في مثل هذا اليوم ـ 9 أفريل 2005 ـ ولد هذا الموقع الإلكتروني : الحوار.نت بمبادرة من ثلة من المنفيين التونسيين في عهد المخلوع بن علي وفي مقدمتهم مؤسسه ورئيسه الأخ العزيز القادري الزروقي. لعل من أصدق الكلمات في تاريخنا هي قالة أحد أكبر رواد الصحوة الإسلامية السلفية التجديدية المعاصرة ـ المرحوم الإمام محمد عبده ـ وهي : الأزمة تلد الهمة. معنى ذلك أن حالة المقاومة التي إستبدت بثلة كبيرة من أولئك المنفيين بسبب معارضتهم الفكرية والسياسية للمخلوع بن علي هي التي أفرزت همة كفاحية عالية أثمرت أعمالا كبيرة وكثيرة في حقول خصبة معطاءة منها إنشاء المدارس والمعاهد في باريس ومنها التقدم في النبوغ الدراسي وطلب العلم إلى حد إلتقاف شهادات جامعية عليا من مثل الدكتوراة في مختلف التخصصات الكونية والإجتماعية ومنها إنشاء المشاريع التجارية ومنها الأعمال الحقوقية التي كانت سببا مباشرا وحاسما في إذكاء الثورة ضد المخلوع وبطانته المفسدة وحزبه الفاسد ومنها الأعمال الإغاثية والإنسانية التي عملت قدر الإمكان على المطامنة من غلواء الفاقة التي كانت تطحن عائلات المساجين بمثل ما تطحن عائلات المغضوب عليهم ممن وضعوا في السجن الكبير ومنها الأعمال السياسية ومنها الأعمال الفنية والأدبية ومنها الأعمال الإعلامية وخاصة الإلكترونية من بعدما أذن ربك سبحانه بإندكاك جدار برلين الذي شيده المخلوع تحصينا لمملكة الرعب التي أنشأها وليس الحوار.نت إلا عملا من تلك الأعمال الإعلامية الإلكترونية مثله مثل تونس نيوز ثم حبلت الساحة ـ وخاصة الألمانية منها ـ بعدد غير يسير من المواقع من مثل المتوسط والفجر نيوز والنهضة إنفو وغيرها كثير لا أحصيه الآن لضيق المجال. كانت قالة السلفي المجدد محمد عبده هي المسؤولة على تفسير تلك المقاومات بمختلف أنواعها. هي أزمة النفي والمطاردة التي قوبلت من لدن أولئك الرجال بهمة الإستجابة والتحدي وبتكافل كل تلك الأعمال وغيرها في مناخات الحرية في البلاد الأروبية أذن ربك سبحانه بما أذن من ثورات الحرية والكرامة. كان الحوار.نت تتويجا لمرحلة سابقة خاضها الأخ العزيز القادري الزروقي بواسطة ” البالتولك ” وذلك قبل إختراع الفايس بوك وكان العبد الفقير إلى ربه وحده سبحانه يساهم بالمضامين المرتجلة في ذلك العمل بمثل ما كانت تونس نيوز متنفسا لنا جميعا بالكتابة والمتابعة. وما إن تأسس الحوار.نت حتى إستقطب إليه ثلة من المقاومين بالكلمة إذ إجتمعنا وأنجزنا ميثاقا إعلاميا داخليا وآخر للقراء والمساهمين وتقاسمنا الأعباء ومنها أعباء مالية وظللنا نعمل في كنف التعاون لتنفيذ السياسات التي إرتضيناها لموقعنا الجديد. وتوصلنا بفضله وحده سبحانه إلى إختراق جدار برلين الذي شيده المخلوع وأضحى للحوار.نت صوته المقاوم الملتزم بمثل ما عرف بطعمه الخاص وتداعت إليه الأقلام من كل صوب وحدب سيما من بعد ما نجح بجدارة كبيرة في إمتحان قاس علينا جميعا وهو إمتحان الإستقلالية الوظيفية الإيجابية المسؤولة. لم يكن الأمر يسيرا في تلك الأيام ـ والفريق المسير للحوار.نت كله من النهضة ـ حتى ننجح في ذلك الإمتحان ولكن تبين للناس جميعا من بعد ذلك أن آلام النجاح في ذلك الإمتحان كانت أحلى من غرور الولاء الحزبي الأعمى. عرفنا في المهجر مواقع إلكترونية لا ينقصها دعم مالي ولا فني ولا غير ذلك مما تحتاجه النجاحات ولكنها أخفقت لسبب واحد هو : خدمة المشروع الحزبي بقدر كبير من الحماقة والغرور. هذا أمر لمن يدركه حق الإدراك مهم جدا إذ هو يلتقي مع الجدل الدائر في تونس وعنوانه : لم لم تعمل حكومة ” الترويكا ” أو النهضة على لجم ” الغزو” الإعلامي المضلل أو تقليم بعض أظافره سيما أن بعضه حكومي قح من حيث الدعم المالي وأن الذين يمولون ذلك الإعلام ليسوا هم سوى أولئك ” المستضعفين” الذين يهزأ بهم ذلك الإعلام ليل نهار صباح مساء. أو لم لم تعمل حكومة ” الترويكا ” أو النهضة على توفير إعلام مواز أو غير ذلك من الأسئلة التي تدور في الرؤوس التي لا ينقصها الإخلاص للثورة والهوية ولكن ينقصها النظر البعيد في المآلات إذ الأعمال ليست بالنيات فحسب بل هي بالمآلات كذلك ولا عبرة بنية لا تؤول إلى الحكمة ولا عبرة بحكمة لا تنبجس من صدر طاهر. لمن يعي تلك الإشكالية جيدا حق الوعي فإن المعركة هي هي. واحدة لا تتغير. إنما الإستعجال هو الذي يفرض على الصدور الطيبة الطاهرة أن تتورط إما في التزكية الحزبية وهو الأمر الذي توفقنا بفضله سبحانه إلى تجنبه في تجربة الحوار.نت وإما في الإرهاب ضد الحرية الإعلامية وهو الأمر الذي توفقت حكومة الترويكا والنهضة إلى تجنبه كذلك وكانت ” الفاتورة ” باهظة إذ هي حقنت الصدور ضد تلك الحكومة من جهة وسوغت لذلك الإعلام التحريضي المضاد للثورة في أجزاء كبيرة منه أن يسيل دماء أخرى من جهة أخرى.
