مشاهد من خلق الصادق الأمين.
أما إرتوت أسيافنا بعد من حرماتنا.
((( 28 ))).
قال سبحانه : „ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا”. ( الإسراء 53).
كما أخرج الشيخان عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث “.
كما أخرجا عن عبد الله إبن عمرو إبن العاص عليهما الرضوان أنه عليه الصلاة والسلام قال:“
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”.
وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”.
ما هي الحكمة من تشريع الحرمات في الإسلام؟
نحن في ذي القعدة الحرام أول الأشهر الحرم الثلاثة المتتالية وهي ـ لوحدها ـ ربع الزمان أي ربع الحياة فإذا أضفت إليها رابعها ( رجب) أضحى ثلث الزمان ـ أي ثلث حياتك ـ محرما. حرمة الزمان لا تكفي لذلك حرم المكان ( من مثل المسجد الحرام والثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها ودور العبادة المذكورة في سورة الحج : „ لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد” ومن مثل المساكن الخاصة : „ لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا ..“ ومنها الأسواق والأماكن العامة التي يغشاها العدو والصديق إلا في حالات حرب معروفة تقدر بقدرها). السؤال الأكبر هنا هو : لم حرم الزمان ( ثلثه) وحرم معه المكان؟ يجيبك الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام في أول بند من بنود خطبة حجة الوداع موجها خطابه إلى الناس كافة ومكلفا إثني عشر ألفا من المستعمين إليه يومها بمهمة البلاغ.“ أيها الناس : إن أموالكم وأنفسكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ( التاسع من ذي الحجة = أفضل يوم في الحياة) في بلدكم هذا. ألا هل بلغت! اللهم فاشهد. وليبلغ الشاهد منكم الغائب”.إنما حرم الزمان إذن وحرم معه المكان لأجل حرمة الإنسان المحرم أصلا في الكتاب العزيز : „ ولقد كرمنا بني آدم” و “ أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا” و “ لا إكراه في الدين”. لولا الإنسان لما حرم زمان ولا حرم مكان.
الحكمة ـ إذن ـ من تشريع الحرمات الثلاث في الإسلام ( حرمة الزمان وحرمة المكان وحرمة الإنسان) هي : تضييق داعيات الإقتتال والتدابر بين الناس إلى أضيق حد ممكن بالقانون أي بالتشريع. العجب أن ذلك كان أوسعه ـ أي ثلاثة أشهر متتالية : أحدها يختم حياتك بالحرمة ( ذي الحجة) والآخر منها يبتدئ حياتك بالحرمة ( محرم) ـ في الموسم الذي يحتاج فيه الناس إلى أداء أكبر عبادة تحتاج منهم إلى وقت طويل وسفر طويل وزاد وراحلة. أي إلى أمن يغشاهم فيه السلم فيستجيبوا لقوله سبحانه :“ إدخلوا في السلم كافة”. الحكمة هي ـ إذن ـ توسيع دائرة الأمن والسلم ليتفرغ الناس ليس لعبادة ربهم فحسب بل لطلب الدنيا حتى وهم في أوج العبادة : „ لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم”.
ولكن بقيت جراحات اللسانين.
رغم تقاتل الناس اليوم بالأسلحة المادية فإن نطاق تلك الأسلحة يضيق يوما بعد يوم مقارنة مع سابق عهدها. ولكن هل بطلت بذلك الحكمة من تشريع الحرمات؟ أبدا. لم؟ لأن “ الفتنة” ـ وهي الإكراه بأي سبيل كان وعلى أي شيء كان ولو كان على إعتناق الدين الحق ـ كانت مرة “ أكبر من القتل “ وكانت مرة أخرى “ أشد من القتل”. الفتنة غير القتل بالتأكيد ولكنها قتل معنوي يكره الناس على إختيار ما لا يريدون ويتم ذلك اليوم باللسانين أو أحدهما. ( اللسان أو القلم). ولكم صدق الشاعر في قوله : جراحات السنان لها إلتئام ولا يلتئم ما جرح اللسان. يؤلم اليوم بعضنا بعضا بأحد اللسانين بمثل ما لا يؤلم القاتل قتيله. ما معنى : حرمة الأعراض؟ حرمة الأعراض معناها : غل الألسنة ولجم الأقلام أن تكرع فيها كرع الوحوش الكاسرة الظامئة إلى ولغ الدماء. الأعراض أشد حرمة من النفوس والأموال لأن الإنسان متعدد الأبعاد وأشد أبعاده حرمة : عرضه. وعرضه إنما يهتك باللسان أو القلم وليس ـ تأكيدا ـ بالسنان.
ليس القوي بالصرعة ولكن القوي من يملك نفسه عند الغضب.
صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام. إنما قوة الصرعة عند البغال والحمير أما قوة الإنسان فهي قوة معنوية روحية نفسية. تقول : ولم يأتي غيري ما يغضبني؟ هل نسيت أنك مبتلى بكل من حولك في الأرض حتى تلفظ آخر نفس منك؟ لو لم يقيض لك سبحانه من يستغضبك لأرتفع عنك التكليف وأصبحت في عداد من تعرف. لا تلق باللائمة ـ إذن ـ على من إستغضبك فاستخرج منك حنقك وأوقعك فيما تكره ولكن لم نفسك ولا تلم غير نفسك لأنك سقطت في مادة من مواد الإمتحان سوى أن أيام الإمتحان طويلة ومتتابعة ويمكن لك تعويض الكبوة بألف ألف ألق.
إذا كان جدالنا بغير التي هي أحسن فإن أخوتنا أحق بالصون.
حقيقتان عقديتان لا يدعك الكتاب العزيز تطويه حتى يغرسهما فيك غرسا :
1 ـ أولهما أننا مبتلون بالإختلاف إبتلاء من غفل عنه طرفة عين كر عليه الشيطان بالسوء بمثل ما غفل. إختلاف ليس له حدود وهو إختلاف مقصود لأمرين : أولهما لحركة الحياة وإستنبات جذور الإجتهاد إذ لا إجتهاد إلا في مختلف فيه. وثانيهما لتربية النفوس على قبول الإختلاف والتنوع والتعدد وبناء العقول على ذلك.
2 ـ ثانيهما أننا مبتلون بالميزان المنزل مع الكتاب جنبا إلى جنب أينا يقيم الميزان بقسط لا طغيان فيه ولا إخسار عاضا بنواجذ المحكمات على المتشابهات أن ينصرم حبلها فنتبعها إبتغاء الفتنة أو إبتغاء تأويل لا يقيم دينا ولا يعمر دنيا بل ينقض عرى أخوتنا نقضا مريعا. أينا يرعى ذلك في وسطية عادلة وبحكمة بالغة وأينا يحشر أنفه في عورات الناس فلا يرفع بالعلم رأسا ولا يجني من تتبع العورات أو تتبع ذرائع الفتنة غير ما يجنيه من يعيش أبد الدهر بين الحفر كما قال شاعر الخضراء الملهم أبو القاسم الشابي عليه رحمة الله سبحانه.
ماذا لو أتيح لنا ما أتيح لإخوان أفغانستان أو الصومال؟
الأصل أن يتعايش الإنسان مع الإنسان بسبب الإنسانية التي سواها سبحانه سواء تاما في المصدرية والرسالة والمثوى: „ خلقكم من نفس واحدة” و” إلا ليعبدون” و” إنك ميت وإنهم ميتون”.. الأصل أن يتعايش المسلم مع المسيحي ( وأنى لنا بذلك اليوم في مصر التي يتهددها النذير الخارجي بسبب ذلك) وأن يتعايش السني مع الشيعي ( وأنى لنا بذلك اليوم في العراق التي يتهددها المصير ذاته) وأن يتعايش السلفي مع الصوفي والأباضي مع الظاهري.. الأصل أن يتعايش أهل البلد الواحد وأهل القوم الواحد وأهل التوجه الفكري الواحد.. أنى لنا بكل ذلك اليوم! يكاد يغدو ذلك وهما من الأوهام المريحة أو حلما من الأحلام الجميلة! لو أتيح لنا ما أتيح لمجاهدي أفغانستان أو لإخوان الصومال لقطفت رقاب أينعت وحان قطافها في عيون إخوانها أما الزج في السجون ـ بمثل ما يفعل السودانيون بعضهم مع بعض ـ فهو كرم ومنة وفضل.هل تظن أن من أطلق سنان لسانه وزعاف قلمه في أعراض إخوانه ـ من أخطأ منهم و من لم يخطئ ومن منا لم يقارف خطأ بل أخطاء سوى أملا في حديث الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام : „ خير الخطائين التوابون” ـ يحجز نفسه عن حصد رقبة أخيه لو كان له به قوة أو أوى إلى ركن شديد من السلطان؟
ليس الذنب ذنب السياسة ولكن الذنب ذنب نفوس جاست قبل أن تساس بالخلق الكريم.
