم سجل الكون سرا ستفصح عنه الصدور يوم تبلى السرائر : بدأت الأرضة تأكل إرث محمد عليه الصلاة والسلام في أكبر قضية إسلامية بعد التوحيد أي : الشورى. تلك هي الضربة شبه القاضية التي وجهت إلى الملاكم المسلم فوق أرض الحلبة فهو يتداعى من إثرها حتى اليوم. تلتها ضربات وتلت الضربات محاولات نهضة. الثورة العربية الراهنة هي آخر حلقة ـ إن شاء الله تعالى ـ في محاولات النهضة الطويلة. ربما تكون تمهيدا لما نؤمن به : خلافة راشدة على منهاج النبوة كما بشر عليه الصلاة والسلام. اليائسون من ذلك والمثبطون والمحبطون يشتركون بالنتيجة مع المرجفين في مدينة الثورة. أما الآملون الراجون العاملون من أرحام الشهداء فهم المقصودون بهذا الكلام.
ألم يثبت التاريخ أن المقاومة هي الحل الوحيد الأوحد؟
أجل. لم يعد الأمر اليوم مثار مساجلات بليدة ركيكة فوق طاولات المفاوضات. أثبتت الأحداث ـ ومن لم يتعلم من مدرسة الحياة فهو الجاهل الأجهل والأحمق الحامق ـ أن مقاومة العدو المحتل ـ إسرائيل في فلسطين ـ هو الطريق الواحد وهو الطريق الأوحد. يستوي في ذلك أن يتحقق النصر في عام أو عامين أو عقد أو عقدين أو قرن أو قرنين أو جيل أو مائة جيل. من يرهن الأمر بالنصر المزمن ( المعين بزمان محدد ) فهو منهاجيا خاطئ. من يضع فوق مائدة الحساب معطى إسمه الزمان فهو يقول بلسان حاله ـ حتى لو لم يشعر بذلك ـ : الذين إنتصروا في معركة الأخدود هم الرومان وليس الإسرائيليون. من يقول ذلك يقول أن المنتصر في معركة فلسطين هو شارون ـ لأنه مازال حيا ـ وليس أحمد يسن لأنه مات. معارك القيم وكريهاتها تلفظ معطى الزمان. لأن الزمان جزء من الإبتلاء وليس جزء من المعركة. من يضع معطى الزمان رقما قائما أساسيا في مثل تلك المعارك فهو الذي يخالف السنن الماضية حيث لا يعيش المقاومون في العادة حتى يروا بأعينهم النصر ولكن يورث ذلك النصر لأحفادهم وأحفاد أحفادهم.
الإحتلال قدر وقدره المضاد هو المقاومة بمثل قدر المرض وقدر التخلف وقدر الأمية وقدر التفرق والتجزئة وقدر الفقر .. كلها أقدار وهي أقدار مقدرة نبتلى بها ليشتد منا العود بمثل ما يمرض البدن لينفي خبثه. كلها أقدار ولكن لها أقدار مضاده من أخذ بها إقتفى أثر خير الناس الذي فقهوا ـ بحق وعدل وصدق ـ عقيدة القضاء والقدر من مثل إبن الخطاب وإبن القيم وعقد القادر الجيلاني ومحمد إقبال وغيرهم. أولئك الذي قالوا هذه القالة ( الكفرية ) ونعم الكفر ذاك فهو مذهبي : نحارب قدر الله بقدر الله أو نفر من قدر الله إلى قدر الله. هم الرجال الذين لفرط علمهم وجهادهم يختلف فيهم الناس : فريق عابد لهم من دون الله وفريق مكفر لهم مضلل. أولئك الرجال الذين ينتجون القالات التي يحسبها الأغرار كفرا أو زندقة وهرطقة وهي الإيمان الصافي المحلى. إيمان الفاروق الذي قال وهو يقبل الحجر الأسود : إني لأعلم أنك حجر لا تنفع و لا تضر ولولا أني رأيته صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
الإسلام والحركة الإسلامية : وقود الثورة وثمرتها في الآن ذاته.
