سألني شاب من المصلين – هو شاب مغربي مجاز في المحاماة ويواصل دراسته الجامعية في تخصصات اخرى – عن اللغو في الجمعة اذ اخبرني انه اخذ قلمه وكراسه ليسجل شيئا مما سمعه في اثناء خطبة الجمعة فبادره الذي يجلس بجانبه انه لغا وقال له : من لغا فلا جمعة له .
فزع الشاب الحريص على تقييد العلم ان تند اوابده كما قال الاولون . قلت له : هو الذي لغا لانه أحدث صوتا لا موجب له ولو كان ذكيا لاشار اليك بحركة الجسم الا تفعل.
ذلك هو المتدين عندما يتزيد فلا يفقه من الامر حكمة ولا من النهي علة . صح النهي عن الكلام في اثناء خطبة الجمعة وهو نهي معلل بامور منها حرمة الخطبة لانها من الصلاة ومنها الإنصات الى الخطيب فهو اما قائل خيرا والخير اولى بالإنصات او قائل شرا ينبه اليه بعد الصلاة وان عاد اليه عزل ومنها عدم شغل الناس عن متابعة الحديث اذ لو سمح بالكلام لكانت فوضى ولما كانت هناك حاجة لمتحدث .
ولما تنكب الناس الحكمة من النهي شددوا على انفسهم ظنا ان الامر لا يحمل علة او انهم لا يميزون بين معلل وتعبدي فجاوءوا بزيادات من عندهم من مثل ان من لغا لا جمعة له وليس من شان اللغو وهو صغيرة يستنكف عنها اهل الفضل وليس عامة الناس ان يطغى ليصبح كبيرة تجب فضل السعي الى الجمعة انما هو خطا من وقع فيه تنبه ان يعود وعندما يقع فيه مصل واحد او عدد قليل بما لا يوءثر على سير الخطبة واهتمام الناس فلا داعي لتشديد النكير على الصغائر .
وليس سوى من الحمق ان يعد المتدين حركة الكتابة او التصوير او حركة الجسم مما يقاس على الكلام صوتا وليس حركة فيكون لغوا اذ ان المسلم به فقها ان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما والحركة لا تحمل علة النهي فلا تحمل حكمه اذن.
لو فقه هذا الشاب دينه لما نهى عن شيء لم يفقه علته ولا حكمته بل لما وقع في الامر ذاته الذي اراد النهي عنه .
التدين سلاح ذو حدين فاما ان يفقه فقها صحيحا ليكون نعمة او ان يفقه فقها عقيما ليكون نقمة .
الدين نعمة والتدين يكون نعمة او نقمة . العقل هو الذي يجعل من الدين تدينا يحمل النعمة او تدينا يحمل النقمة .
والله اعلم .