لا أظن أن سورة الفاتحة التي أمر المسلم بقراءتها فرضا مفروضا عند كل صلاة ـ ولو كانت منفولة أو منذورة أو مقضية ـ فلا تصح بدونها أن لها الوزن ذاته كما لبقية ما يأتي بعدها. كيف وقد سماها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : أعظم سورة وسماها سبحانه وتعالى في حديث قدسي صحيح : سورة الصلاة وذلك عندما أخبر أنه قسم الصلاة ـ أي سورة الفاتحة ـ بينه وبين عبده نصفين ولعبده ما سأل. بل كيف وقد جاءت تحتل الصدر الأول من الكتاب العزيز كله وهي قصيرة ومكية وكل ذلك يجعل المرء يظن أن سورة الفاتحة هي خلاصة مركزة مكثفة للكتاب كله بل للدين كله بإعتبار أن الدين في أسّه هو الكتاب المحكم وليست السنة بما صح وبما لم يصح عدا شارحة مبينة مفصلة. بل كيف لا وقد قال فيها سبحانه نفسه في الكتاب العزيز : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم. فالسبع المثاني بإجماع وإتفاق إنما هي سورة الفاتحة ولا يشغب على ذلك الإختلاف في عدد آياتها بإعتبار البسملة أو بغير إعتبارها إذ أن المثاني ليست الآيات بالضرورة وإنما سميت مثاني لأنها تثنى وتجمع وتكرر يوما من بعد يوم وعاما من بعد عام على مدار الحياة بمعدل مرة واحدة في كل ساعة على الأقل وليس هناك كلمات يرددها المسلم المصلي في حياته أكثر من كلمات الفاتحة مهما كان مهذارا مدرارا متحدثا. بذلك إذن تحتل سورة الفاتحة مكان ما نسميه اليوم فهرست الكتاب أي العناوين الكبرى التي عندما يطلع عليها القارئ يفهم رسالة الكتاب كله فهي إذن بكلمة صحيحة ملخص مركز مكثف للرسالة كلها في معاقدها العظمى وأسسها الكبرى ولذلك لا بد أن تخص بالخصوصية المطلوبة ولا بد في رأي العبد الفقير لربه وحده سبحانه أن تكون مدار التفسير وموئل البيان وربما يأذن سبحانه ليكون ذلك مشروعا في تفسير موضوعي جامع للكتاب العزيز
السبع المثاني هي الأصول السبع العظمى للرسالة الإسلامية
من تمام إعجاز هذا الكتاب المحفوظ المعجز أن يكون مصدّرا في البداية منه بكلمات قصيرات غزيرات تكثف رسالته وتلخص موضوعه وتركز الإهتمام أن يتشتت عندما ينداح ناظر فيما بعد ذلك وهو طويل نسبيا أي أكثر من ستمائة صفحة كما هو بين دفتي المصحف اليوم يصون أربعة عشر سورة ومائة كل واحدة منها حديقة غناء ذات موضوع رابط رئيس ولها شخصيتها المتفردة لتكون بمجموعها حدائق ذات بهجة فكرية منتظمة ضمن معرض جميل متناسق يسيح فيها الناظر ليغنم عقلا سليما وفطرة أسلم وقلبا حليما ولا أظن سوى أن السبع المثاني بالتعبير القرآني سبعة أصول عظمى لا بد للإنسان أن يحفظها حفظا عقليا لا إستظهاريا إجتراريا إستعراضيا فتكون له بوصلة في معركة الحياة الكفاحية المملوءة أشواكا بل ذئابا مفترسة جائعة نهمة
الأصل الأول
معرفة الأصل
معرفة الأصل معناها معرفة أصل الإنسان وأصل هذا المعرض الكوني الفسيح الواسع الشاسع الذي يفتح عليه عينيه مع مطلع كل فجر جديد ويسدل عليه أسمال ظلمته مع مطلع كل غسق جديد. هذا الكون الذي لم ندرك منه حتى في عالم الشهادة ما لا يكاد يقاس بحقيقته لا بد أن يكون له خالق صانع مدبر يغذوه ويغذو الإنسان فيه. هذا السؤال الوجود الفلسفي العظيم الذي لا يفتأ يطرحه الإنسان على نفسه : من أين أتيت ومن أين أتى كل هذا المعرض المنتظم المتناسق؟ هذا السؤال يجيب عليه هذا الأصل الأول في هذه الحديقة الأولى التي هي بمثابة قاعة الإستقبال بالنسبة لزوار المعرض. لا يدخل زائر لمعرض قبل أن يمر بقاعة إستقبال تبش في وجهه وتهش وتعرفه على ما يحتاجه بسرعة أو تقدم له بطاقة جميلة قصيرة غزيرة فيها ما يحتاج إليه وترشده إلى ذلك. بمثل ذلك بالتمام والكمال تنتصب سورة الفاتحة عون إستقبال في صدر هذا المعرض. وأصلها الأول هو أن تعرفك بالخالق المدبر الذي يغذوك ويغذو الكون بما فيه ومن فيه من حولك بأسباب الحياة وأسباب التجدد. الأصل الأول هو إذن : من هو ربك؟ ربك هو المستحق للحمد والجدير به أصالة وبغير طلب من أحد ولذلك جاءت الجملة إسمية تخبرنا وترسخ في الكون أن الحمد لله قطعا وأصالة وليس طلبا أو فعلا قد يثبت اليوم ويزول غدا. ربك إسمه العلم : الله وهي أسهل كلمة بإمكان أي مولود أن
ينطق بها بسبب أنها تتركب من حرف واحد تقريبا يتكرر وهو حرف اللام يسير النطق والكلمة كلها مهملة أي غير منقوطة ويبدأ الإسم المفرد العلم بالحرف القائد للمنظومة الأبجدية العربية أي حرف الهمز وليس حرف الألف كما يخطئ المخطئون لأن حرف الألف لا وجود له حرفا قائما بذاته إنما هو حرف علة ومد يحتاج إليه للمد وليس للتعبير. لله سبحانه كما ذكر الحديث الصحيح تسعا وتسعين إسما مائة إلا واحدا ولم يسمها عليه الصلاة والسلام كما يخطئ المخطئون ولكن إجتهد الإمام السيوطي بإحصائها ولكل واحد منا أن يجتهد في ذلك من القرآن الكريم نفسه. من هذه الباقة الواسعة أي زهاء مائة إسم كثف فهرس الكتاب العزيز أي في سورة الفاتحة صفات الله كلها سبحانه وأسمائه في دوائر ثلاث هي : أنه رب العالمين وهو إسم مركب والأسماء المركبة قليلة جدا وأنه الرحمان الرحيم وهما إسمان مفردان مفصولان فإذا إجتمعا غمرت الرحمة أرجاء الكون وآفاق النفس وأنه سبحانه مالك يوم الدين وهو إسم مركب كذلك. هو رب العالمين منذ البداية ليعلم الإنسان أن صاحب الحمد يربّ الكون كله بما علم وبما لم يعلم فهو يغذوه بالحياة ويختار له ما يشاء عدا ما يتعلق بحرية التدين في العالم الذي يعبد الله سبحانه طوعا لا كرها. الربوبية فعل يبدأ من عند الرب ولذلك بدأ بما يأتي من الأعلى ولم يذكر الإلهية لأن الإلهية فعل يتحقق بحركة الإنسان الذي يختار هذا الإله أو ذاك ولم تذكر الإلهية في هذه السورة المكثفة المركزة المختصرة المتصدرة بالمرة. لا يندّ شيء عن العالمين عدا رب العالمين نفسه سبحانه وليس هناك أمر في المعنويات ولا شيء في الماديات لا تحتويه كلمة العالمين وهي جمع مذكر سالم لمفرد عالم. من بعد أن حقق ذلك سارع سبحانه إلى بث الأمل في الإنسان أن يخترمه الخوف من رب العالمين ولذلك جاء بإسمين هما من أحب أسمائه إلينا وأولهما يختص به وهما الرحمان الرحيم وتوسط بهما صفاته الثلاث المركزة هنا ليقول لنا أن الرحمة ما يجب أن تفهم على أنها تسيب ولا تشدد ولذلك توسطت الأسماء هنا. كما توسطت الأسماء ليقول لنا أنه الرحمان الرحيم وهو رب العالمين في هذه الدنيا وهو الرحمان الرحيم وهو مالك الدين يوم الدين. فرحمته لا تفارق المشهدين معا. ولم يختر سبحانه إسما من بين زهاء مائة إسم يبشر به الإنسان وهو يقدم على هذا الكتاب يقرؤه أي صفة عدا صفة الرحمة أوّلا بأعظم صيغة مبالغة فيها على وزن فعلان أي رحمة مفتوحة كما يفتح المرء فاه وهو ينطق بها ولم يكتف بصيغة المبالغة العظمى بل أردفها بصيغة مبالغة أخرى تكررت كثيرا في الكتاب العزيز وهي : الرحيم. ولم ترد صيغة إسم الفاعل الأصلي بلا مبالغة ولو مرة واحدة في القرآن الكريم كله أي على وزن فاعل أي راحم. وختم باقة أسمائه هنا مركزة مختارة منتقاة بإسم مركب كذلك ليكون البناء الهندسي جميلا ولك أن تتصور زهرتي الرحمان الرحيم في وسط حديقة غناء ظليلة يضوع شذاها وهي محاطة بسوري رب العالمين ومالك يوم الدين وكلاهما سور حقيقي بالنسبة للرحمان الرحيم لأنهما مركبان والمركب أسمك وأطول وأعرض من المفرد. مالك يوم الدين رسالة إلى كل مؤمن أنه مدعو بدعوة كتابية موقعة إلى المثول أمام المحكمة العليا التعقيبية الأخيرة أي محكمة يوم القيامة وعندما يتركز هذا الشعور في صدر إنسان فهو إلى تجنب العدوان على كرامة الإنسان أدنى شأن كل مدعو إلى المثول أمام محكمة من محاكم الدنيا فهو يحشد الوكلاء ويجمع الوثائق تقية لذلك اليوم. جمعت الصفات الثلاث إذن كل معاني الأسماء التسعة والتسعين أي الإخبار بأنه رب كل شيء وأن ذلك ما يجب أن يثير الذعر بل الإطمئنان ولذلك أشفعها مباشرة بالرحمة وحتى لا تفهم الرحمة أنها تعني الشرك به أو العدوان على كرامة الإنسان عاجلها بالتخويف والتذكير بيوم الدين وبذلك جمع بين الترغيب والترهيب والتذكير بمقامه العلي العظيم سبحانه وبذلك عرف لنا نفسه وقدم لنا نفسه ويكون التعرف على بقية أسمائه وصفاته من باب مزيد من التعلم وليس من باب المباشرة الأصلية الأولى. ذلك هو ربك وذاك هو الله سبحانه وهو يعتمد في ذلك على الفطرة التي تقول لمدع للإلحاد كذوب أن لسانك الذي تدعي به الكفر أقامه سبحانه ذات يوم في عالم الذر وسأله من ربك فقال لسانك : بلى. وذلك كما ورد في سورة الأعراف في آية الذر كما يسميها بعضهم أو آية الفطرة كما يسميها آخرون
الأصل الثاني
معرفة الذات
عندما يدرك الإنسان مصدره الأول ومصدر الكون الذي يتخذه مصنعا ومسخرا ومعرضا فإنه يلتفت بالضرورة إلى نفسه ليطرح هذا السؤال الوجودي الفلسفي الكبير : من أنا وما هي رسالتي. سؤال طبيعي بعدما يعرف الإنسان مصدره أي خالقه ومدبر أمره ومحييه ومميته وعندما يخشع لذلك ويؤمن به ويقدره لا بد أن يعود إلى نفسه وعندما يعود إلى نفسه يسعفه الوحي في هذه السورة الإبتدائية المتصدرة للكتاب كله والملخصة له تكثيفا عجيبا وتركيزا أعجب بهويته. فما هو الإنسان وما هي رسالته إذن. الإنسان إنسان بشخصيته المعنوية ولذلك لم تذكر السورة الشخصية المادية للإنسان أي جسمه وبدنه لأن ذلك زائل ولا عبرة به إلا بسبب أنه وعاء يحمل الشخصية المعنوية الروحية الفكرية فهو لها حضن ومقطن ومسكن. رسالة الإنسان جزءان كبيران لا ثالث لهما على طريقة سورة الفاتحة في التكثيف والتركيز : رسالة عبادة ورسالة عمل. أما رسالة العبادة فقد عبر عنها بقوله : إياك نعبد. ألا ترى أن التعبير هنا إنتقل من التقرير بالجملة الإسمية التي بدأ بها السورة : أي الحمد لله رب العالمين .. إلى جعل الإنسان التالي القارئ يتكلم هو بنفسه بصيغة أنا أو نحن؟ لم لم يقل لنا : أعبدوني أو أعبدني أيها الإنسان بعدما علمت أني رب العالمين المستوجب للحمد سواء حمدتني أو كفرت بي؟ الجواب : ليجعل الإنسان مالكا لأمره ناطقا بإسمه معبرا عن رسالته بلسانه وليس على طريقة الأمر المباشر وذلك تكريم للإنسان وأي تكريم. والمعنى من ذلك هو أن الإنسان يحمل الإيمان أو يتحمله بالتعبير الأحسن والأجدر أي أنه يختاره وينطق به بلسانه وليس هو حمل ثقيل يؤديه وهو له كاره وإلا عدّ منافقا والعياذ بالله. دقة نظم هذا الكتاب دقة سحرتني وأشهد بالله أنها سحرتني ولم يسحرني ولم يبهرني شيء غيرها في هذه الدنيا وأنا أدلف إلى القبر يوما من بعد يوم. دقة عجيبة كل من تعلق بها غنم علما وكسب فقها ومن قرأ الكتاب كما يقرأ كتابا أو صحيفة فلن يغنم شيئا ويظل بين الحفر كما قال أمير الشعراء بحق المرحوم الشابي. دعنا من هذا الآن ولنعد إلى فهرس هذا الكتاب. التركيب الذي جاء به جملة إسمية كذلك : إياك نعبد ولكن بصيغة خطاب الجماعة. الذي يهمنا هنا هو أن الجملة الأسمية التي جاءت هي كذلك لتركز معنى العبادة ومعنى الجماعة كما سيأتي في أصل