مشاهد من خلق الصادق الأمين.
هؤلاء لا يحبهم سبحانه فأجتنب أن تكون منهم.
((( 26 ))).
من هم الذين يحبهم سبحانه؟
1 ـ أشده حبا لهم : المحسنون( إنفاق المال+ إنفاق الحلم+ الصبر والثبات عند اللقاء).
2 ـ بعدهم : المتقون( هم فحسب = الموفون بعهدهم حتى مع المخالفين إستقامة لهم).
3 ـ بعدهم : المقسطون( هم المتحرون للعدل حتى مع الشانئين لهم).
4 ـ ثم : الصابرون + المتوكلون+ المتطهرون+ التوابون+ المطهرون+ أهل الصف الواحد.
مــــن هــم الــذيـــن لا يـحـبـهـم سـبـحـانـــه؟؟؟؟
أولهم : المفسدون.فمن هم المفسدون؟
1 ـ المسارعة في الإثم والعدوان وأكل السحت ( كل مال حرام).( اليهود).
2 ـ القول على الله سبحانه بغير علم صدا عن سبيله.( اليهود).
3 ـ إيقاد الحروب والضغائن بين الناس سعيا في الأرض بالفساد.( اليهود).
4 ـ البغي على الناس إستكبارا بالمال والجاه والقوة وفسادا في الأرض.( قارون).
5 ـ لا يحب الله المفسدين ولا يحب الفساد كذلك. الفساد هو : إهلاك الحرث والنسل سعيا في الأرض فسادا يستوي في ذلك أن يكون نفاقا أو كفرا صراحا.
ثانيهم : المختالون الفخورون.فمن هم المختالون الفخورون؟
1 ـ الذين يبخلون بأموالهم سيما على أصحاب الحقوق الثمانية المذكورين في آية 36 من سورة النساء. وكذلك الذين يأمرون منهم بالبخل والذين ينفقون رياء وخيلاء. أي : مختال بماله وفخور بإنفاقه إن إنفق.
2 ـ تصعير الخد للناس والمشي في الأرض مرحا. أي : الخيلاء والكبر والعجب والغرور وما يجره ذلك من إحتقار للناس وإذلال لهم سيما أن ذلك لا يصدر في العادة إلا من غني قوي.
3 ـ اليأس على ما فات والفرح بما أتى. أي : إظهار التبرم والضجر من قضاء الله وقدره سخطا عليه ونبذا للرضى والطمأنينة والسكينة وتكاثرا من حطام الدنيا وتفاخرا به.
4 ـ مرة أخرى : البخل والأمر به. ( تصديقا من الحديد للنساء).
ثالثهم : المعتدون. فمن هم المعتدون؟
1 ـ الذين يبالغون في معاقبة المعتدين عليهم إنتقاما وإنتصارا لأهوائهم وشهواتهم وإسرافا من عند أنفسهم بعدما يتمكنون من المعتدين عليهم. وهو منافاة للقسط ومضادة للعدل.
2 ـ تحريم الطيبات التي أحلت للناس من لدن المؤمنين من بعد ما تبين الحلال من الحرام.
رابعهم : الظالمون.فمن هم الظالمون؟
1 ـ عبدة عيسى عليه السلام ممن إتخذوه أو أمه إلها أو شيئا من الإله.
2 ـ المعتدون على الأبرياء من مثل عدوان قريش ومن والاهم على أهل المدينة في أحد.
خامسهم : الكافرون.فمن هم الكافرون؟
1 ـ الذين يزعمون أنهم يؤمنون بالله ولكنهم لا يؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام أو يزعمون الإيمان به ولكنهم لا يطيعونه.
2 ـ من هو الكفار الأثيم؟ ضرب آخر من الكفر أشد ـ بسبب وروده بصيغة المبالغة ـ.
من هو الكفار الأثيم ؟
هو المرابي ـ أي آكل الربا وليس معطيه ـ بسبب أن أكل الربا لا يكون إلا من غني قوي مستكبر يستعبد الناس بماله ويسترقهم بجاهه. فهو كفار لأنه يستحله ـ إن قولا أو عملا والعبرة بالنتيجة حتى لو أنكره قولا ولكنه إسترق به رقاب الناس ـ وهو أثيم لأنه يوقع الناس في الإثم.
سادسهم : الخائنون.فمن هم الخائنون؟
1 ـ الذين يخونون عهودهم ومواثيقهم المبرمة مع الناس. سياق الحديث عقب بدر مما قد يكون بدر من إرهاصات خيانة من بعض بني إسرائيل لمواثيقهم معه عليه الصلاة والسلام مستغلين هجوم بدر.
2 ـ من هو الخوان الكفور.
ضرب آخر من الخيانة ـ ربما أشد بسبب صياغات المبالغة ـ. الذين خانوا رسالة إبراهيم عليه السلام ـ من مشركي قريش ـ بزعمهم أنه في إثره مدعين أن الذبائح تنال منها آلهتهم أو ينال منها الله أصلا ـ سبحانه ـ من جهة. ومن جهة أخرى الذين خانوا رحمهم في محمد وصحبه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فأخرجوهم من دياريهم بغير حق بمثل ما خانوا حق التدين وحرية الإعتقاد. ربما سماهم بصيغة المبالغة : خوان كفور لتعقد خياناتهم فهي خيانات عقدية دينية وهي خيانات عائلية مدنية بخلاف الخائن المجرد (بني إسرائيل) الذين خانوا العهد ولم تكن بينهم وبين محمد صلة ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
3 ـ من هو الخوان الأثيم.