تلك هي الحقيقة التاريخية الصامدة. إندلعت الثورة العربية الراهنة في مناخ تاريخي عربي وإسلامي ودولي أبرز أسمائه :زمن الإسلام والحركة الإسلامية والصحوة الإسلامية. إندلعت الثورة من تونس والحركة الإسلامية مقبورة في السجون والمنافي على إمتداد عقدين كاملين ثم من مصر والحركة هناك تراوح بين السجون والمنافي والقمع الداخلي على إمتداد قرن كامل تقريبا وهي اليوم مندلعة في سوريا وما على مجزرة حماة 1982 بالعهد من قدم وإندلعت في ليبيا وتاريخ السفاح المجرم القذافي في قتل الإسلاميين بالجملة لا بالتفصيل معروف. كل تلك الأحداث موافقات بتعبير الإمام الشاطبي. هي موافقات الأقدار وهي موافقات الإستحقاقات بالتعبير المعاصر. الحركة الإسلامية وقود من وقودات الثورة. الحركة الإسلامية هي سببها التاريخي البعيد. الحركة الإسلامية مكون من مكونات المشهد دون ريب في أسوإ الأحوال. أفضل تصوير للعلاقة بين الحركة الإسلامية وبين الثورة هو : تلك أم وهذه بنتها. تلك جذر وهذه ثمرتها. تلك أم مرضعة ( ظئر) وهذه مرضعتها. تلك طل حفره جميل أو إبن أبي ربيعة ذات يوم من أيام هيامه ببثينة أو بهند وهذه بثينة بنفسها تعود أو هند بذاتها تجود. تلك وقود وهذه ثمرة.ألم يقل الثاني : ليت هندا أنجزتنا ما تعد وشفت أنفسنا مما تجد .. وإستبدت مرة واحدة إنما العاجز من لا يستبد.من هنا أخذ لفظ الإستبداد معناه العربي القح الصحيح وليس كما يتداول اليوم أولا. ومن هنا أدركنا أن هندا وعدت ثم أنجزت الذي وعدت وشفت النفوس بإستبدادها. تلك هي الثورة : وعدت ثم أنجزت الذي وعدت ثم إستبدت بالظالمين لتكون للمظلومن شفاء. ذاك ثانيا.
لا إنتصار للإسلام إلا بالحرية.
ليست تلك فكرة من فيلسوف أو مفكر أو متأمل. بل هي من لب القرآن الكريم. وهل بعد لب القرآن الكريم من قول فصل.كيف ذاك وما الدليل؟ أدلة كثيرة منها مرتبة بهذا الترتيب العجيب.
1 ـ قوله سبحانه : „ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا”.أي أن الإسلام فطرة في الجبلة مفطورة.
2 ـ قوله سبحانه : „ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين “. أي أن تلك الفطرة تحييها الذكرى كائنا ما كانت القرون الخاليات التي أهالت من تراب الكفر والشرك والظلم على تلك الفطرة الصافية الجبلية. مجرد تذكير إذ ليس الداعي على الناس بوكيل ولا مسيطر ولا وصي بالتعبير الإعلامي المعاصر : „ وما أنت عليهم بوكيل “ و “ لست عليهم بمسيطر “.
3 ـ قوله سبحانه : „ وعلم آدم الأسماء كلها “ و “ الرحمان علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان “ و “ إقرأ “ و “ الذي علم بالقلم “ أي أن الإنسان كائن معلم أي مؤهل للخلافة والعبادة والعمارة وإقامة العدل بين الناس والحكم بينهم بالقسط : „ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”.
4 ـ قوله سبحانه : „ لا إكراه في الدين “ و “ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين “ و “ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر “.
5 ـ قوله سبحانه : „ ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه”. الأصل أن يقول : „ ومن يدع مع الله إلها آخر فإنما حسابه عند ربه “. ولكن عندما قال : „ لا برهان له به “.. فهو ليعلمنا أن الإيمان ـ الذي هو عمدة الإسلام وجذر العبادة والخلق والمعاملة ـ لا يكون إلا بعد برهان مبين. يريد أن يعلمنا أن الإسلام مبناه البرهان والحجة والبيان والسلطان وليس الإتباع ولا التقليد. يريد أن يقول لنا : إذا تأدى بكم البحث الفكر الحر إلى إله غيري فلا حرج عليكم ولا تثريب. ولكن هل تأدى البحث بالناس إلى ذلك؟ العكس هو الذي تأدى بهم إلى ذلك : لا إله إلا هو سبحانه. هذه الكلمة إعتبرتها مفتاحا من مفاتيح حسن فقه القرآن الكريم ضمن قائمة تضم مفاتيح أخرى منها ( منهم ) في أول القصص ومنها ( وبالمؤمنين ) في سورة الأنفال وغير ذلك. أي كلمة : لا برهان له به. لا عبرة بعبادة الله سبحانه ولا عبرة بالإيمان به إذا لم يكن ذلك عن برهان ودليل وحجة وبيان وسلطان. وهل يكون سلطان بإكراه. يمكن لك أن تكرهني على كل شيء إلا على ما يعتقده قلبي ويحتجزه صدري.
من أراد ـ إذن ـ من الشباب والمتدينين والدعاة والمسلمين أن ينتصر الإسلام فالباب الوحيد لذلك هو باب إسمه : فتح الحرية أمام الناس كلهم أجمعين. إذا ألفى الإنسان الحرية آمن وأسلم وإذا ألفى الإكراه كفر وأشرك وإبتعد. ينطبق ذلك على غير المسلمين ممن لم يسلم ولا ينطبق ذلك على المسلمين الذين تنقلب تلك القاعدة السننية في بعض منها رأسا على عقب فتكون : إذا ألفى المؤمن الإكراه إزداد إيمانا وإيمانه هنا هو الصبر والمقاومة وإذا ألفى الحرية إزداد إيمانا وإيمانه في الحرية هو الشكر والدعوة والبناء والتواصل والتعاون والتعارف.
الثورة ناسخة لكارثة سبتمبر فهل يراجع الناس أنفسهم.
من السنن الماضية المطردة الغلابة سنة النسخ أي إلغاء حدث قديم بحدث جديد. لا ريب في أن الثورة العربية الراهنة المنداحة طوت صفحة القاعدة ـ أي صفحة إستراتيجية القاعدة وقوامها التكفير والتفجير ومواجهة كل الناس شرقا وغربا والإستخفاف بالنفوس والدماء والأعراض وجعل الناس في سلة واحدة مؤمنهم وكافرهم وعادلهم وظالمهم وقويهم وضعيفهم ـ.
صنفان من الناس مدعوون إلى المراجعة والنسخ.
1 ـ أولهم القاعدة ذاتها كما ذكرت ومن خلفها ومعها التنظيمات الإسلامية التي لا يحضر التاريخ في وعيها حضورا كافيا فلا فرق عندهم بين قرآن مكي وآخر مدني ولا بين آية محكمة وأخرى متشابهة ولا بين قوي من الأدلة وضعيف ولا بين زمن وآخر ومكان وآخر وعرف وآخر. أولئك هم الدغمائيون حقا والأصل أن الدغمائية عقيدة مسيحية لا صلة لها بالإسلام ولكن أولئك يحاولون ـ دون شعور منهم ـ محاكاة جعل الإسلام بإختطافه مكان المسيحية. قصة المسيحية مع الرومان في القديم أن المسيحية جاءت من الشرق ـ من فلسطين ـ ثم جاءت إلى الغرب ـ رومية عاصمة الغرب الروماني يومها ـ.جاءت المسيحية إلى رومية داعية إلى النصرانية ولكن بعد سوء عرض من دعاة المسيحية وإنهزام داخلي روحي وقعت النكبة التي يسميها الفكر المعاصر اليوم بحق : ترومت المسيحية التي جاءت إلى روما تريد تمسيحها وما تمسحت رومية. عندما ينسخ دين بمثل ذلك أي يأتي إلى مكان ما داعيا فما يلبث حتى يخلع على نفسه رداء الذي كان يدعوه .. عندها كبر على ذاك الدين أربعا. لا.بل عشرا. بعض أولئك الحمقى يريدون ـ دون شعور منهم لفرط جهلهم بالتاريخ ـ “ دغممة “ الإسلام أي جعله دينا دغمائيا.عام 1972 كان يدرسنا أستاذ تونسي مادة الحسابيات وكان يقول لنا في محاولة إلى دعوتنا إلى الشيوعية التي هي في تلك الأيام دين مدين المارق عنه مرتد كافر إستحل كل شيء فيه .. كان يقول باللغة الفرنسية : الإسلام دغمائي لا يفسر. L islam est un dogme qui ne s explique pas. طلبة الفلسفة يعلمون معاني القالة وظلالها المخيفة على الإسلام القائم على التعليل كما بين الفقيه الأصولي المعاصر شلبي عليه رحمة الله سبحانه.إختطاف القاعدة للإسلام ودعوته أمر لا غبار عليه عندي. إختطفت القاعدة قيم الإسلام ومقاصده ومعانيه لتجعل منه دينا دغمائيا وعلى ذلك بنوا رؤيتهم الفكرية ثم أيدوها بأكاذيب واهية عن دور السيف في الإسلام والحق أن الإسلام كان دوما ضحية السيف ولم يكن يوما حاملا لسيف إلا مقاوما عن نفسه أو عن المستضعفين.
أنظر الفرق بين الإسلام والمسيحية وبين الدعوة الإسلامية والدعوة المسيحية.
لما ولدت المسيحية في الشرق ثم وفدت إلى الغرب داعية ( من بيت لحم إلى رومة ) إنهزم أهلها فما تمكنت من تمسيح الرومان ولكن ترومت المسيحية. ولكن لما ولد الإسلام في مكة ثم وفد إلى العراق وجاء التتار غزاة أغرقوا بغداد في بحار من الدماء ( وهي حقيقة لا مجاز فيها حيت تغير لون دجلة بسواد مداد المخطوطات التي ألقاها التتار فيها بمثل ما ولغت الخيول في الدماء حتى ركبها ) .. ما الذي حدث مع الإسلام ودعوته؟ لم يتغول الإسلام ( نسبة إلى المغول وهم التتار أو لم يتتر الإسلام ) ولكن : أسلم المغول وآمن التتار. خذ إليك ذلك الفرق بين الإسلام والمسيحية أو بين الدعوة الإسلامية وبين الدعوة المسيحية النشطة اليوم بإسم التنصير أو التبشير في إفريقيا .. خذ إليك لتزداد إيمانا وتزداد بالدعوة الإسلامة إلتحاما.
القاعدة مدعوة إلى مراجعة رؤيتها الفكرية ومنهاجها الإصلاحي كما ذكرت آنفا تعاونا بينها بالحوار وبين المصلحين ممن سفهوا إستراتيجية القاعدة من أول يوم ثم تأيدوا بالثورة التي صدقت ما بين أيديهم.
2 ـ ثانيهم من الذين كانوا يراهنون على أن القاعدة ومن في حكمها من تكفير بالجملة أو تفجير بالجملة يمكن أن يكونوا قارب إثم يبحرون به إلى عباب الإسلام وأهله ورموزه ليشنوا عليه حربا شعواء ضارية. أولئك بدؤوا بالمراجعة ولن نطمع من أولئك بمراجعة فكرية جادة ولكنها مراجعة المصالح السياسية والإستراتيجية والإقتصادية. أولئك بدؤوا ينحنون إلى عاصفة الثورات العربية الراهنة المنداحة بعدما أدركوا أن الثورة معطى عربي إسلامي حقيقي واقعي لا يمكن الوقوف في وجهه إلا بالإعتراف والقبول بالندية. ذاك اليوم يكفينا منهم ثم تجيء سنة الكون والإجتماع الماضية المطردة وهي اليوم تطوي الارض طيا : “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون “ و “ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق “ و “ ولتعلمن نبأه بعد حين “.
أولئك جميعا ـ القاعدة والآخر ـ مدعوون إلى الإنتساخ أي إلى التهيء إلى النسخ لأنه لا مكان للمنسوخ إذا جاء الناسخ.الناسخ جاء وهو الثورة. المنسوخ يحتضر ويتدحرج ويتواجد بالتعبير العربي الصحيح ( لأن التواجد هو الميلان فرحا أو ترحا من شدة الوجد وليس منه الوجود الذي يقصده اللاحنون ممن آمنت قلوبهم ولم تتعرب ألسنتهم ). المنسوخ هو : فكر القاعدة من جهة وتبرج الغرب من جهة أخرى.
بالأمس كنت أيها العربي المسلم متطرفا إرهابيا واليوم أصبحت ثائرا.
أجل. ذلك هو معنى تقليبه سبحانه لليل والنهار عبرة لأولي الأبصار. يدرك ذلك من يعيش في أروبا من قبل كارثة سبتمبر2001 ومن بعد ثورة تونس 14 يناير 2011. ذلك هو من يدرك معنى هذا الكلام دون غيره. بالأمس كنا في عيون الناس إرهابيين متطرفين بسبب أننا مسلمون أو عرب أو من أصول إفريقية. اليوم أصبحنا ثوارا.
المعنى من ذلك هو أن 11 سبتمبر 2011 هي آخر ذكرى لكارثة 11 سبتمبر 2001 يمكن أن يلتقطها عقل فوق الأرض ومن يلتقطها بعد اليوم فلا يهملها في طي النسيان ومزابل التاريخ ـ إلا للذكرى ـ فهو الحالم وهو الواهم وهو الذي لفظه التاريخ ومن لفظه التاريخ لفظته سننه ومن لفظته سنن التاريخ مات ومن مات مات والسلام.
الهادي بريك ـ ألمانيا