تال بحوله سبحانه إستهلت بمفعول به مقدم وهو : إياك. إياك تعني : إياك وحدك لا شريك لك ولا يحتاج لقول : لا شريك لك هنا لأنه تكرار معنوي ثقيل. كل ذلك يشي بأن العبادة الجماعية المرسخة في جملة إسمية ينطق بها الإنسان تكافلا مع كل العباد في الأرض بل في التاريخ كذلك هي عبادة خالصة من جهة أي لا أثر فيها للشرك وخاصة الأكبر منه المحبط للعمل والمخرج من الملة والعياذ بالله ومن جهة أخرى هي عبادة عقلية قلبية نفسية معنوية روحية أي عبادة الشخصية المعنوية التي هي الإنسان حقيقة والشخصية المعنوية للإنسان لا تموت ولا تفني إذ تصعد الروح إلى باريها سبحانه ليحفظها في مكان ما وزمان ما لا نعلم عنه شيئا ثم لتبعث يوم القيامة للحساب أي ليوم الدين. العبادة ليست الصلاة والزكاة والصيام كما نظن نحن وأكثر ما وردت العبادة في الكتاب العزيز هي العبادة العقدية الفكرية القلبية فالعبادة هي إذن صون الفكر أن يستكبر على نفسه وعلى من حوله ليكون طاغية مفسدا والعبادة هي المصل التلقيحي الذي يجعل الإنسان متواضعا لربه رب العالمين الرحمان الرحيم مالك يوم الدين أوّلا فإذا ضمن ذلك التواضع من نفسه فإنه سيكون فاعل خير وسيكون تفكيره منضبطا بالميزان العقدي وهو حر محرر . كلمة العبادة لا تحتاج إلى تأويل أو تفسير لأنها تحمل معناها في لحمتها وسداها فهي تعبيد النفس لتكون طائعة لله ربها طاعة فطرية جبلية غريزية إذ أن تعبيد الفكر لله فطرة ومن يشذ عنها شاذ عن ذاته وليس عن أي شيء آخر عدا ذاته. ومن هذا الذي يشذ عن العبادة الخالصة لربه الحق وقد علم أنه رب العالمين وأنه الرحمان الرحيم وأنه مالك الدين وأنه فاطر الكون ومدبر الأمر ومن يغذو الشمس بالقدرة على المسير والقمر بالنور والأرض بالحركة؟ ولذلك جاءت العبادة من بعد تقرير الربوبية لله وحده سبحانه ومن عرف ربه عبده ولا أظن سوى أن أكثر الذين لا يعبدون ربهم الحق لا يعرفونه ولو عرفوه لعبدوه ولو عبادة فكرية عقلية أما الطاعة والمعصية في الصلاة والزكاة والعمل فهي واردة على كل واحد منا لا يبرأ منها عدا المعصوم ولا معصوم بعد موته عليه الصلاة والسلام. الجزء الثاني من الرسالة البشرية هي رسالة العمل وقد عبر عنها بالإستعانة وذلك أنه لا يستعين إلا من عمل عملا وتحرك حركة وباشر فعلا فإعترضته صعوبات وإبتلاءات مقدره فأدرك عجزه فإلتفت إلى من يساعده ويعينه فلم يجد عدا الله سبحانه فإستعان به. هذا في اللسان العربي كناية فهو يكني عن العمل والحركة والفعل والكسب والضرب في الأرض بالإستعانة لأن الإستعانة مقتضى من مقتضيات التعرض إلى الصعوبات ولذلك تكتنز كلمة : إياك نستعين معان وقيما لا حصر لها منها العمل الذي هو ضد القعود ومنها التوكل الذي هو ضد السحر وأخواته وكسب المال بغير طرق شرعية ومنها الإبتلاء الذي هو التعرض للصعوبة ومعان أخرى وقيم أخرى لا حصر لها ولكن ربما يظهر ذلك بإذنه وحده سبحانه في مشروع بياني جامع يرصد الجماع لا التبعيض والمقاصدية لا الوسائلية والموضوعية لا الموضعية والمعاصرة لا ملء الصفحات وتحبير الكلمات وشغل الرؤوس بقضية ملك اليمين التي زالت. ألا ترى معي أنه إستغنى هنا عن باء التعدية والأصل أن يقول : بك نستعين وذلك لأن العرب لا تقول : إياك نستعين بسبب أن الباء المعدية هنا لا بد منها والعبرة من ذلك هو أنه حتى تكون الإستعانة بالله سبحانه إستعانة في مستوى العبادة أي خالصة لا أثر لشرك فيها وبسبب أن العرب عندما تريد للمبنى أن يكون خادما للمعنى فإنها تتصرف في الأدنى منهما وهو المبنى .. بسبب كل ذلك حذف النظم القرآني أداة التعدية أي حرف الباء مخالفا للنمط القائم وقاصدا إلى بيان أن الإستعانة بالله يجب أن تكون خالصة لا حائل بينها وبين المستعين كما هو حال العبادة أي إياك مباشرة نعبد وإياك مباشرة نستعين وليس نستعين بك. والعرب لا تقول أستعين الشيء ولكن تقول أستعين بالشيء كالقلم والسيف وما إلى ذلك. ذلك هو نظم الكتاب المعجز المدهش إذ يطوع المباني لتؤدي المعاني إذ العبرة بالمعاني لا بالمباني كما هو معلوم. تلك هي رسالة الإنسان في جزءيها : رسالة العبادة الخالصة ورسالة العمل الخالص وكلاهما لا بد منه لعمارة الأرض فلا بد من عبادة خالصة لله وحده سبحانه يتحرر بها العقل ويبدع بها الفكر ويتأبى بها الإنسان من بعد ذلك التحرير والإنعتاق أن يتعبد لشيء عدا ربه حتى لو كان ذلك الشيء هو هواه أو طاغية يكرهه على فعل شيء أو قول شيء ولا بد من عمل ـ بخلاف الدين القديم ـ يترجم تلك العبادة العقلية والقلبية إلى سلوك تعمر به الأرض وتلك هي فريدة الإسلام أنه جاء للعبادة والعمارة والتزكية فكرية وروحية لمن أراد تكثيف الرسالة وتركيز المقاصد الكلية العظمى لهذا الدين العجيب المعجب. رسالة الإنسان وقد عرف ربه رب العالمين هي رسالة العبادة الخالصة عقلا ورسالة العمل الخالص جارحة فمن عبد الله ولم يعمل أو عمل وأدى إلى غير المالك كذب مكذوب ومن عمل عملا خالصا ولم يعبد رب العمل كذب مثله فلا تستقيم حياة الإنسان إلا بالجمع بين جزءي الرسالة أي العبادة الخالصة والعمل الخالص ولا بد للعمل من صعوبات وإبتلاءات ولا بد لهذه من يذللها ولا يذللها إلا رب العالمين الرحمان الرحيم مالك يوم الدين سبحانه
الأصل الثالث
معرفة وقود الرحلة
الإنسان أتى ليقضي رسالته ثم يرحل. حقيقة يحسمها الموت الذي لم نؤمر بالإيمان به لأنه واقع مشاع. الإنسان كائن راحل مرتحل له مدة محدودة في الزمان والمكان والإختيار ثم يمضي في سبيل حاله. الإنسان المؤمن الذي عرف ربه أصلا أوّلا وعرف نفسه ورسالته أصلا ثانيا لا بد له من جمع الوقود الكافي الذي يكفل له رحلته بسلام فلا يقع فريسة الذئاب الجائعة في الطريق وما أكثرها وأولها قطعا نفسه التي بين جنبيه. تضمنت هذه الخلاصة المكثفة المركزة أي الفاتحة وقودا يكفل الرحلة متكونا أو مركبا من سوائل أربعة أولها سائل الرضى وذلك عندما يقول المرء المصلي وحتى غير المصلي الحامد : الحمد لله رب العالمين وهي الكلمة التي يرددها المصلي أكثر ما يردد في حياته فهو يرددها بمعدل مرة واحدة كل ساعة على أقل تقدير. الحمد لله رب العالمين عندما يذكرها الذاكر وهو ذاكر غير غافل تملأ فؤاده وتترع قلبه رضى . من يملأ فؤاده بالحمد ليل نهار صباح مساء وهو يقاوم الصعوبات ويتعرض للإبتلاءات قدرا مقدورا لا بد أن يمتلأ رضى بما قضى الله سبحانه وقدر ولا شيء أهنأ للنفس من الرضى بالقسم المقسوم ولكن بعقل إسلامي قال عنه الرجال الذين لو ظهروا فيها اليوم لكفرناهم بقالتهم : نقاوم قدر الله بقدر الله وغير ذلك من التعبيرات الفاقهة لعقيدة القضاء والقدر فقها صحيحا. ولا شيء أهنأ للإنسان وألبث على المصاعب التي تملأ الحياة لمن مارس الحياة وعافس إبتلاءاتها من الطمأنينة والسكينة اللتين تفيض بهما كلمة الحمد عندما ينطقها اللسان بمحلول الرضى النفسي القلبي ذكرا لا غفلة وإنفعالا لا إنشغالا. الرضى الذي يحققه الحمد في النفس هو الفارق الأكبر اليوم بين اللاهثين على متاع دنيوي زائل بذلة ومهانة وليس بعزة وشرف فلا يكسبون في آخر المطاف عدا ما هو مقسوم لهم وبين أولئك الذين تلهث أبدانهم لهثا مثله ولكن نفوسهم مطمئنة. بل إنه الفارق الكبير بين الناجح الذي يكون نجاحه نجاحا للآخرين وبين الناجح الذي يكون نجاحه شؤما عليهم. المحلول الثاني الذي يكفل الوقود لرحلة الإنسان وقد عرف ربه وعرف رسالته هو : الأمل الذي ينبجس من قولك بالمعدل الزماني نفسه : الرحمان الرحيم. هذان الإسمان العظيمان ينفثان في النفس أملا في الله ثم أملا في النفس ثم أملا في كل إنسان مهما علا علوه وعظم بطشه. الأمل هو إكسير الحياة وهو الفارق الأعظم والأكبر بين المتوكل والمتواكل وبين الفالح والمخفق وبين المنتج والمستهلك. الأمل هو الشعور الذي يداعب القلب فلا ييأس ولا يقنط ولا يفتأ راكضا وكلما إدلهمت الخطوب إزداد ركضا لا قعودا .إذا أردت أن تعرف الأمل وحلاوة الأمل فأختبر نفسك هل تزداد أملا يوم إكفهرار الأيام وإسوداد الليالي أم عندما ينبلج الصبح. عندما ينبجس الفجر مبتسما فإن كثرة المبتسمين تحجب عنك رؤية العابسين أما عندما تشرئب أعناق الأهوال إليك وإلى أمتك والمقهورين فإنك تختبر نفسك هل أنت من أهل الأمل أم من أهل القنوط واليأس ولا يكفل لك الأمل الدفاق عدا تردادك صباح مساء وليل نهار : الرحمان الرحيم. فمن فقد الأمل فقد الحياة وهو ميت الأحياء. الأمل هو الذي يجعل الفقير غنيا والموسر المترف فقيرا. الأمل هو الذي يجعل السجين حرا والسجان عبدا. السائل الثالث الذي يكفل لك الرحلة هو سائل : الدعاء الذي يكون بما سيأتي في آخر السورة أي : إهدنا الصراط المستقيم. الدعاء معناه ذكر المرء أنه عامل وأنه هناك إبتلاء وأنه عاجز إلا بقدرة مقتدر فهو يلجأ إليه ويستغيث به ويستعينه لاهثا حادبا آملا غير قانط. الدعاء مخ العبادة والعبادة هي المطلوب الأول كما قال عليه الصلاة والسلام. الدعاء سائل يكفل للنفس ركنا شديدا وملجأ عنيدا ومحضنا دافئا وليس هناك في الأرض من لا يدعو ولكن يختلف الدعاء صيغة ويختلف المدعو فحسب. أبرز مثال في ذلك هو رمز الكفر والقهر فرعون الذي آل إلى الدعاء ولكن من بعد فوات الأوان إذ دعا ربه وقد أيقن بالغرق والهلاك وذلك هو معنى أن الإنسان مفطور على الحق ولكنه يتهور ويتكبر ويكذب على نفسه عندما يكون في ساعة يسر لا عسر فيه. الدعاء الذي هو سائل كفيل بيسر الرحلة يجلب الراحة والسكينة والطمأنينة أن العبد عمل وتعرض لصعوبات وهو الآن يلجأ إلى القدير المقتدر سبحانه بأكف الضراعة أن ييسر له الأمر ولا يطلب منا رب العالمين الرحمان الرحيم مالك يوم الدين سبحانه في الدنيا عدا ألا نتكبر عليه وعلى الإنسان فمن كفل ذلك من نفسه كان على الصراط المستقيم ودخل الجنة ومن تكبر تنكبه ودخل النار ولا خلاصة لقصة الدين وحكاية الإسلام غير ذلك. السائل الثالث الكفيل برحلة يسيرة هو : الخوف من المحكمة التعقيبية الأخيرة وذلك عندما يقول الإنسان : مالك يوم الدين كما مرّ بنا. قولك : مالك يوم الدين صفة من صفات ربك معناها أنك تعرف أنك ستمثل في يوم قريب جدا هو يوم موتك الذي سيفاجئك ويباغتك مهما سدرت وغدرت أمام محكمة وحاكم وهي محكمة تشبه إلى حد بعيد محاكم الدنيا أي فيها قاض ولكن لا مساعدون له وفيها مغرقون هم جلدك ولسانك ورجلك وآخرون وفيها محامون موكلون وشفعاء هم عملك الصالح وآخرون . هذا الشعور أنك ماثل أمام محكمة لا نتيجة فيها سوى : فريق في الجنة وفريق في السعير ويدوم ذلك دواما لا يفقهه عقلك الآن .. هو شعور لا بد منه للإنسان الذي فطر على حب الخير كما ورد في سورة العاديات وحب الخير هنا هو حب الدنيا وليس الخير الذي عادة ما يرد في المواضع الأخرى بمعناه الآخر. هو شعور مثله مثل المصل الوقائي أو التلقيح الذي يعصم الإنسان أن يقترف إثمين لا غفران فيهما أبدا البتة : العدوان على حقه في العبادة الخالصة والعمل الخالص والعدوان على حق الإنسان الذي كرمه هو وقدسه هو وحرره وعلمه هو فهو خير بنيانه والذي لا يغار على شيء غيرته عليه هو. الإيمان بذلك سائل رابع أخير يكفل الرحلة الإنسانية إلى جانب سوائل ثلاثة مضت : الرضى الذي يكفل السكينة ويقي النزوع إلى الإنتحار والأمل الذي يكفل العمل ويعصم من التبطل والتعطل والكسب الحرام والدعاء الذي يكفل التواضع والإستعانة على المصاعب لا الإستسلام لها
الأصل الرابع
معرفة أسباب القوة
الآن وقد عرفت ربك الحق ورسالتك الحقيقية ووقود رحلتك .. عليك أن تعرف مصدر قوتك لأن الراحلة تحتاج إلى وقود يكفل سيرها وعدم تعطلها ولكن تحتاج إلى ما تحتاج إليه كل راحلة ومركوب أي القوة. القوة مطلوبة ولذلك أنزل علينا الحديد كما أنزل القرآن والميزان. القوة تضمن الفعل والإيجابية وليس رحلة تائهة تسير بلا توقف ولكنها لا تينع خيرا ولا تثمر فضلا. تضمنت هذه السورة الصدرية المكثفة المركزة سببا واحدا من أسباب القوة وهو السبب الأعظم والأكبر وهو : قوة الجماعة وقد تبين ذلك في مواضع ثلاثة منها قوله سبحانه : نعبد. أي بنون الجماعة. وثانيها قوله : نستعين. أي بنون الجماعة نفسها. وثالثها قوله : إهدنا أي بنون الجماعة كذلك. من ذا نفيد أن أكبر أسباب القوة اللازمة للرحلة وأعظم أسبابها إنما هو سبب القوة بالجماعة ولك أن تسأل نفسك : أنى لي وأنا أصلي صلاة سرية في ليل داج مظلم في دغل من أدغال إفريقيا حيث لا ساير يسير ولا طائر يطير .. أنى لي أن أتكلم بإسم كل مصل وبإسم كل عابد وبإسم كل مسلم ومؤمن وليس على عرض الجغرافيا فحسب بل على عرض التاريخ كله؟ أليس هذا سؤال مهم؟ أجل. الأصل أن أقول : إياك أعبد وإياك أستعين وإهدني. أي شيء يحملني على أن أكون وكيلا أتكلم بإسم الناس أجمعين وأنا في صلاة سرية لا جهرية وفي ليل داج لا في يوم مشمس منير وفي دغل من أدغال إفريقيا فلا يسمعني أحد ولا وجود لأحد أصلا في ربوع خالية. ذلك هو الأصل فلم خولف الأصل؟ خولف كما خولف في قوله إياك نستعين وليس بك نستعين. خولف حتى يؤول المبنى إلى مقصده فالدين حكم وأحكام وليس هو أحكام فحسب كما يريد المخطئون منا اليوم. المقصد هنا هو أن قوة الفرد بمدى شعوره قلبيا وعمله فعليا أنه عضو في شركة كبيرة منداحة متجددة إسمها الأمة الإسلامية لا تنبذ واحدا منها فحسب سواء كان حاكما أو محكوما أو ملتزما أو غير ملتزم أن أسود أو أبيض أو فقيرا أو غنيا أو صاحب هذا اللسان أو صحاب ذاك اللسان. المقصد من التعبير بنون الجماعة ثلاث مرات كاملات متتاليات في سورة قصيرة جدا هو أن يحقن الإنسان بالجماعة لا بالفردية وبالتكافل لا بالأنانية وبالشعور بالناس لا بعدم المبالاة بهم وعندي أن كلمة إهدنا لا تعني المسلمين فحسب بل إن دعاءك إهدنا في هذه السورة يلم كل إنسان وأنت تدعو فيها وبمعدل مرة واحدة في كل ساعة تقريبا على مدار الحياة بالهداية لكل ضال ولكل مهتد كذلك. ومن أدراك أن الهداية المدعوة هنا هي لمن هو مثلك فحسب؟ أي تحكم هذا بل إن الهداية أولى بها غيرك الذي لم ينعم بما أنعم الله عليك. ذلك هو الأصل الرابع أي أن قوتك أيها الإنسان ليست في فردانيتك ووحدانيتك فكل ذلك لله وحده سبحانه ولكن قوتك في الحياة ورحلة الحياة سيما أنها مليئة بالأشواك والذئاب إنما هي في تكافلك مع الناس سواء كانوا مؤمنين بقولك : إياك نعبد وإياك نستعين أو غير مؤمنين. تدعو لهم بالهداية : إهدنا الصراط المستقيم. قوتك في رحلة الحياة هي في نبذ الإستبداد والفردية والأنانية وخويصة النفس ومعانقة الإنسان كل إنسان لأنك عضو في شركة البشرية وراكب من مليارات ممليرة من ركاب السفينة الواحدة ويتعمق ذلك المعنى في الأمة الإسلامية أن تكون فيها عضوا عابدا عاملا آملا داعيا بالهداية لا داعيا بالهلاك والإهلاك وشتان بين خطيب يؤذي الأسماع كل جمعة على الأقل بقوله اللهم أهلك اليهود والنصارى بل أحيانا يدعو على مخالفيه في الطريقة والتيار والمذهب والحزب وبين خطيب بل بين مؤمن لا يخطب ولكنه يدعو في حياته دوما بالهداية لهؤلاء جمعيا وأي حماقة أزرى بالإنسان أنه يريد من دعائه تقليل الأمة والأمة تأبى إلا أن تكثر وتنداح؟ هذا الأصل اليوم هو الذي يشكل في تقديري المتواضع الدابة السوداء كما يقول الفرنسيون أي الداء الوبيل الذي يجعلنا في ذيل القافلة وقد جعلنا لنكون هداة وشهداء على البشرية جمعاء قاطبة. هذا الأصل يعمق فينا الجماعية التي كفرنا بها نحن العرب والمسلمون ولو آمنا بها لكنا أهل حرية وتحرر وديمقراطية وتكافل وإجتماع وهي الطرق التي عالجها اليهود والنصارى الذي ندعو عليهم بالهلاك لا بالهداية فنجوا وأنجوا شعوبهم. هل نراجع أمرنا إذن لندرك أن قوة أي فرد فينا لا تكون إلا بقوته الجماعية أما هو من حيث أنه فرد فلن يصل إلى شي ء عدا هدم نفسه وهدم أمته إن كان حاكما خاصة؟
الأصل الخامس
ما هو صراطك المستقيم