رسالة جديدة.
اليوم والحوار.نت يطوي شمعته التاسعة فإن رسالة جديدة في إنتظاره ولعل هذه هي أبرز خطوطها العريضة :
1 ـ المساهمة في تحقيق أهداف الثورة سيما ثورة الحرية الإعلامية والسياسية والفكرية إذ أثبت التاريخ بما لا يدع أي مجال للريبة بأن الحرية هي تأشيرة الخير كله فما من خير في البشرية إلا والحرية هي الباعث على ذلك الخير ولذلك عمل التشريع الإسلامي على تحرير العبيد بالأموال ليستعيدوا حريتهم ومن بعد ذلك يتسنى لهم فعل الخير وهي قيمة أدركها أهل الجاهلية ويكفيك من ذلك قالة سيد عنترة العبسي التي جعلت منه أسطورة حربية وفنية راقية في الشعر : كر وأنت حر. لذلك لا تختص الحرية بالإسلام ولا بأي دين كما يعتقد الجامدون فينا ومنا. الحرية أسبق من الدين كله ومن الإسلام ذاته. أعرف أنها كلمات موخزة مؤذية مزعجة تدفع إلى التكفير. ولكن الأمل في هو أنها تبعث آخرين على التفكير ويكفيك مفكرا واحد ليبيد آلافا مؤلفة من المكفرين بحجته وبرهانه. الذين يدعون إلى إعلام إسلامي أو ديني أو حزبي على طريقتهم يجهلون أمرين أولهما أن الناس لم يرض لهم باريهم سبحانه إلا أن يكونوا متنوعين مختلفين. وثانيهما هو أن الإنسان ” المستهلك ” للمادة الإعلامية المضادة للثورة وللهوية ليس هو مستهلك سلبي بل هو مستلهك إيجابي أي أنه ليس كوبا فارغا يملأه من شاء بما شاء ولكنه كائن يراكم في صمت فإذا زأر بمثل زئيره في 17 ديسمبر 2010 فر من حقه الفرار من السفاحين والنهابين.