لحكمة بنى سبحانه كونه ـ خلقا وعمرانا ـ على قانون الزوجية وهو قانون ينتمي إلى العائلة ذاتها التي ينتمي إليها قانون النسبية. لحكمة بنى سبحانه ذلك على أساس أن بين كل طرفين وسطا عدلا يفيئ إليه الغالي ـ كما قال علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه ـ ويلحق به التالي. لحكمة جعل التعدد في الزواج ـ مثلا ـ مصحوبا بمشقة هجران العدل ( العملي لا القلبي) فهل نبطل ذلك قطعا لدابر من يسيء إستخدام التعدد؟ لحكمة جعل السياسة مقتضى من مقتضيات الدين ـ أي الإسلام ـ يغشاه الإختلاف أكثر مما يغشاه التوافق فهل نبطل السياسة أن تكون من مقتضيات الإسلام ـ أي مما لا يتم الواجب إلا به ـ قطعا لدابر الإختلاف؟ ولكم صدق الشاعر في قوله : نعيب زماننا والعيب فينا و ليس لزماننا عيب سوانا. إذا عجزنا عن تدبير إختلافاتنا ـ وهي مشروعة بل مقصودة أصلا ولازمة من لازمات الحياة والإبتلاء ـ تدبيرا يحفظ ثوابتنا وأعلاها دون ريب ثابت التآخي تكافلا وإعتصاما وتواصيا بالحق والصبر والمرحمة والوحدة والخير والقوة والعدل والعلم.. إذا عجزنا عن ذلك فلا نلعنن السياسة ولا السياسيين ولا أقدارا ساقت بعضنا إلى حيث ساقته وأوقفت بعضنا الآخر حيث إستوقفته ولا ماضيا جمعنا ولا حاضرا فرقنا.
من أدوائنا القاتلة : جهلنا أن الشيطان هو العدو الأبدي الوحيد.
هو العدو الوحيد الذي أمرنا بإتخاذه عدوا. وهو العدو الوحيد الذي وصف في مواضع كثيرة في الكتاب العزيز بأنه “ عدو مبين”. ذكرت عداوة فرعون وعداوة الكافرين وعداوة المنافقين ولكن تتميز عداوة الشيطان بما ذكر من جهة وبما شدد الوحي عليه أيما تشديد من جهة أخرى.
يظن بعضنا أن الإحالة على الشيطان تمييع للقضية كما يريد بعضنا أن يقدم بين يدي الله سبحانه فيرفع من عداوة هذا أو ذاك بأكثر من عداوة الشيطان. أي يتألى على الله أو يقول عليه بغير علم أو يظن أن الكتاب العزيز لم يحط بكل شيء. لم يحط مثلا بعداوة هذا السفاح ولو أحاط بذلك لذكره بدلا عن الشيطان. ألا نراجع الكتاب العزيز لنلفى أن الشيطان هو العدو الأوحد والوحيد! إذا فعلنا ذلك وألفينا ذلك فهل لنا ـ من بعد ذلك ـ كلام مع كلامه سبحانه!
أم أن تصورنا لعداوة الشيطان تصور مغشوش مغلوط وعلينا تصحيحه؟ ذلك لا ينقض تأكيد حقيقة أخرى نطق بها الكتاب العزيز ذاته وهي أن كيد الشيطان ضعيف. هو كيد ضعيف مقارنة مع عزيمة الإنسان إذا آمن وتوكل ولكنه ـ من حيث هو كيد مثابر لا يفتر ـ كيد عدو لم ترتق إلى عداوته عداوة.
