العبرة الأولى
النظام الطائفي الحاكم في المملكة لم يعد يستأمن على الحرمين الشريفين اللذين يظلان موضع إشرئباب نفوس المسلمين يأتون إليهما من كل فجّ عميق وذلك يعني تفعيل الدعوة القديمة المتعلقة بوضع ذينك الحرمين تحت قيادة إسلامية مشتركة. مثل هذه الدعوات تثير السخرية عند القاعدين الذين يحسنون السخرية على العاملين لا همّ لهم عدا إشباع بطونهم سحتا وجيفهم النتنة دعة ولكن الممتلئين أملا يبذرون الخير وحسبهم أنهم يفعلون ذلك مهما أطبقت الأرض في وجوههم كلحا ويأسا لا ينتظرون أن يحصدوا هم لأنفسهم ثمرة ما بذروا. مثل هذه الدعوات يقوم عليها الفاعلون الذين لا ييأسون والذين يؤمنون حقا أنه ليس على الحريات اليوم من باب أرحم بها من باب ثورة الإتصال التي تؤز كل سفاح. هذه الدعوة لا تطلب من الأنظمة إنما من الشعوب والمجتمعات بل من فعالياتها ثم تتراكم الأعمال وإرادة الله سبحانه كفيلة بجعلها حقيقة بعد عقود. النظام الطائفي السعودي الذي أقدم بصفاقة عجيبة على إعدام قلم سلاحه مداده لا يستأمن على المعتمرين والحجاج. ها هو يصدّ عن سبيل الله سبحانه منذ عقود فيمنع كلّ مسلم معارض لذلك النظام الطائفي السعودي السفاح. هل يعجزه أن يستدرج بعض أولئك ثم يغيبهم في السجون عنده وقد غيّب فيها عشرات من المصلحين الذين لم تكن جريرة بعضهم عدا الصمت من مثل الشيخ سلمان العودة. نظام طائفي يعدّ الصمت جريمة. هذا نظام طائفي يعيش في القرون الوسطى لا يستأمن على الحرمات في دين أخبرنا أن قتل مؤمن واحد أشدّ من هدم الكعبة نفسها
العبرة الثانية
مازلنا نحقّر من الكلمة والمقاومة بالقلم. هذا موضع من أكبر مواضع ضعفنا القيمي. ماذا فعل الشهيد جمال خاشقجي أكثر من أنه يكتب مقالا في بعض الصحف الأميريكية أو غيرها؟ لا شيء غير ذلك ولم ينتظم معارضا سياسيا ولو مستقلا. ورغم ذلك حرّك نظاما طائفيا دمويا بأسره لإغتياله وإستدراجه. كان يمكن أن يجعله بضاعة في حقيبة دبلوماسية ويزج به حيث زج بالمصلحين من أمثال الشيخ سفر الحوالي. لا . المقاومة التي نحقر نحن منها وأقدم عليها الشهيد خاشقجي لم تسعف السفاح الذنب محمد إبن سلمان لذلك بل عاجله بالموت ولم يعد يصبر على كلماته. لست آسفا على شيء أسفي أننا ما تعلمنا لا من الإسلام ولا من العصر. الإسلام يقول لنا بصريح العبارة أن ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) والعصر يقول لنا أن المقاومة الإعلامية ولو بكلمة واحدة لهي أشد إزعاجا على السفاحين. ولذلك لجأ كثير منا إلى الإرهاب والعنف ومن لم يلجأ إلى ذلك لا يرى في ذلك بأسا شديدا وهو يتحرج من إدانته. عندما أجد بضاعتي الإسلامية يصدقها العصر أفرح وأتأسف في الآن نفسه. أما وعينا أن هذه الأنظمة الطائفية العشائرية الدموية كلها ـ حتى لو كان الثوب جمهوريا ـ لا تتحمل الحياة مع المعارضة حتى لو كانت المعارضة كلمة واحدة في عمود شارد في صحيفة لا يقرؤها أحد. الأنظمة تعرف قيمة الكلمة أكثر منا وهذا أسف آخر. أليس مازلنا نتجادل ببلادة وسفاهة هل أن الفنون حلال أم حرام؟ الفنون الكفيلة بإسقاط عشرة أنظمة عربية طائفية معربدة نخضعها للحلال والحرام وليس للمصلحة والمفسدة؟ أي نصيب لنا من الثقافة الإسلامية الحقيقية؟ ألسنا هوامش على قارعات التاريخ تذرونا الرياح حتى لو كانت المظاهر تدل على التقوى الكاذبة
العبرة الثالثة
الديمقراطية هي شرط النهضة الأكبر ولا تأشيرة نعبر بها إلى النهضة عدا تأشيرة الديمقراطية. ألسنا مازلنا نتجادل بحماقة عن حكم الديمقراطية هل هي حلال أم حرام؟ لا يصح فينا عدا هذا العنوان ( المسلمون وإرهاق الحضارة ). أجل أرهقتنا الحضارة الغازية والمدنية الوافدة ونحن في حالة ضياع قيمي وتسكع فكري فخلنا أن شكليات الدين يمكن أن تحول دوننا ودون تلك الوافدات والدين في الحقيقة سلاح ذو حدين فهذا الرئيس التركي أردوغان ومن معه فقهه فهو يسير به نظاما ويخضع به قوى كبرى وينازلها بالندية وتلك قطعان الهمج في داعش وهي تتدين بالدين نفسه لم تفقه منه شيئا فهي تذبح به الأبرياء وتسبي به النساء وتسيء به إلى القيم التي عدها الإسلام مقاصده العظمى ومراداته الكبرى. هل يمكن أن نأمل في نهضة وحياة كريمة ونحن نتجادل في الحرية والديمقراطية وحكم الشعب والتداول على السلطة والإقامة بين ظهراني الكافرين؟ لا أظن. الطريق إلى الديمقراطية في عالمنا العربي مازال بعيدا وشائكا ومضنيا وأن النخبة التي تؤمن بذلك أقل من القليل وأقل منها النخبة التي تعمل لذلك والتي تصبر على ذلك
العبرة الرابعة
معركتنا مع هذه الأنظمة القمعية الطائفية الجائرة هي معركة تحرر وليست معركة دينية فهل وعينا هذا أم نصر على مربعات العقيدة والهوية حيث تريد لنا تلك الأنظمة أن نظل وتجهز علينا في تلك المربعات الضيفة؟ عندما يكون القاتل مسلما والمقتول مسلما أليس معنى ذلك أن المعركة عنوانها الحرية والديمقراطية؟ ذلك يتطلب تجهزا بمفاهيم نجترحها من الإسلام إجتراحا إذ طمرها التراث. ذلك يتطلب مشروعا تحرريا شاملا يعمل له الحزب والجمعية والمنظمة والعائلة والمعلم والأستاذ والمربي والإمام الخطيب والأم في بيتها وفي مقر عملها. فهل نكون عمليين ونراكم عملنا ونتسلح بالأمل وبالثقافة الصحيحة الجامعة بين الكتاب وبين الميزان معا فلا يقدم هذا على ذاك؟
وهل ننشغل بسؤال الأطفال : هل هو شهيد؟ يا سيدي هب أنه هرطيق زنديق إبن مرتد. هب أنه كلب إبن كلب وهب أنه هر إبن هرة. أليس الإسلام ـ قبل الحضارة الغربية ـ يأمرنا بتقديس الإنسان بغض النظر عن دينه ولونه بل يخبرنا أن إمرأة دخلت النار في هرة وليس في إنسان ولم تقتلها كما قتل السفاح محمد إبن سلمان هذا القلم ووأد صاحبه أي غيلة بل جوعتها وأن أخرى دخلت الجنة في كلب؟
الهادي بريك ـ ألمانيا