2 ـ المساهمة في نشر الوعي اللازم بكثير من القيم الأخلاقية التي وردت مقدمة في ديننا وتراثنا ولكن كر عليها الإنحطاط فينا فتجاهلناها وإلتقفتها أوربا وبها سادت. تلك مهمة كبيرة أمام الحوار.نت والمواقع المهجرية وذلك بسبب تشبع الناس هناك بتلك القيم تشبعا يوميا وحقيقيا معيشا وليس مرتسما على صفحات الأوراق فحسب. مازالت مجتمعاتنا العربية والإسلامية متخلفة بأبوان شاسعة في تلك القيم التي حفل بها تراثنا أيما حفل من مثل قيم الحرية والكرامة والنظافة والطهارة والتحضر والمدنية والنظام والتنظم وقيمة الوقت والإتقان والإحسان والمساواة والعدالة والمحاسبة والشفافية والمؤسسية والجماعية والتخطيط والبحث والدراسة والروح العلمية والمنافسة وتسخير الدنيا والحرية العقلية التي ضرب فيها الإسلام سهما لم يصله أحد ولن يصله أحد حتى قال :“ ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه “. أي أنه لا حرج على من ألفى منكم إلها غيري أن يتخذه إلها كلما كان ذلك معزرا بالبرهان. وإلا فما الحاجة لتلك الجملة الإعتراضية ” لا برهان له به “. إلا الحاجة إلى الفتنة. فإذا إنتفت الفتنة فإن المقصود هو إتاحة الحرية العقلية أمام الناس إلى أبعد الحدود الممكنة عقليا وهي حدود وصلت حد الدعوة إلى البرهان وتحكيمه والكفر بما سواه كله وإذا ما أتى ذلك البرهان بإله غيرالله سبحانه فلا تثريب. سل نفسك : من الذي حجر على البشرية قاطبة جمعاء على إمتداد مليارات ممليرة من السنين أن تبحث عن إله آخر؟ لا أحد ولا شيء. ماذا كانت النتيجة؟ لم تكن النتيجة سوى أن العقل غرب باحثا فما ألفى شيئا غير الله سبحانه وشرق بمثل ذلك فما رجع بغير ذلك. الخلاصة هي أن الحرية العقلية هي الكفيلة بالهداية والحكمة والتحضر والتقدم أما القالة الإنحطاطية التي عربدت في صدورنا ومفادها أن الحرية تثمر الإلحاد والكفر والزندقة والهرطقة والإباحية فهي فكرة خاطئة بالتمام والكمال. هل نحن مستعدون لنخل ما بنا لإعادة بناء عقولنا على هدى من النظرية الإسلامية الأصيلة الصحيحة أم أن لسان الحال فينا يصرخ ” إنا وجدنا آباءنا على أمة ..“. أقول ذلك لأني أدركت من بعد غيبة عن تونس الحبيبة لمدة تزيد عن عشرين عاما بأن التونسي في الجملة مسلم مؤمن تقي ولا يشكو في ذلك شيئا إلا علما يأخذ منه الناس بحسب ما تيسر لكل واحد منهم فما ينقص التونسي شئء من دين وتدين في الجملة ـ وقس عليه العربي بصفة عامة ـ ولكن الذي ينقصنا هو شئء آخر إسمه : التحضر والتمدن وتحصيل الذوق السليم مواطنا في الشارع العام وفي السوق العام وفي المرفق العام وفي المحطة العامة وحيث يكون التدافع والعدو والتنافس. هنا ينقصنا البعد الذوقي كثيرا. ينقصنا البعد الحضاري. ينقصنا الترقي. ينقصنا التمدن. الحوار.نت ورجاله ورجال المهجر بصفة عامة مسؤولون على تذكية تلك الأبعاد فكريا وثقافيا وعلى الدعوة إليها وبيان حميميتها بالإسلام ومزيتها في التفوق الأروبي. المعركة لم تعد معركة إيديولوجية ولا معركة فكرية بالمعنى الفلسفي وذلك من بعد الإذعان للإسلام طوعا وكرها. المعركة مزدوجة : معركة التأسيس لأهداف الثورة من مثل الحرية والكرامة والعدالة وهي معركة الدولة في جانب كبير منها. ومعركة التأسيس للحضارة والتمدن والرقي وهي معركة المجتمع مائة بالمائة. الذين إكتسبوا تجربة المهجر أجدر بهذه المعركة الأخيرة ولهم في تونس رجال كثر ونساء هم لهم خير أعوان ووزراء في تلك المعركة.
لم يعد يسعني الآن إلا أن أحيي رفاق دربي سيما ممن تعاونت معهم طويلا وكثيرا على إمتداد العقد الأخير في كنف هذا الموقع المقاوم الذي ترجم في عقيدة قديمة ترجمة حية مفادها أن الجهاد الإسلامي الأصيل والحقيقي هو الجهاد بالكلمة وهي كلمة القرآن :“ وجاهدهم به جهادا كبيرا”. لهم مني أطيب السلام وخير الكلام إذ أفدت منهم علما وحكمة وتجربة. لا أغامر بذكر أي واحد منهم عدا الرئيس المؤسس ـ القادري الزروقي ـ وذلك لفضله علينا جميعا وليس ذلك إلا خشية نسيان أحدهم. أجل. ورب الكعبة لو لم يكن رصيدي في الدنيا كلها ولم يعد يفصلني عن الستين غير أسابيع معدودات سوى تلك الحكمة الكبيرة العظيمة الغالية أي : أس الجهاد هو الجهاد بالكلمة ( مكتوبة ومسموعة ومصورة وثابتة ومتحركة وسوداء وبالألوان بل حتى كلمة الجسد ذاتها ) وما عدا ذلك من صور الجهاد إنما هي الإستثناءات التي لا يقع فيها الأريب الحكيم إلا مضطرا والضرورة تقدر بقدرها .. لو لم يكن في رصيدي في الستين سنة الخالية غير ذلك لأمضيت ما بقي من عمري ساجدا حمدا له سبحانه أنه إلى تلك الحكمة البليغة هداني.
أملي أن يتطور الحوار.نت في إتجاه مواكبة المشهد الحضاري العربي الجديد أي مشهد الثورة التي هي ليست سوى مظهر من مظاهر التجديد الديني الذي أمر به عليه الصلاة والسلام مبشرا في قوله الصحيح ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها “.
الهادي بريك ـ تونس
brikhedi@yahoo.de