تنصيف شهادة المراة ليس تنصيفا للمراة !
هذه القطرة الجديدة امتداد لما قبلها أي تصحيحا لفهم خاطئ قوامة أن شهادة المرأة المنصفة في آية الدين شهادة على أن المرأة مواطن من الدرجة الثانية في السلم الإسلامي.
هل التنصيف هنا معلل مقصد معقول أم هو تعبدي موقوف؟
ذلك هو السؤال المفتاحي الأول الذي يطرحه طالب العلم أما من يريد الخوض في علوم الدين خوض الخائضين أو يتقلد دثار المقلدين فلا شأن له إذ أن أول ما يتعلم طالب العلم أن الأحكام اما معقولة المعنى فهو تدور مع علتها وجودا و عدما أو هي تعبدية علتها الطاعة بالغيب فحسب.
شهادة المرأة حكم معلل مستصلح مقصد
أبى سبحانه إلّا أن يثبت علته في الآية ذاتها والسياق نفسه فقال : “أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى” ومعنى ذلك أن الغرض من حشد شهادة امرأتين لا واحدة هو أن المرأة يمكن أن يطرأ عليها ضلال وهو ضلال النسيان أي عدم الإتيان بالقيمة المالية محلّ التقارض أو التبايع بصورة مضبوطة و من ذا نتنهك حقوق الناس المالية.
لماذا تضل المراة دون الرجل؟
الضلال الغليظ الذي وقع فيها الرجال هو قولهم إن المرأة تضلّ بسبب أنوثة والصحيح أنها قد تضلّ بسبب بعد عن معافسة الحقل المالي والتجاري وذاك هو حالها في أيام التشريع تلك وما كان ذلك سوى تحوطا من الشريعة أن تنتهك حقوق الناس المالية.
كيف نجعل هذا الحكم المعلل لا التعبدي دائرا مع علته؟
بمعرفة المقصد الأسنى من آية الدين أولا و بحشد أقوى الشهداء رجالا أو نساء أو مزوجين لضمان تأدية الحقل لأهله ثانيا ولذلك قال سبحانه : “ممن ترضون من الشهداء” وعلة رضانا عنهم هو توسمنا فيهم قوة الضبط أي عدم النسيان وقوة الأمانة أي عدم الخيانة.
وبذلك كلما عثرنا على من هو أولى بحفظ الحقوق ضبطا وأمانة قدمناه بغض النظر عن جنسه وأن العدد هنا ليس مقصودا لذاته إذ لا تقصد الأعداد في غير التعبديات لذاتها وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قضى بشهادة رجل واحد.
أمثلة قياسية داعمة:
أ- لو رأت هلال رمضان أو شوال امراة واحدة قدر المسؤول ضبطها وأمانتها فإننا نصوم لقولها ونفطر
ب- لو حضرت مشهد قسمة أو وصيّة أو تقارض أو تبايع امرأة واحدة لأسباب استثنائية فإن القاضي لو قدّر ضبطها وأمانتها يقضي بقولها.
ج- لو شهدت امرأة في مهر محل نزاع فإن القول قولها لأنها الطرف الأضعف بمثل ما ورد في قضية الإملاء في اول اية الدين.
د- أجاز الطبري وعدد معتبر نوعيّا إمامة المرأة على القضاء وقيّد بعضهم ذلك فيما نسميه نحن اليوم أحوالا شخصيّة وظلّ في الجملة الخلاف في الإمامة العظمى فحسب وليس منها رئاسة الدولة لأنها ليست إمامة عظمى لأمة كاملة بسبب واقع التفرق.
هـ – أخذ الصّحابة أحكام الحلال والحرام عن نساء كثيرات واستأمن الفاروق امرأة تسمى “الشفاء” على السوق المركزي بالمدينة وهي مهمة من صميم حفظ الحقوق واستأمنوا المصحف الوحيد الأول المكتوب “حفصة” وأقر عليه السّلام أن تجاهد “سمية” حتى الموت.
و- ثبّت البخاري في صحيحه أم محمد عضوا في سنده فلم يأنف الناس أن يعبدوا ربّهم بدين ساهمت المرأة في روايته ونقله وتعليمه وسمى البخاري شيخاته واحدة واحدة وفعل شارحه ابن حجر ذلك وسمى زهاء عشرين من شيخاته وتصدت “أم السعد” في عصرنا لتخريج أساطين القراء في الدنيا وهم أول من جودوا ونقلت الإذاعات ذلك.
من استؤمنت على الدين تستأمن على الدنيا:
هناك قول ساقط يتوسل به بعضهم جهلا أو عمدا تحريفا للدين بنزع مقاصده الراسخة قوامه أن المرأة فسدت وتغيرت فإن صح هذا فإن الرجل بمثله وإلّا سقطنا في جاهلية جهلاء عنوانها وأد المرأة وأي فرق بين وأدها جسدا أو وأدها روحا فتكون مؤخرة بسبب أنوثتها ومقتضى ذلك هو أن الله نفسه ظلمها إذ خلقها أنثى.
تجربتنا المعاصرة تؤيّد الفهم المقاصدي:
عندما تولت المرأة اليوم مسؤوليات متقدمة في شتى الحقول هل انتهكت حقوق الناس المالية بسببها هي وانوثتها ام لا؟ فينا نحن وعند غيرنا. طبعا لا. لسبب معلوم وهو أن المرأة تلقت من التعليم والتجربة والمعافسة المالية ما لم يكن متوفرا من قبل و بذا يدور الحكم مع علته وجودا وعدما لحفظ الحقوق.
شهادة المرأة اليوم واقع:
هو واقع إسلامي وهي اليوم شاهد في مختلف المؤسسات المالية والإدارية والقضائية والسياسية فماذا أنتم فاعلون؟
التطور العلمي فضّ المشكلة:
الشاهد الذي يحسم الخلاف اليوم هو وسائل التوثيق صوتا وصورة والمرأة تدير ذلك بأهلية وبذا حفظ الكفار بتطورهم لنا حقوقنا وحفظت المراة حقها شاهدا كامل الأهلية ولا نامت أعين الكافرين بالنهج العقلي الوسطي عماده النظر الموضوعي المقاصدي الجامع المعاصر لتظل عزيمة التجديد النبوية كفيلة بحفظ فريضة الإجتهاد القمين بحفظ صلاحية هذا الدين للإنسان في كل زمان و كل مكان.