ضرب آخر من الخيانة. هي خيانة بعض المؤمنين المتمثلة في رمي يهودي بريء بسرقة درع تسترا منهم على أنفسهم أو على أصحابهم وهو ما فصل فيه سبحانه تفصيلا طويلا في النساء. هم مؤمنون بالإعتبار المدني ولكن يغلب على الظن أنهم منافقون أو من ضعاف الإيمان جدا.
سابعهم : الفرحون.فمن هم الفرحون؟
لم ترد إلا مرة واحدة في معرض الحديث عن بطر قارون وفرحه المبالغ فيه بماله وقوله في ذلك : „ إنما أوتيته على علم عندي”. فهو فرح بما يظن أنه من كسبه وما هو من كسبه ولكنه عطاء ربه إليه سيما أنه جمع إلى ذلك البغي على الناس. أما الفرح البريء من الخيلاء والكبر والعجب والكفر والبطر والبغي على الناس فلا شيء فيه وقد فرح عليه الصلاة والسلام بقدوم جعفر وبفتح خيبر.
ثامنهم : المجاهرون بالسوء من القول من دون المظلومين.فمن هم؟
1 ـ القول السيء هنا هو ذكر الناس بما يكرهون حتى لو كان ذلك فيهم إلا فاسقا مستعلنا مجاهرا بفسقه. الجهر بذلك جهرا يعلمه الناس لا يحبه الله لأنه يشيع القالة السيئة في الناس فتتحلل الروابط الإجتماعية ويتفتت الصف الإسلامي.
2 ـ سوى أنه إستثنى من ذلك : من ظلم. لم؟ لأن المظلوم له قالة يبلغها للناس وسيما للقاضي والشاهد حتى ينتصف له. إذ أن الجهر بالسوء من القول هنا أدنى شرا من الصبر على ظلم يمكن دفعه سيما إذا كان المظلوم لا يريد الصفح أو أن الظالم مستعلن بظلمه بما يجعل الصمت عنه تساهلا معه.
خلاصات…
1 ـ أبغض شيء إليه سبحانه : الظلم. والظلم درجات. ظلم هو إفساد في الأرض. وظلم هو إختيال وفخر وبغي وبطر وكبر وتعال. وظلم هو كفر من مثل كفر عبدة عيسى عليه السلام.
2 ـ من أشد أنواع الظلم المبغوضة التي لا يلقي إليها كثيرا منا بالا : العدوان. من العدوان ما هو : تحريم للطيبات. معنى ذلك هو أن الذي يحرم طيبات ما أحل سبحانه ينازع الله ملكه وحقه في التحليل والتحريم وهو مسلك ما سماهم المسيحيون : رجال الدين. إنما ورد ذلك في كتابنا نحن لأجل أن يتجنب رجال العلم منا تحريم الطيبات لأنه عدوان والعدوان ظلم والظلم أبغض عمل إليه.
3 ـ من أشد أنواع الظلم المبغوضة ـ كذلك ـ من التي لا يلقي إليها بعضنا بالا : العدوان في القتال والمقاومة والجهاد. أي إبتغاء الإسراف عند التمكن من العدو والمقاتل. إسرافا كان يتمثل في جاهلية العرب بقتل قبيلة بواحد. وهو إسراف معاصر يتمثل اليوم في التمثيل والتعذيب والإيغال في القتل ساهين عن قوله عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطبق على الحيوان فحسب بل هو أشد أنطباقا وأولى على الإنسان :“ إن الله كتب الإحسان على كل شيء.. وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة..“.
4 ـ بذلك تكون القاعدة المستنبطة من قديم أشد صحة لمن يعتبر. الحرب الإسلامية في القرآن والسنة ضد الظلم والظالمين أشد منها بألف ألف مرة ومرة من الحرب ضد الكفر المجرد أو الكفر المسالم الذي لم يرتبط بظلم الناس. تلك قاعدة في التدين مكينة لمن جد في طلب العلم. معنى ذلك أن الكافر المجرد أو المسالم موكول إلى ربه يحاسبه يوم القيامة على كفره أما من جمع إلى الكفر ظلما أو إلى الإيمان ظلما فإن حسابه يوم القيامة يكون مركبا معقدا شديدا لأنه إعتدى في حياته على أمرين : أمر نفسه التي لم يعبدها لخالقها وأمر الناس الذين إعتدى عليهم.
أكل الربا : ظلم فاحش وصاحبه. „ كفار أثيم”.
تعريض أعراض الناس إلى القذف : ظلم كذلك.
5 ـ أبغض شيء عنده سبحانه من بعد الظلم : الخيانة. وردت بصيغ المبالغة مرتين : خوان. يستوي في ذلك أن تكون الخيانة ضد كافر ـ قصة اليهودي الشهيرة في القرآن الكريم ـ أو يكون مسلما أو معاهدا إذ لكل بشر ذمة مبرأة لا تغتال.
6 ـ أكثر مما ورد مما لا يحبه سبحانه يتعلق بحقوق الناس في أموالهم وأعراضهم وأنفسهم حماية لها من الإفساد ومن المن والرياء والكبر وتحريم الطيبات وعدم ضمان القضاء العادل أو النصفة العادلة ومن الخيانة ومن الإسترقاق الربوي. أي : إنما جاء الإسلام بتشريعه حماية للإنسان من نفسه ومن كل ظالم ومعتد وخائن.
أولئك لا يحبهم سبحانه فإجتنب أن تكون منهم.
كن محسنا ولا تكن مفسدا.
كن متقيا ولا تكن مختالا فخورا.
كن مقسطا ولا تكن معتديا ولا ظالما.
والله أعلم.
الشيخ الهادي بريك ـ إمام وخطيب بألمانيا