قبل زهاء شهر واحد كتبت مقالا عن جماعة الإخوان خلاصته أنهم فشلوا سياسيا ونجحوا فكريا. لست من عبّاد العباد ولا من الذين يتخذون الحزب أو ما ضارعه كجماعة أو مذهب أو تيار صنما يطاف به أو وثنا تقدم له القرابين. أعرف نفسي ومن يعرفني يعرفني ويعرف في الآن نفسه أن مجانبة الصواب تبدأ عندما يتعامل الناس مع الظواهر الإجتماعية تعامل تجار الجملة في سوق الجملة إذ الرشد هو التمييز وإعمال النسبية والعقلانية هي سبر الموجودات الموضعية ونخلها لبناء رأي موضوعي وقديما قال المناطقة ( الحكم على الشيء فرع عن تصوره). أعرف أن الدافع لتهافت رئيس حكومتنا ( يوسف الشاهد ) هي الحمّى الحزبية والمعركة الإنتخابية ولكن هل يليق بالمرء أن يكون عاقلا قبل الإنتخابات وبعدها أما أثناءها فهو كبش نطاح أو ثور هائج لا يلوي عدا على مركزه الحكومي الذي ينظره؟ لا يعنيني هنا إلتقاؤه السابق مع ( النهضة ) وما يهرف به الهارفون في هذه الفضاءات الرحبة أنّ ذئبا أرضعته هذه من حلمتها فلمّا شبّ عدا عليها. لا يعنيني كل ذلك. إنما يعنيني أن يحتدّ الطيش الحزبي ببعضنا فيغمط حق رجال كبار مثل حسن البنا. لو قدم هذا القزم الظامئ إلى إشباع غلوائه ( يوسف الشاهد) نقدا موضوعيا لهذا المجدد الكبير أو للجماعة التي أسسها ما كنت لأخط حرفا ولكن إلقاء الكلام على عواهنه يثير الشفقة والرثاء على مثل هؤلاء الأقزام. حتى ( كارل ماركس ) نفسه التي تعرض له هذا القزم بالشتيمة والتعريض له الذي له وعليه الذي عليه. سفره ( رأس المال) لا يصبر هذا القزم على قراءة صفحة واحدة منه قراءة صحيحة. الأنكى من ذلك أن هذا القزم أعمل لسانه الخبيث في ثابت من ثوابت الشريعة في تعريضه إلى أن المتخلفين ( وأنا واحد من أولئك ) يحنون إلى العصور الوسطى عندما لا يتواضعون مع الأنبياء الجدد المزيفين على تغيير محكمات الإسلام. ولك أن تغتم نكدا بأقزام السياسة من المدرسة البورقيبية ومسلخ المخلوع بن علي ومن في حكمهم عندما يشيدون مستقبلهم السياسي على النيل من محكمات الإسلام
كفاك تفاهة أنك تلتقي مع السفاح ترمب
جماعة الإخوان بلغت من العراقة والحجم مكانا لا تحتاج معه إلى منافح عنها. القول الفصل هنا هو قول التاريخ والتراث وليس لوك الألسنة. وما هو أجلى من كسب الجماعة كلها هو كسب مؤسسها الذي يعده كثير من مفكري العصر وعلمائه من المجددين الذي عناهم عليه الصلاة والسلام في حديثه الصحيح. البنا قامة عظمى ودوحة ظليلة وهو من قاوم الإحتلال الإنجليزي والإحتلال الصيهوني مقاومة ميدانية وليس بإصدار البيانات إذ جمع آلآفا من رجاله في حرب 1948 . الرجل يعود إليه فضل تأسيس قيم الوسطية والإعتدال والتوازن فكرا وإصلاحا تأسيسا فعليا عمليا وليس تحبيرا للقماطير إذ أن ما سطره لا يزيد عن خطبة هذا القزم ( يوسف الشاهد ) في مؤتمر حزبه ولكنه بنى رجالا ونساء منهم مئات من الإطارات الجامعية العليا الذين أغنوا المكتبة الإسلامية بالقضايا المعاصرة وليس بقضايا السلفية ( الجن والشعوذة ) وقضايا الصوفية ( الذكر البدعي ). هل قرأت كتابا واحدا أيها القزم من أسفار أحد تلاميذ البنا ( محمد قطب ) وهو يفكك الفكر المادي تفكيكا عجيبا؟ أو وهو يؤسس لفلسفة الفن الإسلامي؟ هل تظن أن من يصطفى شهيدا من مثل حسن البنا وتلميذه الفلسطيني ( أحمد يسن ) يكون من الوضاعة والحماقة والسماجة بمثلك أنت؟ ألا يضيرك أن تلتقي مع السفاح ( ترمب ) وهو يهمّ هذه الأيام نفسها بإدراج الإخوان منظمة إرهابية؟ أبشر بمستقبل سياسي زاهر تكون حجرة الأساس فيه تهافتك على رجال كبار مثل كارس ماركس وحسن البنا مع إختلافنا معهما في كثير أو قليل. الإخوان جماعة لها الذي لها وعليها الذي عليها وهي تحتاج إلى عمليات جراحية مؤلمة وشجاعة لتواكب العصر تنظيميا وقياديا وسياسيا ولكن الهجوم عليها بشيطنتها ورميها بالإرهاب إنما هو تهافت وبجاحة. رصيد هذه الجماعة في ترسيخ الفكر الوسطي المعتدل في قطاعات واسعة من الأمة على إمتداد قرن كامل لا ينكره إلا قزم مثلك سال لعابه في أول معركة إنتخابية
هذه معايير الإنتخاب لمن كان له قلب سليم
على أساس هذه المعايير أدعو إلى إنتخاب المترشحين أو أحزابهم
المعيار الأول : تقديس الإسلام دينا والتمييز فيه بين منطقة مغلقة لا يطؤها إلا مراهق وبين منطقة مفتوحة للإجتهاد والتجديد ولا عبرة بالخطإ والإصابة هنا
المعيار الثاني : تقديس اللسان العربي وعدم الإنجرار تحت أي دعوى إلى إستخدام اللهجة العامية والنهل من الألسنة الأخرى كرعا لا حدود له ذلك أن الإساءة إلى اللسان العربي بالنسبة للعربي إساءة للدين الذي تضمخ بعبقها
المعيار الثالث : تقديس الحريات والحقوق والديمقراطية بحسبانها أعلى مقاصد الإسلام العظيم ومفتاح النهضة بكل معانيها وأبعادها ولا مكان لشعب تحت الشمس وفوق الأرض عدا بتقديس الحريات ولا يعني ذلك البتة القبول بالفوضى المفضية إلى وأد الدولة ومؤسساتها بل إن هيبة الدولة التي يختارها الشعب من هيبة الشعب
المعيار الرابع : الإنحياز إلى حركات المقاومة تحت أي لون كانت ( قضية القدس لنا رمز المقاومة ) إذ أن الحرية لا تتجزأ والمقاومة لا تنشطر وأكذب الكذابين من ينتصر للحرية هنا وينتصر عليها هناك ولا شأن لهذا بأولوية الهمّ التونسي الوطني للمثل الأنجليزي : فكر عالميا وإشتغل محليا
المعيار الخامس : أولوية الهمّ الإجتماعي والإقتصادي خطة بالمعنى الإحصائي وتأخير الهمّ الأيديولوجي أو حبسه في الصدور أو في المعابد وبذلك تكون تونس فعلا لكل التونسيين والتونسيات يتساوى فيها اليهودي مع المسيحي والمسلم مع البوذي والسني مع الشيعي والمالكي مع الأباضي
تستوي في تلك المعايير ( النهضة ) مع ( الجبهة الشعبية ) و( نداء تونس ) مع ( تحيا تونس). إذ العلوية للقيم لا للأحزاب والعبرة بخدمة تونس وفق دستورها. أما المحاولات البائسة واليائسة من رئيس الدولة ورئيس الحكومة ومن مثلهما تفاهة ووقاحة إبتغاء تلغيم التلاقح المطلوب بين المطلب الإسلامي الذي يضمنه الفصل الأول من الدستور وبين المطلب المدني الذي يضمنه الفصل الثاني منه فهو عبث أطفال أو هرف شيوخ سرعان ما يذهب جفاء ويمكث التشريع الإسلامي في صدور العمق التونسي ما أشرقت شمس وأهل هلال