من يحرك ألسنة بعضنا ضد بعض والأقلام؟ أليس هو الشيطان وحده؟ مالنا نريد أن ننتصر في معاركنا الداخلية الصغيرة ـ ينتصر بعضنا على بعض ـ متجاهلين المعارك الخارجية الكبرى؟ هب أنك فقأت العيون بحجتك وألقمتك مخالفيك حجرا بل سفا أسود حارا.. هب أنك أقنعت الإنس بجنهم أن من سلك في السياسة واديا غير واديك هو إما خائن أفن أو متهالك مقعد أو متهتك ساخر لا يقيم لتوازنات الأرض وزنا.. ألا تظن أن الحياة أرحب من واديك في السياسة ووادي أخيك ممن خرج منك أو عليك أو خرجت منه أو عليه.. ألا تظن أننا لن نزال إلى يومنا هذا ـ كما قال بحق الشيخ المرحوم محمد الغزالي ـ أسرى الجمل وصفين أثرا من آثار الإنقسام الأول رغم أن الإنقسام الأول لم يكن واحد من أصحابه في الفريقين إلا متأولا ـ ولو لم يكونوا كذلك لما بشروا بالجنة من قبل ذلك ـ .. ألا تظن أن أي إنقسام في صفنا اليوم ـ إلا متأولا في السياسة بحق إذ طرق التأول فيها لا تحصى وهي مقصودة من الشارع الحكيم ـ إنما تغذيه إنقسامات أخرى لا تكاد تحصى ولا تعد مضافا إليها أهواء ونزغات شيطان ونزعات قبلية جاهلية قديمة بما لا يزيد الخروق والأخاديد والجروح إلا عفنا وإلتهابا لتكون المرتع الأخصب لأعداء الأمة.. أم أن كلمة أعداء الأمة أضحت عندك اليوم بمثل كلمات الإمبريالة والبروليتاريا.. فلا أمة ولا أعداء!
خصلتان لا غنى بك عنهما.
1 ـ إخلاص القصد لله وحده سبحانه فإنه من بعد إخلاصك سيبتليك طويلا وكثيرا. سيبتليك حتى بما هو الأشق على نفسك. سيبتليك بظلم ذوي القربى لينظر هل تصبر على ظلم ذوي القربى أم يطير عقلك ويظفر بك الشيطان لقمة سائغة. تلك ضريبة إخلاصك ليخلص إن صبرت على ظلم ذوي القربى وهو أشد مضاضة كما قال الشاعر بحق.
2 ـ الوفاء لرسالتك الإسلامية ـ سيما رسالة الدعوة الإسلامية المعاصرة ـ بأي طريق إهتديت إليه أو سخرت له سيما إذا كنت متأولا ناقدا بصيرا فيما ترى وتأنس من نفسك أو يشير به عليك من تجادل من إخوان الطريق الذين تطمئن إليهم خبرة ونصيحة وسدادا. هذا إبراهيم عليه السلام إستخدم المعاريض مع حاكم هوى لإنتزاع زوجه منه.. هو إبراهيم نفسه الذي ظل يجالد النمرود بالحجة غير هياب.. هنا ميزان وهناك ميزان آخر. وهذا يوسف عليه السلام يستمكن من السلطة نشدانا للعدل بعدما كان سجينا في مخافر السلطة ذاتها. هناك ميزان وهنا ميزان آخر.
أليس فينا حاطب.. أم ليس فينا سعد.
ليس هناك قصة في القرآن الكريم إلا وهي مثبتة هناك ليفيء إليها الناس عندما تدركهم أوضاعها حتى مع إختلاف الزمان والمكان فيئهم إلى حكيم يصف لهم دواء علة ألمت بهم. خذ إليك قصة حاطب إبن أبي بلتعة عليه الرضوان في سورة الممتحنة. ليس صحيحا ـ بمثل ما ينقل بعضهم جزافا ـ أن سبق حاطب هو شفيعه الوحيد إذ لا شفاعة لسبق ولا لغير سبق عندما تخترم المحكمات وتوطأ الثوابت. إنما كان شفيع حاطب الأول خلوص قصده من رسالته السرية إلى قومه بمكة يخبرهم عن قدوم محمد عليه الصلاة والسلام. إنما جاء الحديث الصحيح في شأنه : „ لعل الله إطلع إلى أهل بدر فقال إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم” ليلفت الأنظار إلى أهمية السبق ـ سيما السبق بالجهاد وإنفاق المال في ساعات عسر شديدة ـ شأن الوحي عندما لا يذكر كل شيء فيما يمكن أن تدركه العقول إستنباطا. لو كان حاطبا يريد خيانة ما شفع فيه شافع ولكن أخذه الحنين إلى قومه وسول له الذي سول. هل ترى أن قصة حاطب هذه إنما سيقت لتنكفئ على حاطب؟ ما قيمة القرآن إذن؟ أم أنك تريد العبث بالقياس بحسب ما يحلو لك أنت : إن شئت قست على حاطب من شئت وإن شئت شطبت من قصة حاطب من شئت!
ذاك حاطب عليه الرضوان. وهذا سعد ( أو لعلي خلطت الإسم والعبرة بالعموم) يحكم في خونة بني قريظة ـ في الأحزاب ـ فيحكم فيهم بحكم ربه من فوق سبع سماوات : يقتل الرجال وتسبى النساء والذراري. حكم شنيع قاس عندما تنظر إليه بعين واحدة ولكنه القسط كله والعدل ذاته عندما تنظر إليها بعينين : عين لجزاء الخيانة التي لو مضت لأجهزت على دين وأمة وعين لإعمال الرحمة التي بسببها حكم فيهم ـ برضاهم هم ـ رجل من أوفى حلفائهم وبسببها كذلك لا تزر وازرة وزر أخرى فلا تقتل إمرأة بخيانة زوجها والله وحده يعلم يومها أن الحصن كله خيانة خائنة لا مجال فيه لعشر معشار وفاء في أشد الساعات حرجا وحاجة إلى الوفاء بالعهد.
ذاك حاطب وهذا سعد عليهما الرضوان. لذاك ميزان شابه الذي شابه فكان الإخلاص شفيعا وكانت السابقة عامل تخفيف ولهذا ميزان آخر. كلاهما لله وهو من يدخلهما الجنة وحال أهلها فيها : „ ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين”.
الحياة أرحب والإسلام أشد رحابة ودروب الدعوة والإصلاح لا تختصم.
ربما يكون ذاك هو الكلمة المقصودة مما أنف ذكره. إضمن لنفسك الإخلاص مع ربك سبحانه وليس مثلك أعرف بإخلاصك له من نفسك ثم إختر لنفسك طريقا من طرق الدعوة والإصلاح في أي حقل يناسبك أو مع أي أقران يوافقونك وبأي طريقة يتسع لها الخلق الإسلامي ولو شاء سبحانه لجعل لنا بابا واحدا من الدعوة والإصلاح ولو كان ذلك لكان حرج وعنت ومشقة ولكنه أرشدنا من خلال عبده يعقوب عليه السلام إلى أن الدخول من أبواب متفرقة أغنى وأرشد. هي أبواب متفرقة ولكن قلوب الإخوة ـ إخوة يوسف ـ ليست متفرقة بل هي متحدة على درب التحسس من أخيهم يوسف نبذا لليأس من روح الله سبحانه. لا حرج أن تكون الأبواب متفرقة ولكن الحرج أن تكون القلوب متفرقة.
إنما شرعت الحرمات الثلاث ( حرمة الزمان وحرمة المكان وحرمة الإنسان) لأجل إغماد أسلحتنا وأسلحتنا اليوم هي : أقلامنا وألسنتنا. لو أرسلنا الأقلام تسود الذي تسود دون ضابطة من عدل أو حفظ لتآخ أو صون لماض لكان الشر مستطيرا. لم؟ لأن الأقلام اليوم يطير بها الأثير ليجعلنا لها أسرى حكم عليهم بالمؤبد الذي لا أمل بعده في خلاص. أسرى السجون يسرحون يوما أما أسرى القلم ـ في زمان الأنترنت والفضائيات ـ فلا أمل لهم في خلاص حتى يدخل الجمل في سم الخياط.
رب كلمة عابرة يشغب بها عليك شيطان تسودها في الأنترنت فتكون كفيلة بإيلاجك النار يوم القيامة. „ وهل يكب الناس يوم القيامة في النار إلا حصائد ألسنتهم؟”.
إحـــفــــظ قـــلـــمـــتك يـــرحــمـــك الله..
إحـــفــــظ قـــلـــمـــتك يـــرحــمـــك الله..
إحـــفــــظ قـــلـــمـــتك يـــرحــمـــك الله..
والله أعلم.
الهادي بريك ـ ألمانيا