عرفت ربك الحق وعرفت رسالتك وعرفت وقود رحلتك وعرفت سر قوتك. لم يبق لك إلا أن تعرف إذن خارطة طريقك وصراطك المستقيم الذي يجعل الرحلة على طولها قصيرة وعلى لأوائها ممتعة. الصراط لغة هو السبيل الثابت الراسخ الصحيح والواسع الذي يتسع لما لا حصر له من الناس بل إن مقتضيات معاني الصراط أن يكون سبيلا تلك هي خصائصه ويضاف إليها أنه سبيل في شكل قنطرة مقوسة تحمي أصحابها مذ الدخول إليها حتى الخروج منها ولا يكون الخروج منها بطبيعة الحال إلا بالموت. الصراط يتركب من حروف مغلظة مفخمة كلها ليكون دليلا على سبيل راسخ ثابت عريق وأنه شاسع واسع لا يضيق بأي عابر ولا بأي داخل مهما كان العدد. إذا وصلت إلى درجة أن المبنى يحيلك إلى المعنى فأنت على صراط مستقيم. إذا سحرك هذا المبنى وأفضى بك إلى المعنى المراد فلا حاجة لك بتفسير أبدا ولا بتأويل مطلقا. المباني سلالم تقود إلى المعاني. أول ما تلاحظه أنه لم يقل على عادة العرب : إهدنا إلى الصراط المستقيم. وقد قال هو نفسه في مواضع أخرى ذلك أي أنه عدى الهداية إلى الصراط بحرف الجر: إلى. أما هنا فلا. لم؟ هو الجواب نفسه الذي عالجناه في قوله سبحانه : إياك نستعين. أي أنه لو جعل حرف جر ولو كان قصيرا صغيرا بين الهداية وبين الصراط لذهب المعنى أدراج الرياح. ولكن لخدمة المبنى للمعنى أتلف حرف الجر ليشعر القارئ عندما يكون سليق اللسان قح البيان أن الهداية منه سبحانه في إثر الدعاء مجابة وذلك لقوله سبحانه بعد بقليل أي في السورة الموالية : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . ولخدمة قيمة أخرى عنوانها أنه ليس بين الهداية ولا بين الصراط المستقيم وبين الإنسان الداعي ـ والداعي كما إتفقنا هو إنسان مؤمن عامل عابد ملاق لصعوبات فمستعين ـ مسافة عدا مسافة الدعاء ومسافة الدعاء لسان لاهج بل قلب لاهج يعرج في لمح البصر إلى رب السماء رب العالمين. وصف الصراط هنا بإنه مستقيم لا تطمئن فيه إلى البسطاء السذج الذي يسحبون الإستقامة الهندسية على الإستقامة المعنوية فيقولون أنه الصراط الذي ينطلق من نقطة باء ليصل إلى نقطة تاء. هذا إستخفاف. هذه نظرة مادية عجفاء كالحة. الإستقامة هنا مربطها اللسان العربي الذي هو أصل كل تفسير وكل تأويل وكل بيان واللسان العربي هنا يفيدك بأن الإستقامة هي طلب القوامة أو الحصول عليها أو كلاهما معا والقوامة يفسرها القرآن الكريم بنفسه عندما يقول : وكان بين ذلك قواما .. أي وسطا معتدلا متوازنا في إنفاقه فلا هو مقتر ولا هو مبذر. القوامة لسانا عربيا هي إذن لزوم الوسطية والتوازن والإعتدال. ذلك هو شأن الصراط الذي يصلك بالله سبحانه هو صراط وسط عقيدة وفكرا وخلقا وعملا وفي كل حقل فلا هو منحاز إلى الإلحاد والدهرية ولا هو منحاز إلى التثليث المسيحي أو التثنية اليهودية ولا هو منحاز إلى التشبيه والتجسيم والتمثيل ولا هو منحاز إلى التعطيل كما يقال بالتعبير القديم. قوامة الصراط يعني أنه طريق يضمن حقوقا ثلاثة لا بد منها : حق النفس أن تكون محررة معلمة منعتقة حتى من نفسها فلا تستعبد ولا تسترق من لدن أي كان وحقها من بعد ذلك في التزكية والتعليم والعرفان وحق الله سبحانه في العبادة الخالصة وفي العمل الخالص أي الإستعانة وحق الإنسان من بعد ذلك لزوما ملزوما في حفظ ما به تنحفظ كرامته بشريا وإنسانيا ودينيا وعاطفيا وماليا وفي كل بعد يؤمن ذلك. ذلك هو معنى أن الصراط مستقيم فهو قوام لا يغمط حق الله ليكفل حق النفس ولا يغمط حق الإنسان ليكفل حق الله ولا يجور فيه حق على حق. قوامة الصراط معناها لزوم الطريق الوسط ومن الوسطية الواقعية أي الإعتراف بالضرورات والحاجات والصعوبات ووطء الإبتلاءات وحقوق الإنسان وضعفه وقصوره وغريزته وجبلته وفطرته. وسأتتبع مواضع القوامة في الكتاب بإذنه سبحانه عندما أباشر مشروع بيان موضوعي جامع للكتاب العزيز لأن الكتاب يفسر بعضه بعضا في أول مقام إذ تعهد سبحانه لا بحفظه فحسب بل تعهد بمثل ذلك ببيانه في سورة القيامة المكية. الصراط المستقيم إذن هو خارطة طريق عنوانها التوسط والإعتدال والتوازن مادة ومعنى وبين كل متدافعين زوجين هناك منطقة عدل هي منطقتك وذلك هو صراطك المستقيم فإن ظفرت به فألزمه فهو أقصر طريق وأغدقها إلى السعادة في الدارين
هي أطراف ثلاثة لا رابع لها فإن أديت لكل ذي حق حقه دون أن يجور حق على حق فقد لزمت الصراط المستقيم : حق الله وحق النفس وحق الإنسان
الأصل السادس
ما هو مثالك الأسمى
عرفت ربك وعرفت رسالتك وعرفت وقود رحلتك وعرفت سر قوتك وعرفت طريقك أو صراطك فلم يبق لك إلا أن تعرف مثالا أسمى كان له في التاريخ وفي الأرض عمل وفعل وكسب وعليك إتباعه بعقل وتفكير وليس طاعة عمياء فالطاعة العمياء تورث العمى حتى لو كانت طاعة لله سبحانه. مثالك الأسمى الذي أشارت إليه هذه السورة الصدرية المكثفة المركزة هو الأنبياء وذكر ذلك في قوله سبحانه : صراط الذين أنعمت عليهم .. دعنا مع النعمة أولا. النعمة بالفتح هي بهجة الدنيا بالحرام والنعمة بالكسر هي نعمة الدنيا والآخرة معا بالرضى والمباح. النعمة هي نعمة الهداية وفي هذا قيمة عنوانها أن النعمة هي عنوان الصراط المستقيم فهو قوام لأنه من المنعم سبحانه وهو متعة المنعم عليه أي الإنسان. والإنسان المنعم عليه مهتد يسير على رجليه وليس على وجهه أي يقود ولا يقاد. النعمة هي إذن نعمة الهداية والهداية نعمة عقلية أوّلا لأن العقل هو قائد مركبة الإنسان. النعمة هي نعمة الهداية العقلية لقوله سبحانه عن زيد في سورة الأحزاب : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه .. أنعم الله عليه بالهداية أي زيدا لما لم يكن كذلك وأنعمت أنت عليه أي بالتحرير لما لم يكن كذلك. هما نعمتان : نعمة العقل ونعمة التحرر أي نعمة التحرر من ظلمات الكفر والجحود ونعمة التحرر من الرق. تلك هي النعمة. وتلك هي عنوان الصراط المستقيم ولا قوامة إلا بالنعمة العقلية الحاثة على النظر وبالنعمة المادية المعتقة للإنسان من جبروت الرق وقهروت العبودية. أكبر من أنعم الله عليهم وهم الأسوة والقدوة والمثال الذي لا يخطئ هداة للبشرية جمعاء قاطبة هم الأنبياء ولذلك ذكرهم هنا ويفسر ذلك قوله سبحانه في سورة النساء ـ والقرآن يفسر بعضه بعضه قطعا مقطوعا ـ : أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. أسوتك في الحياة هم الأنبياء وقد تجاوز عددهم كما أخبر عليه الصلاة والسلام مائة ألف منهم عدا ثلاثمائة رسول ونيف ومن هؤلاء عدا خمسة من أولى العزم وأميرهم بلا منازع محمد خاتمهم عليهم الصلاة والسلام جميعا. هم الأسوة بل هم الأسوة الذين يتأسى بهم الخاتم نفسه : فبهداهم إقتده. لا بد للإنسان في حياته المهنية والفكرية والعاطفية بصفة عامة من مثل أعلى كما يكون ذلك في فترة الشباب ولا بد للإنسان في فترة ما من قدوة وأسوة وعندما يتعلق الأمر بالدين وخارطة الدين وخارطة الحياة كلها فإن الأسوة لا بد منها ولا أسوة لإنسان بإنسان عدا أسوة النبوة لأن النبوة معصومة في الدين على الأقل أما شؤون الدنيا فهي تخضع للتجارب وغير ذلك. حتى لا تضل البشرية لا بد لها من قدوات صحيحة معصومة مبعوثة مرعية فكان الأنبياء الذين أنعم الله عليهم أسوات وقدوات ويليهم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون ومن هدي إلى الصراط المستقيم الذي يعطي لكل ذي حق حقه في توازن وعدل هو من الصالحين ولكن الصلاح درجات لا حصر لها. تاريخك هو إذن تاريخ العبادة الخالصة ممثلة في الأنبياء ومن سار على نهجهم عبادة خالصة وعملا خالصا نافعا أي الصديقون والشهداء والصالحون وانت بحاجة إلى أسوات وقدوات تستمد منهم المثال ويثرون تاريخك أن يقال أنك أصيل قرد كما ظهرت بذلك المادية الغربية الكالحة العجفاء أو أن تاريخك هو تاريخ رضيع يعالج ثدي أمه معالجة جنسية كما قال فرويد الغربي وكما يقال لك اليوم أن تاريخك هو تاريخ التعري كالحيوان بل كالعجماوات والبكماوات غير العاقلة ولا المكلفة حاشا الحيوان. من أولئك النبيين الذين هم قدوات وأسوات قصت عليك قصص ناهزت الأربعين وأمثلة أخرى كثيرة بمثلها وممن سار على نهجهم من الصديقين قصص أخرى ومن الشهداء والصالحين كذلك. فهذا ذو القرنين قدوتك جمعا بين الإيمان وبين القوة الصناعة التي يوظفها لحماية المستضعفين أن يجور عليهم يأجوج ومأجوج. وذاك سليمان عليه السلام وهو يعالج عرش بلقيس بذكاء وحكمة وحيلة يوظف كل ذلك للدعوة بالعقل ويسكن الملكة في موضع الملك حتى تجد ملكها ومكانتها في الدين الجديد. وذلك أبوبكر الصديق الذي ضحى بماله كله ونفسه كلها وأهله كلهم مرتين بما يكاد يفارق طبيعة الفطرة : مرة عند التجهز للهجرة ومرة عند تجهيز جيش العسرة في تبوك وأمثلة أخرى عليك تتبعها لتجمع لنفسك منها أسوات وقدوات من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ثم لتكون إما من الصف الأخير أو من الصف قبل الأخير أو من الصف الأول عدا النبوة التي أغلق مجالها والعلماء ورثتها كما أخبر هو بنفسه عليه الصلاة والسلام . قيمة أخرى لا بد منها قوامها أن أسوتك في حياتك يمثلها عباد مثلك فلا هم ملائكة ولا أبالسة بل هم عباد وبشر وعدا الأنبياء المعصومين فإن من أسواتك وقدواتك صديقون وشهداء وصالحون لهم الغرائز نفسها والعواطف نفسها والأحاسيس نفسها وما تحب أنت وما تكره يجري عليهم ولكن ضبطوا الأفكار بضابط الإيمان والمسالك بضابط العمل فهم لا يبعدون عنك جنسا بل هم من جنسك وهذا يبعث فيك الأمل أن تكون في صف واحد منهم عدا الأنبياء طبعا. أسوتك في الحياة إذن أسوة بشرية واقعية وهي تملأ التاريخ بقصص عالج منها الكتاب العظيم كثيرا حتى غطى بذلك ثلثه كاملا والثلث كثير كما تعلم بصريح قوله عليه الصلاة والسلام وصحيحه. في هذا الزمن الذي تفرض فيه عليك العولمة أسوات أخرى وقدوات غريبة يرشدك القرآن في قاعة إستقباله المكلف بتوجيهك ـ سورة الفاتحة الصدرية المكلفة بالإستقبال ـ إلى القدوات الأليق بإنسانيتك والأجدر بهدايتك بإذنه وحده سبحانه إلى الصراط المستقيم. ذلك هو الأصل السادس أي خارطة أسواتك وقدواتك وهم أناس مثلك
الأصل السابع الأخير
ما هو سلاحك
عرفت ربك ورسالتك ووقود رحلتك وسر قوتك وصراطك القويم وتاريخك الذي ينضح أسوة نبوية وقدوة صالحة فما عليك إلا أن تتعرف في آخر مطاف وآخر أصل إلى سلاحك. رحلتك شاقة مفروشة شوكا لا وردا وعنوانها الإبتلاء وليس غير الإبتلاء قطعا مقطوعا ولا بد لك من سلاح تنافح به عن نفسك وعن رسالتك ذاتها وعن منظوريك إن كنت رب عائلة أو رئيس شركة أو رئيس دولة أو رجل قدوة بك يتأسى. السلاح شيء غير الوقود فلا بد من الوقود. والوقود يضمن السير ولا يكفل الدفاع. ليس هناك دولة لا دفاع لها وإلا أضحت فريسة سائغة في بطون الحيتان الدولية الكبيرة. السلاح لا بد منه لأن الدنيا ذئاب مفترسة نهما وجشعا وليس جوعا وفاقة. السلاح في البدن هو الكرويات البيضاء التي تضمن للجسم دفاعات ذاتية. السلاح في الحياة هو العلم وذلك بمقتضى قوله سبحانه خاتما هذه السورة الصدرية التي لا تفهم سوى أنها فهرس للكتاب كله : غير المغضوب عليهم ولا الضالين. دعنا أوّلا مع المغضوب عليهم والضالين. المغضوب عليهم هم الذين أدركوا الصراط المستقيم فتنكبوه عنوة لا جهلا وذلك بمثل الإسرائيليين في شقهم اليهودي أي الذين عرفوا الحق فأعرضوا عنه كما فصلت بذلك أول سورة تلي هذه السورة أي البقرة العظيمة المعظمة. المغضوب عليهم كل من سلك هذا المسلك أي معرفة الحق وتنكبه عنوة وبلا عذر عدا الهوى وعبادة الذات والدعوى بأنهم شعب الله المختار ولا ينحصر ذلك فيهم هم إذ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. بدأ بالمغضوب عليهم لأنهم أشقى إذ أن من هدي إلى الصراط القويم فتنكبه هو أشقى وأجدر أن يكون مثالا للغي. وإنتهى بالضالين الذين لم يدركوا الحق لأي سبب وليس من ضل الحق كمن عرفه فتنكبه وبينهما الفريق صاحب الصراط المستقيم أي الذي عرف فلزم. الضالون هم الشق النصراني في الظاهرة الإسرائيلية أي الذين منّ عليهم ربهم سبحانه بآية معجزة مادية باهرة عنوانها أن خلق لهم بشرا من أنثى لم يمسسها ذكر وهو يريد هدايتهم بها مراعاة لعقولهم المادية فما كان منهم سوى أن عدّوا ذلك المخلوق وأمه آلهة من الإله. أي حماقة وأي سذاجة وأي عهر؟ لذلك ضلوا بالآية ذاتها التي جاءت لهدايتهم وهذا هو الضلال الحقيقي وأظن أن أكثر النصارى اليوم من هذا الصنف أي الذي لم تواته الفرصة ليتعرف عن سر خلق عيسى عليه السلام ولم يجد من المسلمين من يوضح له الأمر وربما تكبر هو وتبرج فبينت بين الفريقين جدر سميكة. إنتهى بهم ليقول أنهم أدنى شقاء من المغضوب عليهم. والعبرة دوما كما قال العلماء بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالمغضوب عليهم الأصليون هم اليهود والضالون الأصليون هم النصارى ولكن العبرة بالفعل لا بالفاعل. ألا ترى معي أن الصراط لم ينسب لهم وهو مقدر محذوف كما يقول أهل اللسان؟ أي أن الأصل أن يقول : إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير صراط المغضوب عليهم وغير صراط الضالين. ذلك هو التعبير الأصلي. كلمة صراط الأولى أي المنكرة لا المعرفة هي بدل عن الصراط الأولى المعرفة وقد ثناها لأن الصراط واحد أحد لا يتعدد فهو طريق واحد موصل للعبد بربه سبحانه أما الذين عرفوا الحق فخالفوه عنوة لا ضلالا والذين ضلوا عنه ضلالا لا عنوة أولئك وهؤلاء جميعا لا صراط لهم لأنهم قد يفيؤون إلى الصراط القويم أوّلا وثانيا لأن سبلهم لا تعدّ صرطا لأنها سبل مؤقتة لا تنطبق عليها مواصفات الصراط التي أنف ذكرها في هذا النص المرتجل. هناك صراط واحد قويم مستقيم هو صراط الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ولا صراط سواه ولا صراط غيره وما عداه سبل قد تقترب أو تبتعد منه أو عنه. لذلك لا ينسب لضال صراط وأحرى ألا ينسب ذلك لمغضوب عليه. السؤال هو : ما علاقة أصل العلم الذي عنونت له بذلك بكل هذا؟ العلاقة هي أن المغضوب عليهم كان ضلالهم بسبب العلم.كيف ذاك؟ كان ذلك بسبب أنهم علموا ولم يجلهوا الحقيقة ولكنهم آثروا حظوظ أنفسهم فلم ينفعهم علمهم وعندما يكون العلم مقودا لبث العهر والعجب والكبر فإنه يكون على صاحبه كارثة. وقضية الضالين هي مثل ذلك أي أن مشكلتهم أنهم لم يعلموا إذ جاءتهم آية محكمة مادية معروفة عاشوها لحما ودما وهم يرون وليدا جاء من أنثى لا ذكر لها. أي أن الفريقين كليهما ضل بسبب العلم : هذا بسبب الزهد في العقل والعلم والنظر حتى ظنوا جهلا وليس قصدا أن عيسى عليه السلام جزء من الإلهية وذاك بسبب أنهم إستخدموا العلم لغير نافعة البشرية وفي الإتجاه المعاكس لصلاحهم. وبذا جاءت الرسالة إلينا تقول : أن العلم الذي هو أصل الهداية وهو عنوان الصراط المستقيم هو أصل سابع وأخير من رسالتكم العظمى أو في معاقدها الكبرى وبه أي بالعلم ضل أقوام لأنهم زهدوا فيه نظرا وتفكرا وتدبرا وإجتهادا وبه أي بالعلم كذلك وقع غضبي على آخرين لأني علمتهم فلم يتعلموا أي لم يعلموا بعلمهم بل وظفوه لإيذاء البشرية والأصل أن العلم يوظف لصالح الناس بما ينفعهم في آجلهم والمعاد. الرسالة في أصلها السابع الأخير هي إذن : العلم الذي عالجه الناس معالجات خاطئة فوقع على بعضهم غضبي وعلى بعضهم الآخر إضلالي هو سلاحكم في رحلة الحياة فلا تزهدوا فيه لتكونوا ضلالا ومحل إسترقاق وإستعباد كما هو حالنا اليوم ولا توظفوه في الإتجاه الخاطئ أي إتجاه الإيذاء والضر . وبذلك تتوسط هذه الأمة بحقل العلم مكانها المتوازن المعتدل فلا زهد فيه لأنه السلاح الأمضى ولا توظيف له لقهر الإنسان لأنه العلم في خدمة الإنسان وليس العكس
خلاصة الأصول السبع للمثاني السبع
أولا : تعرف إلى ربك لتعرف أصلك وأصل المعرض الكوني الذي تتفيأ ظلاله وتأكل ثمرته
ثانيا : تعرف إلى نفسك ورسالتك فهي رسالة عبادة خالصة لا أثر فيها لشرك ورسالة عمل فيه صعوبات ويحتاج إلى إعانة مني
ثالثا : تعرف إلى وقود رحلتك الذي يكفل لك السعادة أي رضى بالحمد وأملا بالرحمان الرحيم ودعاء تواضعا وخوفا ووجلا
رابعا : تعرف إلى سر قوتك فهي بالإنسان والجماعة والأمة والشعب والمجتمع والجار والرحم أما بمفردك فلن تفعل شيئا
خامسا : تعرف إلى صراط القويم فهو قويم لأنه وسطي معتدل متوازن يؤدي لله حقه ولنفسك حقها وللإنسان حقه فلا جور
سادسا : تعرف إلى تاريخك المترع قدوات وأسوات معصومة كالأنبياء وغير معصومة واقعية مثلك كالصديقين والشهداء
سابعا : تعرف إلى سلاحك في رحلة حياتك فهو العلم الذي تنكبه الضالون فضلوا وجحده المغضوب عليهم فضلوا
تلك هي فهرس الكتاب العزيز وتلك هي موضع كثافته وخلاصته وصدره الذي يجلس في قاعة الإستقبال ليعرف القادم بحقه وواجبه وخارطة حياته في المعرض الذي يود عوده والحياة فيه لمدة محدودة في مكان محدود ثم يرحل
وتلك هي أصول السعادة السبع وتلك هي المثاني السبع
والله أعلم
الهادي بريك ـ المانيا
brikhedi@yahoo.de