دونت منذ مدة في قماطري ان اكتب ما تيسر في هذا الموضوع ثم انصرفت عنه ولما تجددت المحرقة في الأسابيع الاخيرة ضد الروهينقا وزهاء اربعة ملايين مسلم يجلسون خلف امام الحرم المكي يحدثهم عن كل شيء عدا عن هذه المحرقة .. ثار في هذا العزم من جديد ان اكتب في تسييس المساجد ثم خار عزمي مرة اخرى .
اليوم ءان الاوان في اثر حادثة جدت بالمسجد اذ تحدثت عن الأبعاد التحررية لعاشوراء وفِي الاثناء دعوت الى مواكبة الأنشطة بغرض التحاور حول محارقنا وضربت مثلا لذلك بالقول ان انفصال كردستان يعنينا ولا يعني سوانا وهو جدير بالحوار وقلت بالحرف الواحد : لا شك إنكم رايتم جميعا اي علم رفع في الاستفتاء الاخير ولم اسم احدا ولم أزد على ذلك.
بعيد الصلاة دعيت الى المكتب فاذا بشاب كردي يعترض بشدة على تناولي مواضيع سياسية اصلا والموضوع الكردي خاصة وظل يتحداني ان اتحدث عن صدام حسين وأردوغان اللذين لم يبخل عليهما بما لم يبخل به الامام مالك عن الخمر كما يقولون.
هذه ثلمة فكرية لا بد من مراجعتها.
نكبتان تعفنان وعينا : عدم تأهل أكثرنا للتمييز بين الأشياء من جهة واللغط الاعلامي الذي يسوق الناس وأكثرهم لا يشعرون.
لا بد من التسييس ولا مكان للتحزيب.
التسييس هو اثارة الأبعاد السياسية العامة معالجة لاي قيمة اسلامية . بالمثال يتضح الحال : صلاة الجماعة – ومنها الجمعة والعيدين – لها بعدها الديني وبعدها السياسي وهو اتاحة فرصة دورية لان يلتقي المسلمون فيستمعون الى حدث الاسبوع – الذي هو سبب وعلة اللقاء في اصل التشريع – ثم يتعارفون ويتحاورون حول موضوع الاسبوع الذي من المفترض ان يكون قد اثاره الخطيب ثم يتواضعون على معالجة تناسبهم.
السنا نعالج مسالة الانتخابات في المنابر بقصد الحث على المشاركة ؟ اليس ذلك خطاب سياسي؟
لا اظن ان مسلما تستقيم عقيدته وهو يوءمن ان الخطاب القرءاني لا علاقة له بالحياة العامة للناس اجمعين وليس المسلمين فحسب. الم يمتلىء القرءان حثا على الاجتماع ومقاومة الاكراه ونشدان العدل ؟
ليست السياسة سوى الاهتمام بالامر العام بين تفكير وتخطيط وتحليل وانتظام.
هل نقع بسهولة في فخ العالمانية ان الاسلام بسبب قدسيته لا يليق به ان يتدنس بالسياسة ؟
ندع السياسة لهم تاثما ان نقع في النفاق؟
اليسوا يريدون إسلاما منزوع الدسم التحرري والنكهة الانعتاقية والنفس الثوري حتى نكون لقمة سائغة في بطونهم؟
التحزيب غير التسييس .
التحزيب هو لي اعناق الخطاب الديني بجهل او بسوء طوية لاجل تزكية حزب او مذهب او تيار او ملة او طائفة او قبيلة او دولة او لسان وخاصة بما يرذل مثل ذلك.
الست حزينا معي ان اكثر – وليس كثيرا فحسب – الخطباء لا يميزون بين فضيلة التسييس التي تغري غير المسلمين بالإسلام وتضيق على المستكبرين كبرهم .. وبين التحزيب وما في حكمه وما فيه من سوءات التفريق بين الناس في امور هم فيها احرار مثل الانتماءات الحزبية او هم فيها مسيرون مثل اللسان؟
غير ان هذا الوضع السيّىء لا يبرر القول بقالة تضرب العقيدة في أمها اي عدم تسييس الخطاب الديني والاسلام دين جامع لا يحتمل التمسيح او التكنيس وخاصة في زمننا حيث يعمل فيها كل سياسي – كل سياسي – على تأميم الحياة لتوجهه هو.
ما التقبير؟
هو توليد لساني على غرار التسييس والتحزيب. نسبة الى القبر.
اكثر الخطباء اليوم ولأسباب مختلفة لا يعنيهم من الانسان عدا قبره وحياته البرزخية التي لا نكاد نعلم عنها شيئا .
هذا انحراف كبير وخطير وخاصة عندما تصنعه عقيدة عنوانها ان الحياة اقل شانا من ان نعالجها بالخطاب الديني.
اليس ذلك هو مراد العالمانية؟
اليس ذلك هو مراد دول القهر والسلب والنهب؟
لا يمكن لي ان أخطب او ان استمع لخطيب ينبذ الهم العام الناس سواء كان سياسيا او ماليا .
لا يمكن لي ان أخطب او استمع لخطيب يزكي او يرذل اي حزب او فئة او تيار او مذهب او عرق او دولة او انسان بعينه .
لا يمكن لي ان أخطب او اسمع لخطيب يتحدث عن الموت اكثر من حديثه عن الحياة.
والله اعلم .