قصة واقعية أبكتني ظهر هذا اليوم.
جلست لأستريح بين الجمعتين ـ في مسجد تصلى فيه الجمعة مرتين مجابهة للإكتظاظ ـ فقدم إلي شاب وبيمناه مصحف مفتوح. قلت في نفسي : سيسألني عن آية وقفت عثرة في وجه ألماني يريد إعتناق الإسلام. بل قلت في نفسي أن الآية المقصودة هي آية ضرب النساء. تبّا للإنسان ما أعجله. هو شاب مصري يخوض شهادة الدكتوراه وله زميل ألماني مهتم بالإسلام ولم يعد بينه وبين دينه الجديد سوى عقبة كبيرة عنوانها : أمه. أمه التي تطبخ لحم الخنزير وتلتهمه بنهم. أخبرني أن هذا الطالب الألماني يريد دخول المسجد ومشاهدة العبادات ولكنه يخشى ردود الأفعال غير المحسوبة. ذرفت عيناي دموع الفرح وقلت في نفسي : أي دين هذا؟ الإعلام الألماني لا يفوت مناسبة ولو بغير مناسبة لإعلان السخرية والتهكم وإظهار الإسلام في أبشع صورة لا يحتملها العصر ورغم ذلك يدخل الناس في دين الله أفواجا. أي ناس؟ إنهم المثقفون وليس الرعاع الذي يقوده الإعلام من خطامه. لم أر في حياتي ـ ولن أرى ـ أمرا إهتم به الإسلام بمثل إهتمامه بالعلم والبحث والإجتهاد وإطلاق الحريات كلها لأجل ذلك. حتى لو بحثت في وجوده هو سبحانه فما زادك ذلك منه إلا قربا وحبا ونيلا لأرقى المكانات. عندما يخترق شاب ألماني هذه الحواجز ويقدم على الإسلام والإسلام في الأرض عنوان الخراب والدمار والتأخر والتخلف والجهل والوقاحة والقذارة .. عندها لا تمسك مآقيك الدمع الحار. روى لي الطالب المصري أن أمه متأثرة جدا بالإعلام الألماني وهي متخوفة على إبنها من إعتناق الإسلام. أليست هي قصة مصعب إبن عمير عليه الرضوان تتكر في ألمانيا مرة أخرى؟ أليس هو الشاب المدلل الذي يضوع ريح مسكه وشذى عطره بين جبال مكة حتى إنه يزكم الأنوف وهي منه على مسافة أبعد من مرمى البصر؟ أليست أمه الثرية تغدق عليه؟ أليس هو الذي تحداها وقال لها : لو أن الله أمدك بمائة نفس فخرجت نفسا من بعد نفس ما توليت عن هذا الدين؟ عندما تظفر بمشهد في حياتك يصلك بالسيرة تجد أن لهذا الدين طعما ومذاقا عذبا خاصا. الإسلام الفكري المجرد يليق بالفلاسفة الغارقين في تأملات لا تكاد تغني ولا تسمن من جوع. الإسلام معاناة يومية. نحن لا يمكن أن نقدر عذابات غير المسلمين الذين يعتنقون الإسلام في أوطان لا تدخر وسائل إعلامها جهدا للسخرية من الإسلام. نحن الذين نشأنا مسلمين بالوراثة يحول دوننا ودون طعم آخر عذب جميل شيء حرمناه. حتى لو إفتخرنا باللسان العربي أي بمفتاح الإسلام فما يغني ذلك عنا شيئا لأننا لم نعد عربا ولم نكن يوما عربا أصلا. إبتهجت لما ألفيت أن الطالب المصري يحمل قضية الإسلام ودعوته وإشفاقه على زميله. إبتهجت لما ألفيت أنه يتقن فن الدعوة. أخبرته أنه له أن يحضر معنا كل عباداتنا متى أراد ولا حرج عليه ولا تثريب. قلت له : هذا المسجد مفتوح للناس وليس للمسلمين. لا زلت أعتقد ـ ولن أزال ـ أنه علينا الإفتخار إذا إنفتحت أعدادنا على غير المصلين وعلى غير المسلمين أما أن نلتقي نحن يوما من بعد يوم حتى يشيب منا الشاب ثم تموت الدعوة.. أي خير فينا. كل شيء من حولنا يتحرك ونحن جاثمون جاثون. أخبرته أنه له أن يعلن إسلامه أولا بينه وبين ربه وبينه وبينك أنت ومن يشاء وفيمن يثق من أقرانه أولا حتى ينجو من النار أولا. أخبرته أنه عليه أن يصاحب أمه وهو لن يعدم حيلة لتجنب أكل لحم الخنزير تعللا بالعافية البدنية أو بوصفة الطبيب أو بأي شيء فإن كان ولا بد مما ليس منه بد فلا حرج عليه موازنة المضطر بين شرين : شر الكفر وشر العصيان. العصيان أدنى شرا وليقترفه المضطر وليستعن بالدعاء ولندع له جميعا أن يجعل له من ضيق مخرجا. أخبرني أنه لا يعرف كيف يصلي ولا يعرف من اللسان العربي حرفا واحدا. قلت له : كل هذه تفصيلات يسيرة جدا. لم تكن اللغة العربية يوما شرطا من شروط الإسلام. حتى فاتحة الكتاب يقرؤها بأي لسان يمكنه من ذلك أو ليقل الحمد لله وكفى. كل هذه التفاصيل يمكن أن يتعلمها في دقائق معدودات ومع الأيام يتعلم ما يصلي به ويدعو. قصة واقعية أبكتني وقررت أن أخصص لها خطبة جمعة كاملة. إن رعاية هؤلاء القادمين إلينا والإعلام الفاجر يطاردهم وهم في عقر دارهم فريضة علينا أداؤها. يجب أن يشعر هؤلاء أنهم في عائلة جديدة وبيت جديد ومناخ جديد. الدعو فقه وفن ومهارة وشطارة وليست علما. أبدا. لم تكن الدعوة يوما علما ينفخ الرؤوس. تذكرت قصة واقعية جدت في سويسرا قبل سنوات طويلات أجبر فيها سويسري مسلم جديد على الختان وعمره في الثمانين. آل المآل بالرجل أن خرج من الإسلام والإثم لا شك يتحمله فوق كواهلهم الذين أخبروه أن الختان شرط من شروط الإسلام. هناك غلمان آخرون أضافوا لشروط الإسلام المعروفة شرطا أسموه تغيير الإسلام. الجهل آفة وعندما يقطن الجهل الكبر تكون المصيبة عظمى.
ألا ما أعظم القضية كما قال المرحوم الغزالي عليه الرحمة والرضوان ولكن ما أفشل المحامين. أي دين هذا. لا أقول سوى أن الإسلام أمل البشرية. الحمد لله على نعمة الإيمان. اللهم إجعلنا في هذه البلاد دعاة هادين مهديين لا ضالين ولا مضلين على درب سيد المرسلين. آمين
الهادي بريك ـ المانيا .
