قرأت هذا الصباح سؤالا إستنكاريا من صديق عزيز وجار أعزّ على صفحات التواصل الإجتماعي هذا نصه ( حيرة طفل : نشب حريق في البيت وعلا صوت الإنذار فما العمل؟ هل يترك البيت أم يبقى داخله فيختنق أو يفوض أمر الإطفاء لغيره؟). أعجبتني صيغة السؤال وحسن التصوير سيما أن صاحبه من قيادات البيت النهضوي وصاحب بلاء أشدّ في محرقة عقدي الجمر الحاميات فكانت مناسبة لتحرير هذه الكلمات
الكلمة الأولى
النهضة أو غيرها من الأوعية الحزبية ليست عدا وسيلة لفريضة الإصلاح وواجب التغيير ولذلك تغير إسمها من الجماعة إلى الإتجاه الإسلامي إلى النهضة ومن الحركة إلى الحزب ومن ذا فإن المقصد هو العمل الجماعي لتثبيت الثورة وتحصين الديمقراطية وتختلف الوسائل والأوعية بلا حرج ولو توافق الناس على أن هذا الوعاء ( النهضة ) لم يعد يتحمل هذا المقصد فإن تركه فريضة سوى أن ذلك بعيد إذ أن ( النهضة ) ترمز إلى الهوية في تونس وإلى الثورة والديمقراطية ومادام رأسها مطلوبا عربيا ( الإمارات ) وعلمانيا ( الجبهة ومن في حكمها إيديولوجيا ) فإن الوسيلة تأخذ حكم المقصد هنا دينا مدينا
الكلمة الثانية
قبل ثلاثة أيام فحسب إستقال رجل كبير من هذا البيت ( المقاوم الشرس علي الشرطاني ) وهو قيادي في المؤسسة الشورية ومن حملة لواء الجهاد ضد الحقبة النوفمبرية للمخلوع بن علي ومن الطبيعي ألاّ يكون معروفا على نطاق واسع لأنه من الذين تعرفهم النائبات وتطردهم النافلات. عرفته في ردهات مجلس الشورى صداعا برأيه لا يخشى في الله لومة لائم وهو من أحبّ الرجال إليّ لتلك الخصلة والله إذ إستجلبت الغنائم عددا ليس قليلا من الذين يريدون الدنيا. حزنت على خروجه بمثل حزني على رجال مثله خرجوا منذ عقود وسنوات منهم من إختنق بدخان الفردية ومنهم من لم يصبر على لأواء التدافع الجماعي ومنهم من خرج من البيت ليخرج عليه فرشق رحمه بحجارة من طين حارقة ووظفته الفضائيات اللاهية سمّا زعافا. لا يعني هذا أن الخروج من ( النهضة ) إثما ولا جريرة ولكن يعني هذا أن الذي يخرج ـ أو يفرض عليه الخروج ـ يترك فراغا وألما بقدر ما ملأ مكانه خلقا حميدا ومقاومة وإلتزاما
الكلمة الثالثة
الديمقراطية في ( النهضة ) معركة شرسة دائبة لا تموت إذ لم نولد وفي أفواهنا ملاعق الديمقراطية بل نحن بشر ككل بشر مبتلون بحب الدنيا وبريقها مالا وأرائك وثيرة وألقابا سياسية وعلمية. الديمقراطية كسب وليس وراثة والكسب يؤتى بالجهد وأعسر من تجاهد في حياتك نفسك التي بين جنبيك ومن ذا نتمايز حسنا وسوء. تجربة العبد الفقير تفيده أن الديمقراطية تزهر في المحن ومقاومة الحرائق الخارجية وتذوي في ساعات اليسر ولم تمرّ أيام على ( النهضة ) أيسر منها من هذه رغم أنه يسر حقيقته عسر لمن فقه كرّ الأيام ولا يعرف حظ إمرئء من الكسب الديمقراطي عدا وهو في موقع المسؤولية
الكلمة الرابعة
إنزلاق بعضنا في حب الدنيا ليس كفرا وإلاّ كفّرنا الصحابة الذين فرّوا من جبل الرماة في عدوان أحد وقال الله عنهم ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) وقال حبر الأمة ( لم أكن أعلم أن منا من يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية ). وعندما جاء العتاب من الله في سورة آل عمران لم يذكر هؤلاء بالإسم وإنما حمل الناس جميعا مسؤولية هزيمة أحد قائلا ( قل هو من عند أنفسكم ). أشنع الناس فينا غرارة من يظن أن فلانا ( المجاهد السابق والسجين السابق والمفكر الملهم إلخ ..) لا تغويه الدنيا أو تغره الأرائك الوثيرة والمراكب الفارهة
الكلمة الخامسة
لم يكن مناسبا أبدا أن تثور هذه الزوبعة ليس لشبهة إنحرافها عن القيمة الديمقراطية فحسب ولكن لأن تأقيتها قاتل والبلاد بثورتها وتأبيها عن لغة النار المنداحة شرقا وغربا محلّ حسد عربي وتآمر إقليمي ورئيس الدولة نفسه يمتنع عن توقيع ما يجب عليه توقيعه تمهيدا لمحطة إنتخابية لا يسع البيت النهضوي فيها إلا أن يتحد صفه ويرص حزبه ويلتئم شمله ليس لأنه هو المهدي المنتظر الذي لا أؤمن به ولكن لأن سقوطه هدية بالمجان وعلى طبق من فضة وورد إلى أعداء الثورة والديمقراطية. ميزان الترجيحات يدلك إلى أن إيراء هذا التشويش لم يكن مناسبا في زمانه من جانب القيادة بمثل ما يدلك إلى أن الإنخراط فيه من جانب الصف علامة صحة ما إلتزم الأدب الدمث وليس المطلوب من جانب الصف ـ حتى لو شعر بالغبن ـ عدا الإنخراط في تحصين البلاد وثورتها ومسارها الديمقراطي وتأجيل المعركة الداخلية ـ وهي معركة حقيقية وجديرة بالتأجيج ـ إلى ما بعد المحطة الإنتخابية عسى أن تتأمن البلاد من الغوائل المتربصة وتعبر منطقة الخطر بسلام
الهادي بريك ـ ألمانيا
brikhedi@yahoo.de