الفقيه كل الفقيه : خطاب وسط بين بشارة ونذارة

هذه مأثورة غزيرة من مأثورات الامام علي أقضى الناس عليه الرضوان كما خلع عليه محمد عليه الصلاة والسلام هذا السابغ القشيب.

قال : الا اخبركم عن الفقيه كل الفقيه؟ من لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يوءمنهم من مكره.

ميل الناس الى التشدد اكثر من ميلهم الى الترخص.

هذه حقيقة عالجها الوحي وهو يقص علينا عن بني اسراييل وخاصة شقهم النصراني وكلما ظهرت بوادر من ذلك في عهده عليه الصلاة والسلام ميز بين امرين. فان كان المتشدد لا يتعدى حدوده الشخصية فانه يعالجه بلطف ويعلمه برشد اما اذا كان يشدد على الناس فانه يحفل بالامر حفلا ان تكون ظاهرة تستعصي عن المعالجة.

تشددات شخصية:

١- رجل ءاثر ان يقيم في موضع خضرة وماء قائلا اعبد الله في انقطاع. نهره بقوة وقال : لموضع سيف احدكم في سبيل الله خير له من الدنيا ومافيها. موضع السيف اليوم هو موضع اللسان وموضع القلم وموضع العمل في اي حقل.
هذا تشدد شخصي يخشى ان يمتد اثره الى الناس فتكون فتنة بترك الشان العام وقصر الاهتمام بخويصة النفس وهو حالنا اليوم.

تشددات مشتركة بين الشخصي والعام :

١- قصة ابي ذَر المعروفة اذ شكته زوجه فلما بلغه قال : ان لنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا فات كل ذي حق حقه.

تشددات جماعية :

١- الحادثة هنا كذلك مشهورة اذ تقال بعض الشباب عبادته فقال غاضبا : اني اتقاكم لله واخشاكم ولكني أقوم وانام وأصوم وافطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.

التشدد شيء والتأويل شيء ءاخر:

١- ابهر مثال هنا هو ما عرف في السيرة بصلاة العصر في الطريق الى بني قريظة اذ أقر المجتهدين في فهم امره على اختلاف تأويلهم اختلافا كبيرا والحقيقة التي انقدحت في ذهن ابن القيم وعبر عنها بصراحة وتأخر عن ذلك غيره هي انه عليه الصلاة والسلام أقر هنا حق الاجتهاد وواجب لزومه اما مضمون الفهم نفسه فهو ابعد من ان يقر. انما تدخلت عوامل اخرى منها الاعتراف بالاختلاف البين بين الموءهلات العقلية للناس ومنها حالة الحرب اما شرطها المشروط فهو رص الصف حتى في حالة اختلاف التقديرات فقها او سياسة.

زماننا بتغليب التبشير اولى:

١- نحن في زمان رق فيه الدين تفكيرا عقديا صحيحا يضمن بلوغ المقاصد المرادة من الوحي.

٢- نحن في زمان تصدعت فيه وحدة الامة بما يشبه الفتنة فانطلقت عوامل التمزيق واختلط فيها الديني بالدنيوي.

٣- نحن في زمان العولمة الغازية الجارفة باغراءاتها وسحرها واغواءاتها وبتهديداتها كذلك.

ذلك وغيره يجعل من الفقيه كل الفقيه اليوم يغلب اليسر على العسر والبشر على النفر والتدريج على الاستعجال والتجميع على التفريق والعفو على السخط والرفق على الغلظة وبث العلم على بث الجدل والرضى من عامة الناس بالقليل الثابت فلا يشغلهم بروايات الفتن واشراط الساعة ولا يقدم لهم دينا حسبه بُطُون الكتب وتاريخ الصحابة ولا دينا يحمل سيفا يصرم بل قلما يهدي ولسانا يبث الكلمة الطيبة كما يطوي عن عامة الناس ما طواه التاريخ من خلافات كلامية ماتت.

فقه الخطاب صناعة فتخيروا لصناعتكم خير معدن واجعلوا بها الناس سعداء لا أشقياء.

والله اعلم.

شاهد أيضاً

قصة يونس عليه السلام

هو يونس إبن متى عليه السلام أحد الأنبياء المرسلين المذكورين في القرآن الكريم وحملت سورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *