كلمتان لا بد منهما قبل كل شيء :
1 ـ عندما تصر على الجمع في حديثك ـ أو كتابتك ـ بين مفكر وبين سياسي أو بين مهتم نشيط وفاعل بهما معا وفي السياق نفسه ( مقال أو كتاب أو خطبة ..) فإنك لن تظفر بما تريده من نفسك لأن المفكر حر والسياسي غير حر والحاجة إليهما كليهما متأكدة.
2 ـ عندما تريد الحديث عن شيء فلا بد لك من إستجماع أطرافه أن تصاب بالحول أو العور وتصيب غيرك معك وأنت لا تشعر أو كنت صاحب معتقد يوناني منوي يؤمن بإله للخير قحا وآخر للشر قحا ولا وجود لخير محض ولا لشر محض ومن ذا جاء علم الترجيح ومعرفة التوازنات وهنا معقد التفكير والسياسة أي حيث الإكتظاظ والضجيج أما في الهدوء وفي خلوات القفار فلا بطولة لساع.
مبتدأ التحليل وخبره.
1 ـ السياسة علم وفن ومهارة وشطارة ومعرفة وقد تغلب فيها ذلك كسبا عمليا بالمعافسة والإنخراط على التحصيلات النظرية الجامعية لأنها علم فني عملي واقعي كما تسمى علوم الإجتماع والإنسان كلها تقريبا. والتحليل السياسي مرتبط بالموازين السياسية السائدة سواء أحببناها أم كرهناها وأي تحليل سياسي عربي لا يجعل اليوم مبتدأه القوة الغربية السائدة بقوتي العلم والحديد معا فهو تحليل أبتر لأنه أعمى ظفر بذنب الفيل فحسب فنحت فيه صورة للفيل أنه ذنب وربما تجره كومة لحم عالية شاهقة سمينة. والفيل يهجم بخرطومه وأنيابه ورأسه وليس يهجم بذنبه.
2 ـ الغرب ( الفلسفي السياسي الحاكم ) هو الذي يصنع السياسة الدولية بقوتي المعرفة والمال معا ويفرضها بالمقايضات وبقوة الحديد وبالمفاوضات على الأرض كلها. ولكم صدق القائل الذي حاضر في مدينة ميونيخ الألمانية عام 1994 ووضع لمحاضرته عنوان ( الحكومة الأمريكية العالمية ). فأنت تختار دينك ولكن السياسة هي التي تختارك. أي تختار لك الموازين الدولية المتغلبة أن تكون أنت منخرطا معها أو مقاوما لها أو رابضا فوق الربوة ترقب على يد من تقطع شعرة معاوية التي لم يقطعها معاوية ولتكون آخر من يفترس ( مبني للمجهول ) فحسب وليس لك من منجإ ولا ملجإ.
نوبل من الديناميت المتفجر إلى تقدير موقدي الحرب.
1 ـ ما الذي يمنع العرب والمسلمين من إنشاء جائزة محمد للسلام عليه السلام؟ أو جائزة إبن خلدون لعلم العمران؟ أو جائزة إبن رشد للطب أو إبن سينا؟ أو جائزة الفرابي والغزالي للفلسفة أو سيبوية وإبن هشام للسان العربي أو جائزة أم السعد للقرآن الكريم أو جائزة الفاروق للعدل أو الحياء لعثمان أو المعرفة لإبن عباس أو القضاء لعلي أو الفروسية لخالد أو بأسماء أعلام آخرين كثر منهم البشير التركي والمنصف بن سالم أو جائزة فنون القتال للمنصف الورغي والقائمة لا تنتهي لو إندلقت أقتاب هذا القلم. إنما نحن قوم نحسن التباكي وألهمنا بأثر من شعرنا الجاهلي العظيم فنون الرثاء والهجاء والمديح إلهاما. من كبل أيدينا فحجزنا أن ننشئ لأعلامنا جوائز مثل جائزة نوبل؟
2 ـ لم لم تسند جائزة نوبل لا للسلام ولغير السلام ( إختصاصاتها : الطب والفيزياء والكيمياء والإقتصاد والأدب والسلام) لأي عربي ولا لأي مسلم على إمتداد عقود من إنشائها ( أسندت أول مرة عام 1901) إلا قليلا جدا من مثل نجيب محفوظ وأنور السادات وياسر عرفات ومحمد البرادعي وشيرين عبادي .. بل أسندت لمسعري الحرب الذين لا علاقة بالسلام إلا علاقة إغتيال السلام ووأد الوئام من مثل بيريز الصهيوني المحتل. وربما لم يظفر بها واحد ممن هو لها أهل سوى المقاوم الأفريقي مانديلا وأظن أن الرجل لو كان مسلما أو عربيا ما ظفر بها. وعندما تستوي في عيون هذه الجائزة شخصيتان ومشروعان ( مانديلا وبيريز ) فإنه لك أن تقول : على جائزة نوبل للسلام السلام. هذا مشروع تحرري جعله الإسلام له مقصدا أعظم وذاك مشروع إحتلالي إستيطاني غصوب جعله الإسلام له عدوا وخصما. هل يستويان؟ لا يعني ذلك سوى أن الغرب الفلسفي الحاكم هو جهة إنتقائية حولاء عوراء وهل يأمل عاقل من مثل تلك الجهة أن تكرم أهله مهما نبغوا.
الحالة التونسية وتكريم رباعي الحوار 2015
1 ـ أظن أن أسماء كراشد الغنوشي والباجي قائد السبسي كانت موضع مداولة في كواليس اللجان المخولة للتقرير في الجائزة. وأظن كذلك أن إختيار الحالة التونسية فيه رسالة غربية عنوانها : نحن في حرب ضد الإرهاب وليس ضد الأمة ولا ضد ثقافتها ودينها والدليل أننا نقاتل في سوريا وغيرها وكالة وأصالة ولكن سياستنا في تونس سياسة أخرى. إذ تحجز الطقوس الحقوقية الغربية تلك الجهة أن تنحاز بالكلية والمطلق إنحيازا مفضوحا بل هو إنحياز ذكي في الأعم الأغلب. الوضع الآن ـ وهو منخرم ضد الثورة من جهة وللغرب من جهة أخرى ـ لا يسمح بتكريم وجه إسلامي بارز مثل الغنوشي ولا حتى وجه بورقيبي ـ والغرب هو صانع المدرسة البورقيبية أو راعيها بالأحرى ـ وفيّ مثل السبسي. ولذلك تسند الجائزة لتلبي الأشواق الغربية المتحيزة بذكاء وما هي إلا رسالة سياسية على كل حال والسياسة رموز أكثر منها حقائق. معاداة الإسلام لا تحتمل تقريب المعتدل وإبعاد المتطرف تلك عملية نقترفها نحن عديمي الذكاء السياسي.
2 ـ إنما هي مقايضات سياسية يفهم أصحابها بعضهم بعضا فهما دقيقا من خلال الرموز. ونوبل للسلام من أكبر الرموز السياسية الدولية. هل ترقبون من سياسي تونسي يحترم نفسه ويريد مواصلة مشواره أن يعلن الحرب على نوبل للسلام أن سلمت الجائزة لرباعي الحوار؟ لو كنتم أنتم السياسيون إذن لأندك المركب بنا سريعا. ولو عبر السياسي عن رغبته المكنونة في صدره لهلكت أشياء كثيرة. السياسة ليست حبا ولكنها المكر والخديعة وهاهو أمير السياسيين في الأرض والتاريخ محمد عليه السلام يقول ( الحرب خدعة ) والسياسة هي الحرب بوسائل غير حربية أو هي الحرب الباردة أو الناعمة أو الحرب المدنية القانونية التي يموت فيها الإنسان جوعا ولا يموت بطلقة نارية. هل قرأتم عن حيل إبراهيم وحيل يوسف عليهما السلام؟ سماها عليه السلام كذبات. وعندما يكون الكذب سياسة تأتي بالنفع فهو مطلوب آثم من يركله تأثما وورعا كاذبا. قال خائفا عليه السلام ( نحن من ماء). وهل هو فعلا من قبيلة ماء كما فهم الذين يخافهم على نفسه وأصحابه؟ لا.
3 ـ رباعي الحوار تلقى الرسالة ولا أظنه مغتبطا كما تظنون بل هو نفسه يعرف أن المقصود بالجائزة الغنوشي والسبسي ولكن الظروف الدولية السائدة والطبيعة الدموية للغرب نفسه لا تسمحان بذلك الآن لأننا في حرب وهل هناك من يكرم عدوه الصارم وخصمه العنيد وهم في حالة حرب؟ هل تعرفون ما معنى أن يتسلم الغنوشي جائزة نوبل للسلام بنفسه في محفل دولي مهيب؟ معناها : لم تعد هناك في الأرض شيء إسمه إسرائيل أو هي تحتل بلدا آخر غير فلسطين. معناها أن الربيع العربي ناجح. معناها أن الإسلام مرحب به دوليا. معناها : إشارة إنطلاق لثورات أخرى في بلدان عربية أخرى نفطية ليتسلم مفتاح النفط الذي به تسير مصانعهم وطائراتهم الحربية التي تدكنا رجال مثل الغنوشي وغيره.
أحبابي ..
السياسة حقل يغري ولو بالتحليل والإهتمام. ولكن في زمن اليسر هذا فحسب أما في زمن العسر فلا شيء سوى الخبزة تغري. ولكن السياسة أعقد مما نظن وهي المصالح والمفاسد والعدل والجور وهي الموازنات والحسابات والمقاربات والترجيحات فليس فيها لون واحد بل ألوان وألوان تغشى الأبصار وفيها ألسنة وألسنة وليس هو لسان واحد. ليست هي معركة تدوم يوما أو يومين ولا حتى عقدا أو عقدين بل هي معركة الحياة المفتوحة..
السياسة حقل يغري ولو بالتحليل والإهتمام. ولكن في زمن اليسر هذا فحسب أما في زمن العسر فلا شيء سوى الخبزة تغري. ولكن السياسة أعقد مما نظن وهي المصالح والمفاسد والعدل والجور وهي الموازنات والحسابات والمقاربات والترجيحات فليس فيها لون واحد بل ألوان وألوان تغشى الأبصار وفيها ألسنة وألسنة وليس هو لسان واحد. ليست هي معركة تدوم يوما أو يومين ولا حتى عقدا أو عقدين بل هي معركة الحياة المفتوحة..
لا أحد يحجر عليكم حقكم السياسي ولكن لا تحجرون على أنفسكم حسن الفهم ودقة الفقه فيها وإستجماع الأطراف والتمييز فهي مدرسة التمييز بين الألوان وهي مدرسة إظهار فرحة الإنتصار في ليل الهزيمة البهيم. ليس فيها الضربة القاضية ولكن فيها معدل النقاط.
الهادي بريك ـ مدنين ـ تونس