يقلب الله سبحانه الزمان الموار تقليبا لئلا يركن الناس إلى سلطان الإلف و حكم العادة فتنشأ من ذا الغفلة والغفلة قارب الشيطان إلى قلب الإنسان. ألا أن تضاريس الكون أرضا وفلكا تتجدد دوارة موارة جارية أن يملها الناس من عرب و من عجم؟.
تقليب تضاريس الكون وحركةالفلك ـ وهي المسؤولة عن قيمة الزمان والزمان شمساوقمرا هو معيار العبادة بمعناها الخاص ـ له مقصد منصوص :” عبرة لأولي الألباب “. ولن يجد الناظر في الكتاب العزيز نظر تدبر غير مقصد الإعتبار منه ومما يوجه إليه من حركة الكون.
من صور ذلك التقليب أن يكون يوم العيد ـ الفطر أو الإضحى ـ يوم جمعة وقد حدث ذلك في عهده عليه السلام وفي عهد الخلافة الراشدة المهدية الأولى وهي ـ حتى بالحديث الضعيف سندا وله ما يقويه معنى ودلالةـ مصدر ثانوي من مصادر التشريع والمعرفة والفقه والمعالجة.
جاءت الأحاديث في ذلك عن زيد إبن الأرقم ومعاوية فيما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وإبن ماجة والدارمي والحاكم وصحح بعضها الذهبي والنووي بل لبعضها من شروط مسلم. كما جاءت عن أبي هريرة فيما أخرجه البيهقي وعن إبن عمر فيما أخرجه الطبراني وعن إبن عباس وفيه المرسل من مثل مرسل ذكوان ومن طريق عطاء بل في صحيح البخاري نفسه والموطإ نفسه ومن طريق علي في مصنف عبدالرزاق إلى آخر ذلك مما عد صحيحا في عرف المحدثين والمحققين.
أجمعت كل تلك الطرق على الأمور التالية :
1 ـ صلى بهم عليه السلام العيد ولم يعزم عليهم في العودة إلى صلاة الجمعة بين خيرهم.
2 ـ صرح بالجمع بين الصلاتين بما يعني عدم إقامة الجمعة ولا شك أن في الأمرين تناقض ولكن عالجه الفقهاء بما يناسبه.
3 ـ كما صرح بإجزاء العيد عن الجمعة.
4 ـ وبمثل ذلك فعل الخلفاء الراشدون أي جمعا بين التخيير للناس بحسب ظروفهم وعزيمة على الجمع وإعمال الإجزاء مرة وإقامة الجمعة لمن يقدر عليها مرة أخرى.
5 ـ المقصود هو إجزاء العيد عن الجمعة لا عن ظهر الجمعة بطبيعة الحال وهذا لا خلاف فيه قطعا.
الخلاصة هي إذن :
رخصة من الله سبحانه لعباده ـ ولاعبرة هنا بالتفريق بين من صلى العيد وبين من لم يصله لأي سبب إذ هي أصلا واجب كفائي لا عيني ـ أن يجمعوا بين العيد وبين الجمعة وخاصةبالنسبة لمن يشق عليه ذلك أو يسبب له حرجا أو عنتا. وهي رخصة ككل رخصة في الطهارة صغراها وكبراها وفي الصلاةوفي الصوم وفي الحج وغير ذلك والفيصل فيها عندما نتيقن بمحل الرخصة أنه سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه.
الذي يهمني هو الحكمة إذ الأعمال ـ بل العقائد نفسها في أعقد معاقدها من مثل التوحيد الخالص لمن ليس كمثله شيئ سبحانه ـ كلها طرا مطلقا مقصدة معللة مفهومة معقولة وليس طلاسم دينية على الطريقة المسيحية على طريقة الدغمائية المسيحية الأروبية المنسجمة مع الصلف الغربي : إخضع دون نقاش ودون فهم.
