ورحل عنا أحد فرسان الدعوة والنهضة

إنه الداعية الكبير: فتحي الجلاصي (شهر حمزة). أصيل المرناقية .من قيادات النهضة في أروبا وإيطاليا على إمتداد ربع قرن. إنتخبه إخوانه مرات ليكون مسؤولا عن العمل الإسلامي تحت إطار حركة النهضة في إيطاليا كما إنتخب ليكون عضو مجلس شورى الحركة لسنوات طويلات في أيام الجمر الحامية وتقلد مسؤوليات أخرى.

كما كان يؤم الناس هناك إذ أن مسؤولياته السياسية والتنظيمية لم تعقه رغم كرّ السنين وضراوة المحنة على  إخفاء وجهه الدعوي وبريقه الروحي ولونه التربوي. عرفت من الرجال والنساء كثيرا في هذه الدنيا ويندر جدا أن تعثر فيهم على مثل هذا الراحل الكبير الذي يسبقه لسان إخلاصه إليك. عرفته كثيرا وعاشرته طويلا فكان سفر وكانت إقامات وكان حديث وكانت ترتيبات وإني لأشهد اليوم فيه شهادة ألقى بها ربي يوم موتي ويوم مثولي بين يديه سبحانه للحساب أن الراحل الكبير من أكثر من عرفت في هذه الدنيا صدقا وإخلاصا وغيرة على الإسلام وأمة الإسلام ومقدسات الإسلام وعملا دائبا متواصلا للقضية التونسية في تلك الأيام : قضية مجتمع يراد له أن يبيع حريته في أسواق النخاسة فيقاوم في صمت وصبر ويراكم غضبه كما يراكم الجمل غضبه أو كمن يدخر ثواب مقاومته ليوم تشخص فيه أبصار السلابين والنهابين ومصاصي الدماء.

لم يكن يعرف سواه سيما في السنوات الأولى لحياة المنفى في إيطاليا. إذا تجهزنا لجمع الأموال (ضمن جمعية مرحمة الإغاثية ) عولا لعائلات المساجين من المساجد فلا نجد سواه يرتب لنا المواعيد والإتصالات ثم يظل يلازمنا من مدينة إلى أخرى في قارة إيطالية مترامية الأطراف. كان الراحل الكبير ـ عليه الرحمة والرضوان ـ الرجل المقاوم في كل الحقول والميادين. مرنا في مزاجه بصورة لا تكاد تعثر عليها بين الناس. فهو رجل المقاومة الإغاثية هناك وهو فارس المساجد وهو الذي يدير التنظيم ومشاكله ويلبي حاجاته وهو المتحدث مع الساسة والإعلاميين. يقطع المسافات الطويلة للمشاركة في أعمال الحركة. بشوشا هشوشا مضيافا كريما سخيا هينا لينا رفيقا حليما خفاض جناح وقافا عند حدود الله تقيا ورعا. 
فاجأني نبأ رحيله هذا الصباح رغم أني علمت بإصابته بمرض عضال منذ شهور طويلات.حزنت على فراقه لما عرفت فيه مما لا يوفيه لسان ولا قلم. وإنا جميعا على فراقك يا (حمزة) لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم إغفر ذنبه وإستر عيبه وفرج كربه. اللهم إغسله بالماء والثلج والبرد. اللهم نقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم إجعل قبره روضة من رياض الجنة. اللهم إخلفه في أهله خيرا وولده خيرا ودعوته خيرا. اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره. اللهم أبدله أهلا خيرا من أهله ودارا خيرا من داره. اللهم أورده وإيانا جميعا على حوض الحبيب عليه السلام وأسقه وإيانا جميعا من يده الطيبة الكريمة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا حتى ندخل الجنة بسلام. آمين آمين آمين. والحمد لله رب العالمين. 
الهادي بريك ـ مدنين ـ تونس  

شاهد أيضاً

قصة يونس عليه السلام

هو يونس إبن متى عليه السلام أحد الأنبياء المرسلين المذكورين في القرآن الكريم وحملت سورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *