عقد النكاح بين المدنية الاسلامية والتكنيس الديني (1)

عقد النكاح عقد مدني وليس عقدا دينيا. في الاسلام عقد ديني واحد هو عقد الانسان مع ربه. حتى العقد مع النبي – اي نبي وجبت له الطاعة – هو عقد مدني سمي بيعة وذلك للتمييز المطلوب بين مقام الالهية ومقام النبوة وبالرغم من ان معصية النبوة معصية للالهية. ومثله العقد السياسي الذي لو كان دينيا لحكم بالردة على الامام علي وهو يتاخر عن بيعة ابي بكر اسابيع او شهورا بسبب خلاف على إرث النبوة الذي لم تسمع به من قبل زوجه فاطمة. او كفرت الفرق التي خرجت على الدولة : الخوارج ضد علي ثم الأمويون ضد الحسن ثم غيرهم ضد الأمويين والعباسيين.

ما هو مضمون المدنية في الاسلام؟

المدنية قيمة اخترعها الاسلام الذي سمى عاصمته السياسية الاولى : المدينة اذ بدل اسمها وثبته في الذكر الخالد المحفوظ.
المدنية تعني العيش المشترك بين الناس في المرافق الضرورية : الكلا والنار والماء. اي اسباب الحياة ووسائل الانتاج.
وهو المعنى الذي التقطه ابن خلدون وشيد عليه نظريته في الاجتماع السياسي.

للمدنية اركان ثلاثة تصنع هويتها :

١- الاجتماع الذي يطامن من غلواء الفردية وينقل العرب خاصة ومن في حكم طباعهم من النزعة ” الشنفرية ” التي توءثر العيش مع السباع في غاباتها على الحياة مع الناس . نسبة الى الشاعر الجاهلي الصعلوك الشنفرى في لاميته الشهيرة.

٢- الحرية التي بها يعقد الانسان ما شاء من عقود والتزامات بما يحصن جانبه ويفسح أمامه سبل التعاون.

٣- القرار – اي الاستقرار – الذي يثمره الاجتماع في العادة بما يقطع مع المنزع البدوي القايم على الاستنكاف من الصناعة واستخدام الناس بعضهم لبعض ومزاولة الحرف الاجتماعية التي يكون فيها تشابك للمصالح وتعاقد بين الناس.

قيمة المدنية متأصلة عند الصحابة:

مشاهد لا تحصى تقتطف منها مشهدا سياسيا اذ ءاثر الصحابة ان يهرعوا لعقد اجتماع سياسي طارىء بمن حضر في سقيفة بني ساعدة لاجل ترتيب البيت السياسي – عرش السلطة وقصر الحكم – حتى لا تبيت الامة ليلة واحدة بدون موءسسة سياسية عليا حاكمة في اثر موته عليه الصلاة والسلام ولم يدخروا لتجهيز جنازته عدا علي – بمقام الولاية النسبية -.
يعكس ذلك مدى تشبعهم بفقه المدنية وقوامها الدولة التي تظل – ضم التاء وكسر الظاء – المجتمع الذي ينتخبها بدوره. تلك نقلة لم تكن يسيرة على العقل العربي.

الاسلام دين مدني حتى في بنيته العقدية:

اذا تواضعنا على ان روح المدنية هي الحرية فاني لا اتردد في القول – وبفخر – ان الاسلام دين المدنية بل هو ابوها وليس ادل على ذلك من ان بنيته العقدية – التي هي مخه واسه ولبه – قوامها تخيير الله عبده بين الايمان والكفر في نص صريح صحيح ومنذ ايام مكة وفِي سورة ورد الحث على تلاوتها مرة كل اسبوع ليظل هذا المعنى جديدا متجددا : فمن شاء فليوءمن ومن شاء فليكفر.
عندما اقرا ان المالك يخير مملوكه ويسند اليه المشيئة ان يسلك الطريق الدي يريده حرا لا يكرهه عليه حتى ولي نعمته فاني لا أستنكف عن قول اسه ان الاسلام هو رب المدنية ولا رب لها سواه.
واذا كان الاسلام مدني العقيدة اي يبني العلاقة مع الله على اساس الحرية لا التعبيد بالاكراه او على اساس التعاقد الطوعي الحر بين الانسان وبين ربه فان كل عقد بين الانسان ونظيره الانسان لا يكون الا مدنيا بالضرورة اسه التراضي والتشاور من العقد السياسي الى عقد النكاح وعقد البيع .

والى حلقة قابلة.

شاهد أيضاً

قصة يونس عليه السلام

هو يونس إبن متى عليه السلام أحد الأنبياء المرسلين المذكورين في القرآن الكريم وحملت سورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *