إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا ( 31 )

 مشاهد من خلق الصادق الأمين.

 إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا.

 ((( 31 ))).

أخرج الإمام مسلم وأبوداوود والنسائي عن هشام إبن حكيم أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا”.

كما أخرج البزار والطبراني عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ من ضرب سوطا ظلما إقتص منه يوم القيامة “.

لو نزعت من الإسلام كرامة الإنسان لما إستحق أن يكون دينا.

الأدلة على ذلك لا تحصى لكثرتها منها ما هو منطوق من مثل قوله سبحانه في سورة المائدة تعقيبا على قصة إبني آدم : „ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا..“ بعض الحمقى يتمحلون بأن الآية تقص علينا ما كتب على بني إسرائيل! ولكن ما معنى تثبيت ذلك في كتابك أنت؟ أليست رسالة إليك أنت؟ ومن مثل قوله سبحانه : „ ولقد كرمنا بني آدم “( الإسراء وهي مكية لئلا يستدرج غافل من لدن المستشرقين الذين يقولون أن كرامة الإنسان إخترعها الإسلام لما إنتشر وإنداح). ومنها ما هو مفهوم من مثل ترتيب كرامة الإنسان في أطول وأعظم وأول سورة ومباشرة عقب أعظم آية في الكتاب العزيز ( آية الكرسي) والرسالة هي : أعظم شيء في الحياة والوجود هو توحيد الواحد الديان سبحانه بمثل ما وصف به نفسه ويلي ذلك مباشرة تكريم الإنسان حتى لا يكره حتى على إتباع الدين الحق : „ لا إكراه في الدين”.ذلك ترتيب مقصود لمن ألقى السمع وهو شهيد.؟

يحق لك أن تقول بإطمئنان ما بعده إطمئنان بأنك لو نزعت من الإسلام كرامة الإنسان محكمة من محكمات الكتاب لما سمي الإسلام إسلاما ولما رضيه سبحانه للبشرية قاطبة جمعاء دينا ولما كان نعمة يمتن بها علينا سبحانه ولما إكتمل له ـ دون كرامة الإنسان ـ كمال. إذا كان الجهاد ذروة سنام الإسلام كما في حديث معاذ عند الترمذي فإن كرامة الإنسان هي تلك الذروة وذلك السنام بسبب أنه لا مقصد للجهاد في الإسلام ـ وأصله الآصل قوله : „ وجاهدهم به جهادا كبيرا “ أي بالقرآن ـ سوى مقصد تحرير الإنسان من سائر العبوديات اللقيطة حتى يخلص لربه وحده ولنفسه وحدها وعندها ـ فحسب ـ يعرض عليه الإسلام فإن رضيه فقد رضي مستقبلا آمنا كريما لنفسه وإن كرهه فهو وما رضي لنفسه لا ينتقص ذلك من كرامته في الدنيا شيء وحسابه عند ربه يوم القيامة. „ وما أنت عليهم بوكيل “ و “ وما أنت عليهم بجبار “ و “ لست عليهم بمصيطر “ إلى آخر ذلك مما نهي عنه الناطق بإسم الإسلام فما بالك بمن دونه!

التعذيب في ميزان الإسلام جريمة لا تغتفر.

هناك حقيقة لو يدركها أكثر المسلمين اليوم لتبدل الحال من الأسوإ إلى السيء..

حقيقة لا تدع تالي القرآن الكريم ـ للوهلة الأولى ـ ينفك عنه حتى يلقنه إياها..

حقيقة مفادها أن القرآن الكريم يشن حربا ضارية ضروسا ضد الظلم والظالمين ـ أيا كانوا مسلمين أو غير مسلمين ـ بأكثر من حربه ضد الكفر والكافرين ألف ألف مرة ومرة.

1 ـ ما المقصود من الحديث المعروف : حديث الهرة؟ ليس المقصود منه سوى ما عبر عنه العلماء بقولهم : التنبيه بالأدنى على الأعلى. أي إذا كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال في شأن الهرة : „ دخلت إمرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ( البخاري عن إبن عمر) .. فإنه يقصد التغليظ في ذلك مرات ومرات في حق الإنسان إلا إذا إنقلب الميزان عندنا فأصبحت الهرة مكرمة أكثر من الإنسان. ومن يدري فرب هرة أمير أو كلب غفير أو حمار مشير يكون له من الفضل ما لا يكون لشعب بأكمله.

2 ـ التعذيب في ميزان الإسلام جريمة لا تغتفر حتى لو كان بحسن قصد وعلى جسم حمار. أخرج الإمام مسلم عن إبن عباس أنه مر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حمار قد وسم في وجهه فقال : لعن الله من و سمه. صاحب الحمار وسم حماره بالنار في وجهه ـ كما تفعل العرب إلى يوم الناس هذا ـ جهلا ـ لبهائمها أن تعرف لأصحابها بعد إختلاطها مع القطعان ـ فلقي اللعنة ولم تشفع له نيته الحسنة. أنى بك ـ بربك إن كنت تؤمن بربك وبيوم القيامة ـ بمن يعذب الشباب المسلم في بلداننا العربية والإسلامية بما تتمعر له الوجوه لو كان على وجه الأرض وجوه لا بل ـ ربما ـ يهتز لذلك عرش الرحمان سبحانه وما إهتز عرش الرحمان لموت سعد ـ عليه الرضوان ـ إلا تكريما للإنسان المؤمن المجاهد.

كلمة إلى المقاومين الذين يعذبون.

لست في موضع لأزف كلمات باردات إلى المقاومين ـ ومن المقاومة المشرفة اليوم : مقاومة جور الحكام وبطش شرطهم وعسسهم فضلا عن مقاومة العدو المحتل ـ ولكني في موضع لأن أجلس القرفصاء لأصخي إلى كلمات المقاومين المعذبين لولا أن الجور العربي المقيت كبت منهم الألسنة وألجم الأقلام.

1 ـ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. هكذا نطق سيد المجاهدين طرا عليه الصلاة والسلام. ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) بمثل ما أخرج أحمد وإبن ماجة والطبراني والبيهقي والنسائي عن أبي أمامة وطارق إبن شهاب وأبي سعيد.

أي توخي المقاومة السلمية المدنية عن وعي وبصيرة وتحمل ما يصيب المجاهد في سبيل الله سبحانه من سجن وتعذيب وتشريد وتجويع وحملات إعلامية ملؤها الكذب والدجل والنفاق. ليس ذلك مجرد جهاد بل هو ( أفضل الجهاد). وربما سمي أفضل الجهاد لأن الصبر عليه ليس صبر ساعة تحسم فيها المعركة ـ بعض معارك الإحتلال مثلا ـ في ساعة أو يوم أو شهر أو سنة ولكنه صبر سنوات طويلات وعقود أطول. بل سمي أفضل الجهاد لأن المجاهد بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر قد يلقى حتفه بدم بارد أو بمسرحية هزلية من مسرحيات المحاكمات الصورية وليس للمجاهد سوى الصبر والإحتساب إذ قد يقضي وتقضي أجيال من بعده والسلطان الجائر يلد سطانا أشد منه جورا كما تلد خلايا السرطان ـ عافاكم الله جميعا ـ خلايا متجددة. لعل طول الطريق هو الذي جعل الجهاد بكلمة الحق أفضل الجهاد.

2 ـ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. كذلك قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام. ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) بمثل ما أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة. الدنيا سجن إختياري يرتضيه المؤمن لنفسه بمثل ما إختار الكريم إبن الكريم إبن الكريم إبن الكريم : يوسف عليه السلام السجن : „ رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه”. السجن الذي يختاره المرء لنفسه هو معقل الحرية الأوحد وهو حصن الكرامة الأوفر. ورب سجان يحاصره سجينه وهو لا يعلم. سجن الدنيا للمؤمن نفق نائر مضيء يفضي إلى الجنة وأكرم بالموت للمؤمن المجاهد منحة قال فيها الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام : „ الموت تحفة المؤمن”. أما جنة الكافر في الدنيا فهي سجن مظلم أسود قاتم يفضي إلى السجن مدى الحياة : „ ذق إنك أنت العزيز الكريم”.

كلمة إلى الجلادين.

 

2 ـ لا يغرنكم بالله الغرور. الغرور ـ بفتح الغين ـ هو الشيطان. لأنه يغر الناس إستهواء وغواية فيفعل بهم ما يفعل الثعلب بالغر. قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان عن أبي موسى : „ إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ عليه الصلاة والسلام : „ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة أن أخذه أليم شديد”.

3 ـ كما تدين تدان دينا مقضيا وحتما حتميا. ذلك قانون مودع في الكون وإرادة لله الواحد القهار مرادة. قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان عن إبن عباس : „ إتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب “. أي : أتقوها في أنفسكم أو في أولادكم من بعدكم أو في نسائكم أو في أموالكم. كم من جلاد غره الغرور طمعا في منصب أمني متقدم فما ناله بتعذيب المؤمنين حتى إبتلاه سبحانه في عافية بدنه أو في ولده أو زوجه أو ماله. كما تدين تدان حتما مقضيا في الدنيا والآخرة فلا يغرنك تطاول الزمان وإستدراج ربك لك ومده إياك فإنه يبتلي المؤمن ولكن يستدرج الظالم ويمد للكافر حتى يقول قالة من قبله : „ حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء”.

كلمة إلى القضاة.

1 ـ قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أبو داوود والترمذي وإبن ماجة عن أبي بريدة : „ القضاة ثلاثة : واحد في الجنة وإثنان في النار. فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار”.

أدنى مقامات الحق المعروف ـ دون حتى حاجة إلى دين أو قانون بل فطرة مفطورة ـ هو أن تنتصف من الجلاد العتل للضحية ممن يعرض عليك بدنه الذي نخره التعذيب البوليسي.

أنى لك ألا يتمعر وجهك وتنتصف للضحية أو تقيل نفسك من وزر يوم القيامة والمعتقل ـ وهو سياسي معروف جريمته النكداء الوحداء هي عقله الذي يرى الأمر على غير ما يرى الحاكم الجائر وليس مجرما يختلس أموال الناس أو يحتال عليهم أو يغتالهم ـ يروي لك ما له تشيب الولدان ويطاح بالحكومات لو لم تكن الحكومات عصابات لصوص مردت على النهب والفساد.. يروي لك المسكين بعد ما إستجمع كل شجاعته أن البوليس أجلسه على قارورة مهشمة العنق ثم راح يعبث به بما لا يفعل بالحيوانات الكاسرة بعد القبض عليها من مثل أن يدخل في دبره عصى.. أنى لك بالصمت المريب وهو يروي لك ـ بما تناقله الإعلام وطار به شرقا وغربا ـ أنه جرد من ثوبه بالكامل والبوليس من حوله يلتقطون له الصور وهو على تلك الحال..

أي مرتب هذا الذي ستعود به لزوجك وولدك في آخر الشهر..

أي سحت هذا الذي ستطعمهم إياه..

أي جبن خالع هذا الذي ألم بك فبعت آخرتك ـ إن كنت تؤمن بها ـ بدنيا عصابة لصوصية قذرة جبانة..
ألا ما أصدق القائل : فلا نامت أعين الجبناء..
العدل أساس العمران.
أرض كأنها لم تشهد يوما صاحب تلك القالة.

أرض كأن لم يطأها إبن خلدون ومن قبله إبن عرفه وإبن عاشور.

أرض كأن لم يفتحها عقبة وصحبه ولا الحباب ورفقه ولا أبو زمعة وحبه.
قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الطبراني والبزار وإبن ماجة عن معاوية عليه الرضوان :“ لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع”.

الجور السياسي والفساد الأخلاقي صنوان لا يفترقان.

قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة : „ صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم لهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا “.

ألم يتلازم المشهد الفرعوني لزوما بإستكبار قارون بماله وبوزارة هامان وبالسحرة والشعراء؟

كذلك هو يوم العرب : إذا إستبد الحاكم وجار نهبت قوارين العرب أموالنا وسلبت هواميننا حرياتنا وكراماتنا وإنحطت القيم بالسحر الهابط حينا وبالأقلام والإعلام والفنون التي تمجد الحيف وتنشر الميوعة والخلاعة وتثبط عن المقاومة وبناء البلاد وتأمين مستقبل أمة إنما بعثت للناس هادية وشاهدة ومعلمة.

كلمة إلى رجال المقاومة.

أخرج البخاري عن البراء إبن عازب قال : أمرنا صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض وإفشاء السلام و تشميت العاطس وإتباع الجنائز وإجابة الداعي وإبرار المقسم ونصرة المظلوم ونهانا عن : خواتيم الذهب وآنية الفضة والمياثر والقسية والديباج والإستبرق والحرير.
بمثل تلازم المشهد الفرعوني ـ حاضرا وغابرا ـ بالقارونية والهامانية والسحر والإعلام الكذاب .. يتلازم مشهد المقاومة بمثل ما أشار الحديث آنف الذكر بنصرة المظلوم ونبذ حياة البذخ والترف والدعة تقلبا في الحرير والأرائك والذهب والفضة.
إذا لم ننتصر للمعذبين في الأرض قدر ما نستطيع فإن المانع ليس سوى ما علانا من ذهب وفضة ومياثر وحرير ونعمة نحن فيها فاكهون.

والله أعلم.
الهادي بريك ـ ألمانيا

شاهد أيضاً

قصة يونس عليه السلام

هو يونس إبن متى عليه السلام أحد الأنبياء المرسلين المذكورين في القرآن الكريم وحملت سورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *