رسالة إلى تنظيم القاعدة…

السبب المباشر لهذه الرسالة هو الحادث الأليم بمنطقة الروحية من ولاية سليانة التونسية ليوم الإربعاء الثامن عشر من مايو آيار 2011 حيث أفادت مصالح الأمن والجيش على الهواء مباشرة الوطنية بالتاريخ ذاته أن عناصر قيادية من تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي وقعوا أسرى وقتلى في الحادث ذاته الذي ذهب ضحيته عدد من إطارات الجيش والأمن.
ربما يكون هذا الحدث هو الأخطر على المستوى الأمني منذ ثورة 14 يناير 2011وتكمن خطورته كذلك أنه يتصدر الأسابيع الثمانية الأخيرة التي تفصلنا عن أول محطة إنتخابية تونسية حرة وديمقراطية في التاريخ التونسي الحديثمحطة إنتخابية من شأنها أن تعيد تثبيت تونس في محيطها العربي والإسلامي ثقافيا وحضاريا وديمقراطيا.

 

عزاء واجب.
هي مناسبة لتقديم العزاء إلى تنظيم القاعدة في إغتيال مؤسسه وزعيمه أسامة إبن لادن عليه رحمة الله سبحانهوسطية الإسلام تفرض علينا أن نلزم العدل حيال بن لادن ـ عليه رحمة الله سبحانه ـ وحيال التنظيم بأسرهوسطية الإسلام وعدله يفرضان علينا أن نثبت لبن لادن ما أثبته لنفسه من إيمان وإسلام فما علمنا عليه من هذه الزاوية غير ذلك بل إني ميال إلى أن الرجل ـ عليه رحمة الله سبحانه فهو بين يدي ربه وقد أفضى إليه وهو وحده حسيبه ـ لا ينقصه إخلاص لدينه ولا غيرة على أمته سوى أن الإختلاف معه على النهج الإصلاحي التغييري الذي توخاه إختلاف أطبقت آفاقه من كل صوب وحدب فلا إلتقاء معه فيه لا من قريب ولا من بعيدهما أمران متوازيان عندي بقدر إخلاص الرجل لدينه وأمته كان منهاجه الجهادي متنكبا لأصول ومقاصد وخلق المنهاج الإسلامي في الإصلاح والتغييرصحيح أن النية قد تشفع لصاحبها يوم القيامة ـ بل هي شافعة بإذنه سبحانه ـ ولكن جهلنا للغيب يفرض علينا أن يحاكم بعضنا بعضا بمعايير القول والعمل وليس بمعايير النيات والقلوب.
هما أمران متوازيان عندي بقدر ما كان صلف الصهيونية والصليبية ـ وزعيمتها الإدارات الأميريكية المتعاقبة منذ غرس الخنجر الصهيوني المسموم في قلب أمتنا في فلسطين ـ .. بقدر ما كان ذلك الصلف مغرورا حقودا لا يقوم سوى على النهب والسلب والإحتلال وفرض التبعية والتجزئة والأحادية القطبية ثقافيا وحضاريا .. بقدر ما كان ذلك كذلك كانت المعالجة التي توخاها بن لادن ـ عليه رحمة الله سبحانه ـ موغلة هي الأخرى في الصلف والعمىمقاومة بن لادن للإدارة الأمريكية بمنهاج أعمى لا تغريني حتى لو كنت أعدى أعداء أمريكا والصهيونية والقوى المتربصة بالأمة العربية والإسلامية وبمثل ذلك لا يسرني أن يكون مقتل بن لادن ـ عليه رحمة الله سبحانه ـ على يد الأمريكان أو الإستخبارات الدائرة في فلكهم من مثل المخابرات الباكستانية وغيرهاربما يكون شرفا له أن يكون قتيل الأمريكان ولكني أقرب إلى إدانة الصلفين صلف الأمريكان والصهاينة من جانب وصلف بن لادن ـ عليه رحمة الله سبحانه ـ من جانب آخر.
ذلك هو معيار الدنيا فيما أرىأما معيار الآخرة فهو غيب لا يتطفل عليه سوى أحمق.

 

ماذا تريدون من تونس بعد ثورة 14 يناير؟
وجهت رسالة إلى المرحوم بن لادن قبل سنوات قليلات منصرمات تناقلتها بعض المواقع الإلكترونيةكان موضوع تلك الرسالة واحدا لا ثاني له :المنهاج الجهادي المتوخى من لدن تنظيم القاعدة أعور من الجانبين من جانب المنهاج الإسلامي الذي نص عليه القرآن الكريم وسنة وسيرة محمد عليه الصلاة والسلام ومن جانب متطلبات الواقع المعاصر الذي يتنزل فيه ذلك المنهاج الأعورومعلوم أن منهاج الإصلاح والتغيير ما ينبغي أن يكون موكولا لفرد ولا حتى لجماعة دون أن يكون منبجسا من أهل الفقه والعلم والتجربة والرأي في الأمة في مختلف الحقول المعرفية دينا ودنيا ومعلوم كذلك أن ذلك المنهاج إلى الدنيا أقرب منه وأدنى من الدينهو ديني الأصل ولكنه دنيوي التنزيلوما كان ذاك شأنه لا يستبد به فرد أو جماعة سيما إذا كان الأمر أمر قتال دولي بالذخيرة الحية لليهود والنصارى بتعبير التنظيم أو لدول عظمى قائمة من مثل أمريكا.
لما وجهت رسالتي تلك قال لي جار صديق بألمانيا ألا تخشى على نفسك من القاعدة وأنت تتجرأ على توجيه رسالة إلكترونية علنية إلى زعيمها؟ قلت في نفسي دون أن أجيبه قيمة الدين النصيحة أولى من كل إعتبار من جهة ومن جهة أخرى فإني أستصحب قالة الإمام علي كرم الله وجهه :أي يومي من الموت أفر؟ أفي اليوم الذي لا قدر علي للموت فيه أم اليوم الذي قدر فيه أن أموت؟
تذكير ونصيحة.
أجدد في رسالتي هذه إلى تنظيم القاعدة القيمة ذاتها التي حوتها رسالتي الأولىطريق التغيير الذي تتوخون مسدود مسدود مسدودهب أن الإسلام ذاك هو منهاجه ـ وما هو بذاك يقينا بما غدا معلوما من المنهاج الإسلامي للإصلاح والتغيير بالضرورة وإجماعا ثابتا على مر القرون والعقود ـ هب أن ذاك هو منهاج الإسلام ـ أي التكفير والتفجير ـ فإن الواقع الدولي المعيش لا يتسع لمثل ذلكألا تدركون أن أمورا في الشريعة الإسلامية لا تطبق لمجرد إنتفاء محلها كما يقول الأصوليون؟ أمور ألصق في الشريعة من قضايا التغييرأمور تؤجل إلى حين عودة محلها نشدانا لأيلولة يرضاها الإسلام بمقاصده ومعانيههل تدبرتم إجتهادات الفاروق؟ كلها تقريبا تصب في الإتجاه ذاتهكل حكم في الإسلام لا يتسع له الواقع يؤجل أو يستثنى أو يخصص أو يقيد ـ أو غير ذلك مما شبعت به بطون المظان ـ إلى حين عودة محلهوهبنا ذلك مجرد هبة ولكن الأصل المعقود هو أن المنهاج الإصلاحي الإسلامي أمر لم يفوت فيه الله سبحانه حتى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام وإنما ثبته في كتابه العزيز وإتجاهه العام هو قتال الذين يقاتلوننا أو يقاتلوا المستضعفين من غيرنا دون أدنى تورط في العدوان على أحد ومن العدوان الذي عده الإسلام عدوانا :الإسراف في القتل أو تحميل بريء وزر آثم.
الحالة التونسية.
ـ كنا نخالفكم منهاجكم حتى عندما كان الذنب المقطوع بن علي على رأس السلطة يديرها مع عصاباته سلبا ونهبا وفسادا وتصهينا و تجفيفا لمنابع التدينلو تعلمون كم أنفق المخلوع من أموال وتدبيرات لأجل جر حركة النهضة ـ وغيرها ـ إلى مستنقع العنف والإرهاب إبتغاء الإجهاز عليها بغطاء دولي لا غبار عليه؟ ماذا قلت؟ أجهز عليها؟ خيل للناس أجمعين أنه أجهز عليها ولكن ثورة 14 نياير بعثتها من جديدفمن الخاسر؟ السياسة ذكاء ومن كان ذكاؤه دون المتوسط فليس عليه أن يرهق نفسه والناس من حوله بمعالجة الشؤون العامة للناس.
ـ هل هناك بقية من رشد تقودكم إلى هذه الحقيقة مساهمتكم في إذكاء حالة الإضطراب الأمني في تونس بالتفجير وبث الخوف بين الناس هي الخدمة التي تبحث عنها فلول الحزب الحاكم المنحل في السماء فلما وضعت بصرها على الأرض وجدتها بالمجان فوق طبق من ذهب وفضةأي خدمة ستقدمونها إلى حزب موغل في الفساد والنهب والسلب والخيانة حتى النخاع؟ أي خدمة تسدونها إلى فلول البوليس السياسي؟ أي خدمة تهدونها إلى أعداء الثورة التونسية؟ عملكم تفجيرا في تونس رسالة إلى الذنب المقطوع بن علي إئت إلينا حاكما علينا في تونس وأنت تزهو فوق فرسان النخوة والعزةرسالة مفادها لا نحتاج ثورة ولكن نحتاجك أنت وعصاباتكالأمور في السياسة بمآلاتها ـ كما هو الأمر في الإسلام ـلا تشفع لكم النيات الحسنة إذا كانت المآلات كوارث ونكبات.
ـ ألستم تنشدون الإسلام في تونس؟ أيام الإسلام في تونس قادمة بإذنه سبحانهإذا كانت نياتكم صافية حسنة فإن الإسلام الذي ظل جريحا مطاردا في تونس على إمتداد عقود ضرامها جمر حام .. ذلك الإسلام أهدته ثورة 14 يناير مستقبلا واعدا إن شاء الله تعالىالإسلام في تونس أن ينعم التونسي بحريته وكرامته وعزته ليؤمن من آمن عن بينة ويكفر من كفر عن بينةأليس ذلك هو الإسلام؟ الإسلام في تونس أن ينطلق التونسي آمنا من بيته في الصباح الباكر يطارد لقمة عيشه ليظفر بما كتب له الله منها ثم يعود في المساء إلى بيته مطمئناالإسلام في تونس أن يحاسب التونسي حكامه الذين يختارهم إختيارا حرا لا إكراه فيهإذا كان ذلك هو الإسلام فإن ثورة 14 يناير أسدت إلى الإسلام خدمات كبيرة حتى لو كان هو صاحب الفضل على تلك الثورة بسبب أن الثائرين مسلمون مؤمنون ثائرون.
ـ من تقاتلون في تونس إذن بعد الثورة؟ ماذا تريدون أن تفجروا بعد الثورة إذن؟ هل تدركون أن أعمالكم تساهم في إرغام الحكومة وأعداء الثورة بصفة عامة ـ وليست الحكومة بالضرورة عدوا للثورة ـ على تأجيل موعد 24 تموز يوليو 2011؟ هل تدركون أن تأجيل ذلك الموعد هو أول ضربة قاضية مكينة في خاصرة الثورة وأهدافها ومقاصدها؟
ـ هب أننا نوافقكم على أن الثورة رجز من عمل الشيطان وأن الديمقراطية كفر بواح وأن الحاكمية لله وليست للشعب وأن الخلافة هي الأصل والجمهورية بدعة جاهلية .. هب أننا نوافقكم على ذلك ـ ولا يوافقكم على ذلك سوى أحمق في الدين والدنيا معا ـ دلونا ـ يرحكم الله تعالى ـ على سبيل نستعيد به كرامتنا وعزتنا وحرياتنا وعدالتنا وأمننا وحقنا في المقاومة إنتصارا لفلسطين المحتلة.. دلونا على ذلك السبيل ونحن معكممن يحكمنا؟ وكيف ننصبه علينا؟ هل نزل به وحي فلا جدال فيه ولا حوار؟ هل ندعه للصدف العمياء؟ هل نوكلكم أنتم علينا لإختيار ذلك الخليفة)؟ دلونا كيف يكون الحل ونحن معكم من قبل البداية وحتى ما بعد النهاية.
عجبي لا ينقطعكيف يثمر الإسلام عقلا أفنا؟
عجبي لا ينقطعكيف يتنكب المرء كل دلائل الإسلام وتاريخه وأحكام المنطق وصوارمه؟
عجبي لا ينقطعكيف يبادر المرء إلى أهله يفجرهم ويكفرهم؟ 
هب أن التونسيين كفارا ملاحدة.
هب أنهم فاسقون.
هب أنهم مشركون و عبدة أوثان.
هب أنهم جهلة فجرة
هب كل ذلك ـ وما هم إلا مؤمنون مسلمون راشدون بل ثائرون إيجابيون ـ أليس الإسلام يرشدكم إلى دعوتهم بالتي هي أحسن وبتدرج وحكمة وعظة جميلة؟
ألا تراجعون أنفسكم بناء على الحالة الثورية العربية الجديدة؟
إذا كانت الثورات العربية المعاصرة التي تشق الأرض شقا من شرقها إلى غربها لأول مرة في التاريخ الحديث للأمة .. إذا كان ذلك لا يدعوكم إلى مراجعة منهاجكم التغييري لحمته التكفير وسداه التفجير .. إذا كان ذلك لا يدعوكم إلى المراجعة فمتى تراجعون؟
إذا كنتم تريدون زوال الطغاة فهاهي الجماهير العربية تطيح بهم واحدا من بعد الآخر.
ها هي الجماهير تقتلعهم بدمائها وشهدائها ومصابراتها كما يفعل أهل اليمن ـ وكثير منكم من أهل اليمن والحكمة يمانية كما قال عليه الصلاة والسلام ـكل يمني هو مسلح بالضرورة ولكن لم يستخدم يمني واحد سلاحه ضد الرئيس وزبانيتههل تدرون أن علي عبد الله صالح يسأل الله في سجدات السحر الغالية ـ إن كان يسجد لربه ـ أن يؤز يمنيا واحدا لإستخدام السلاح ليضمن عرشه عقدا آخر آمنا مطمئناولكن الحكمة اليمانية فوتت عليه الفرصةلم؟ لأن السياسة ذكاء أو لا تكونالسياسة سوق الحذاق وللحمقى أسواق أخرى.
أم تريدون جهاد الناسكل الناسعربهم وعجمهمكافرهم ومؤمنهمملتزمهم ومتسيبهمأحمرهم وأسودهمإذا كنتم تريدون حرب الناس ـ كل الناس ـ فأبشروا بهزيمة نكراء مدوية لا تبقي ولا تذر.
بناء البلاد أولى.
لنعد إلى الحالة التونسية التي بسببها كتبت هذه الرسالةالله وحده يعلم أن كل تونسي وتونسية يضع يده على قلبه منذ يوم 14 يناير المنصرم أن تغتصب الثورة وتذهب دماء زهاء ثلاثمائة شهيدا هدرا.. الله وحده يعلم أن كل تونسي وتونسية قلبه معلق ببناء البلاد من بعد الثورة حتى تمخر سفينة تونس عباب مرحلة إستثنائية إنتقالية حذرة مشوبة بالخوف ولكنها ملأى أملا ورجاء في الله سبحانه أن يسدد البلاد إلى خير العباد..
ذلك هو شعور كل التونسيينفلا تحبطوا أهلكم ولا تبخسوهم ثورتهم يرحمكم الله سبحانه.
أدعوكم بحرارة المؤمن الذي لا يريد لكم ـ ورب الكعبة ـ سوى التوفيق والسداد والقبول .. أدعوكم ناصحا أمينا إلى التعاون مع التونسيين ـ ومع كل أبناء الأمة ـ إلى خدمة البلاد سيما التي حققت ثورتها ضد أذناب أمريكا التي تحاربونها بسلاح خاسر وفي ساحة وغى خاطئة.
أغلى نصيحة لو كنتم تعقلون.
أغلى نصحية هي الثورات العربية الراهنة جعلت منهاجكم التغييري تكفيرا وتفجيرا كثيرا ما يذهب ضحيته الأبرياء وكثيرا ما تساقون إليه إستدراجا من لدن المخابرات العربية والغربية .. الثورات العربية الراهنة جعلت منهاجكم في حكم الماضيالماضي يدعى للإعتبار والإستبصار.
ساهموا في الثورة مع الثائرين.
أما الإصرار على التكفير والتفجير ضد الأحمر والأسود والبريء والمجرم.. تلك أمارة من أمارات فساد الطويةإذا رأيت العبد يعمل السيئة من بعد السيئة فلا يراجع أمره ويظل سادرا لا يقبل نصيحة ولا ينظر لما قدم لغد ـ والغد غدان غد قريب وغد بعيد والغدان مقصودان بالنظر ـ إذا رأيت العبد ذلك دأبه فإما أن تكون طويته فاسدة وإما أن يكون قد حرم التوفيق والسداد ومن حرمهما طول حياته أو في آخر أيام حياته فقد حرم الرضى.
راجعوا أنفسكم وأعرضوا أمركم على من ترون حوارا في زمن تيسرت فيه سبل الحوار دون أن يكشف منكم إسم ولا تنظيمفإن عثرتم على أن منهاجكم خاطئ فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمادي في الغي هو عين السخط من العبد على نفسه ومن سخط على نفسه سخط الله عنه.
عملكم في تونس يخدم السفاح المجرم القذافي بالضرورة والنتيجة.
هل تريدون التمكين لكتائب الموت التي يسيرها ذلك السفاح المجرم؟
أليس نصرا للعرب والمسلمين أجمعين أن يتحرر شمال إفريقيا كله تقريبا بالكاد من الهيمنة الصهيونية والأمريكية في مصر وليبيا وتونس؟
أليس ذاك الذي تبغون؟
تلك هي رسالتي الثانية إليكم.
أرجو أن تصلكم.
أرجو لكم التوفيق والسداد والحكمة وفصل الخطاب.
اللهم هل بلغت.
اللهم فاشهد.
والسلام.

شاهد أيضاً

قصة يونس عليه السلام

هو يونس إبن متى عليه السلام أحد الأنبياء المرسلين المذكورين في القرآن الكريم وحملت سورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *