مما أخفقنا فيه حقا هو خلطنا للمواقع اذ ندين السياسي اذا لم يتقلد لسان الامام الخطيب ونتوجس من هذا اذا لم يجعل من منبره شعبة من شعب الحزب الذي نهواه. في الفقه هناك مبحث عنوانه ( فقه مقامات المشرع ) يساعد طالب العلم على التمييز بين مقامات الخطاب الشرعي فلا يحمل النبوة خطا تأبير النخل مثلا اذ لكل مقام مقال . هذا ينسحب على الحياة العامة فلا يليق بالسياسي قوله ( لتذهب الجبهة الى الجحيم ) وهو خطاب يسع غيره ولكن لزوم الخلق اولى دوما.
سوءال الجادين هو : لم تشققت ؟
الجبهة تجمع عقائدي مثل النهضة ولا وجود دونهما لمثلهما عصبية عقدية ولقد صمدت الجبهة سنوات على وحدتها بسبب ذلك الرابط من جهة وبسبب وجود الكيان العقدي المقابل ( النهضة ) من جهة اخرى. الاصل ان الكيانات العقدية لا تتشتت الا لقراءة عقدية ( المسيحية بطوائفها الثلاث الكبرى ) او لتقدم الهم الادنى على القيمة الفكرية . انشقاق الجبهة بين يدي الانتخابات يعزى لهذا.
الجبهة والديمقراطية : اي علاقة؟
لا خلاف على ان الجبهة بمكوناتها يسار ديني قيمي اقصى فهو سليل المدرسة الشيوعية الماركسية التي لا تقتصر على إنكار الاسلام بل تعاديه عداء لا هوادة فيه. الديمقراطية في هذا المنظور ترف برجوازي ولا خلاف كذلك ان حملة هذا المشروع الذين يزينون خطابهم بمساحيق العصر ( التعدد والحريات ) لم يصدر عن واحد منهم منذ العشرينات ( اول وجود حزبي لهم ) الى اليوم كلمة مراجعة واحدة تبين نقدا ذاتيا بخلاف ( النهضة) التي قامت بمراجعات حقيقية ونشرتها . كلاهما لم يولد وفِي فمه ملعقة الديمقراطية ولكن راجع هذا وتراجع ومضى ذاك في كبر ظانا ان الناس لا يركمون التاريخ.
عقدة الإسلاموفوبيا : سم زعاف.
كان ظهور الماركسية حاجة بشرية قبل قرون لما استبد الجور الاقتصادي بالناس سوى ان تطبيق الشريعة الشيوعية على ايدي لينين وستالين وغيرهما عرض النظرية باسرها الى الافلاس فتحولت بالمراجعات الى علمانية اقل وطأة دينا ثم الى يسار اشتراكي اجتماعي أعاد للنظرية بريقها ومكن لضرب من العدالة الاجتماعية في اروبا . ومع بروز الاسلام قوة سياسية شعبية حملت النظرية نطفة العداء الوراثي فتحولت رسالة القوى المنتسبة الى اليسار وخاصة في العالم العربي الى استئصال العقيدة الاسلامية .
تجفيف المنابع : جريمة لا تنسى.
معلوم ان الوجود الشيوعي في تونس هو الاعتى ضد الاسلام اذ استغل مشروع بورقيبة التغريبي ثم اختار تسلق قصر المخلوع بن علي متحالفا معه في خطة تجفيف منابع التدين إجهازا على الاسلام الذي تتغذى منه ( النهضة).
الجبهة والثورة : علي وعلى اعدائي.
في الجبهة وغيرها من القوى العلمانية مقاومون عظام ضد الاستبداد ولكن لم يتخلصوا من الماضي ولم يميزوا بين الاسلام الذي لا يقهر وبين أحزابه ولو جددوا خيارهم القديم ( يسار اجتماعي ) او قدموا مراجعاتهم وسلكوا علمانية تحررية لوصلوا نضالهم السابق للثورة بنضال جديد يساهم في حفظ الثورة . والنتيجة هي ان حقدهم الايديولوجي أعماهم فوجدوا انفسهم ضد الثورة وضد الحريات وضد الديمقراطية ثم ضد انفسهم اذ تشاققوا.
الجبهة : درس للنهضة.
حفظت ( النهضة ) من داء التشقق بامرين ( الولاء العقدي وجرعة ديمقراطية داخلها ) ولها من تشقق الجبهة دوس بليغ : التنازع على الدنيا باسم مصلحة الحزب او الوطن محرقة .
لست حزينا على تصدع قوة جففت منابع الا سلام في تونس …
لست حزينا على تشقق كيان عوق الثورة بحجة انها جاءت بخصومه …
لست مقتنعا ان تقهقر هذا التجمع ضربة للديمقراطية …