الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ الهادي بريك
مقالات مشابهة
لم اكن اعلم بان الخامس من اكتوبر ( تشرين الاول ) من كل عام هو يوم المعلم ولا أبالي بمثل هذه الايام ولكن عندما يتعلق الأمر بالمعلم فاني قاص عليكم سيرة اول معلم في حياتي .
هو سيدي المختار كسيكسي اول معلم استقبلته مدرستنا الابتدائية بحسي عمر ( مدنين ) التي فتحت ابوابها لأول مرة في الفاتح من هذا الشهر نفسه ( اكتوبر ) من عام 1960 وتوافد عليها زهاء ثلاثين ابا او اما يودعون ابناءهم ذلك المربي الكبير والمعلم الامين . كنا جميعا من الذكور اذ لم يتجرا على كسر الطوق التقليدي المظلم والقاضي بعدم حاجة الأنثى الى محو الأمية عدا رجل واحد يعرفه اهل تلك القرية من ابناء ذلك الجيل الذهبي .
يستقبلنا معلمنا سيدي المختار – رحمه الله – الثامنة صباحا من كل يوم وينتظمنا في صفين متوازيين ويلقي علينا تحية الصباح مبتسما هاشا باشا ولا شك انه يتالم في صمت اذ يبصر ان كثيرا منا حافي القدمين اللتين ربما أدمتا بعد قطع مسافة لا تقل عن أربعة اميال لم تضن عليها التضاريس بأحجار وأشواك .
يظل يعالجنا ساعتين في القاعة الوحيدة لمدرستنا الجديدة لينجح بعد أيام قليلات في نقلنا من ظلمات الأمية الى نور العلم وفجر المعرفة ولا شك انه صبر وصابر اذ يعسر ان تظفر في تلك الايام على تلميذ لم يطب العيش في رأسه وثنايا أسمال بالية لقمل ألفناه كما يألف ابي قطيع أغنامه .
في الساعة العاشرة صباحا يخرجنا من قاعة الدرس لقضاء زهاء نصف ساعة لهوا ومرحا اذ ينطلق هو بنفسه – ورب الكعبة – الى الدكان الوحيد في تلك القرية فيقتني لكل واحد منا بماله الخاص حبة او اكثر من حبات لعبة ( البيس) وهي حبات بلاستيكية مكورة يجد فيها الطفل متعة اذ يلقيها على الأرض الصلبة بقوة .
يقضي معنا سيدي المختار عليه الرحمة تلك الفترة المخصصة للهونا متنقلا بيننا من واحد الى اخر فيشاركنا مرحنا وكأنه طفل صغير مثلنا .
ثم ندخل قاعة الدرس مرة اخرى لنراجع ما تعلمناه وبعد ساعة واحدة نخرج من القاعة لنجد في البهو الفسيح الممتد بين تلك القاعة ومسكن معلمنا مجموعة من الجفان الكبيرة ملات طعاما ساخنا لذيذا هيأته زوجه الكريمة عليها الرحمة .
نتحلق حول تلك الجفان فنأكل حتى نشبع ثم يودعنا معلمنا بتحيته اللطيفة المعهودة .
هذا هو معلمي سيدي المختار كسيكسي الذي أغدق علينا من لطفه وكرمه واحتضننا بعطفه فنجح في ان يعلمنا ونحن نلعب .
هذا معلمي في الزمن الجميل فأروني معلميكم .