الحكمة هي :
1 ـ إفساح المجال للناس في يوم العيد للفرحة وتفعيل الفرحة وهو يوم لهو ولعب كماقال هو عليه السلام لبعض الصحابة الذين هموا بمنع الناس من اللعب واللهو. ذلك أن الفرحة في يوم الفرحة عبادة كالحزن في يوم الحزن فمن فرح يوم حزنه فهو غير عابد ومن حزن يوم فرحه فهو غير عابد كذلك. ويتأكد الأمر لتفعيل مناسبات الفرحة ومظاهرها لمن قلوبهم بريئة لم تشغب عليها كآبات الدنيا أي الأطفال ومن في حكمهم. فلا يستقيم في الإسلام أن تكون العبادة ـ صلاة الجمعة ـ عرضة لعبادة الفرحة في العيد سيما أن هذه تكون مرتين في العام وليس نجد دوما إلتقاء عيد بجمعة. حق الأطفال هنا مقدم وحق الفرحة كلها حتى لغيرالأطفال إذ النفوس تكل وتمل ولا بد لها من ” باطل ” بتعبير الصحابة يستعان به على “الحق ” كما كانوا يقولون ذلك بألسنتهم لاتأولامنا.
2 ـ إفساح المجال لتبادل التهاني والزيارات والمعايدات سواء للرحم والجار والصديق والزميل أو للمريض والمسن والمقعد وغير ذلك إذ هي عبادات يومية ولكن الحاجة إليها من لدن أولئك في مثل هذا اليوم أشد ولم يأت الإسلام دينا واقعيا سوى لتلبية المطالب النفسيةللناس فهو إنما جاء وتنزل لحفظ مصالحهم الآجلةوالعاجلةولم يأت إليهم غرامة باهظة تحرمهم فرحة الحياة. ومن منا لا يحتاج لزيارة أصهاره ورحمه وجاره في يوم عيد ومن منا لا يحتاج لتمكين زوجه من زيارة أهلها في يوم عيد وقد تكون المسافات طويلة.
3 ـ هناك معنى آخر يعد هو الآخر حكمة ومفاده أن المقصدالأول من صلاة الجمعة والجماعة والعيدين هو المقصد الدنيوي لا الديني تحت سقف الإسلام لا العالمانية أي بجعل الدين والدنيا معا تحت السقف الإسلامي إذ أن حث الإسلام الناس على الإجتماع في الصلاة يقصد به نسج عرى التعارف وما يثمره التعارف من تعاون وتواص بالحق وبالصبر وبالمرحمة وبالإعتصام ومن ثم يكون تزاور وتناكح ثم حوار حول أوضاعهم كيف يحسنونها. ولو صلى كل واحد منهم لوحده يوما من بعد يوم ما حدث ذلك وتصرم صفهم وهو ضد المقصد الأسلامي الأكبر من توحيد الصف الذي هو أغلى شيء في الإسلام من بعد شهادة التوحيد الخالصة.
4 ـ المقصد من ذلك أن مقصد الإلتقاء في ذلك اليوم الذي إجتمع فيه عيدان ـ الجمعة والعيد ـ قد تحقق في اللقاء الأول أي لقاء العيد فلا داعي لتحريج الناس وتعنيتهم بالعودة إلى اللقاء من بعد سويعات معدودات ويتأكد الأمر في عيدالإضحى حيث ينشغل الناس بأضحياتهم ومن بعد ذلك بواجبات العيدالمقدسةأي الرحم والجوار واللعب واللهو والمرح. وكلاهما عبادة وكل عبادة تكون من أهلها وفي محلها وبقدرها فهي عبادة مأجورة مثابة بحوله سبحانه. أليس هو يثيب عن البضع في اللذة؟
اليسر أولى إذن
ليس اليسر مركبا من مركبات الدين ولا نكهة من نكهه بل هو الدين نفسه. تطوير نزوعات العسر في الإنسان ـ حتى مع نفسه بما هومباح ولكن التغليظ فيه عندما يكون مع الناس وحملا لهم على ذلك بل حتى ترغيبا ـ يصنع منه يوما من بعد يوم أدنى إلى السبوعية أي طباع السبع وهو المقصد نفسه الذي كره لأجله أكل لحوم السباع من ذوات الأنياب.
والعزائم كثيرة في الدين شأنها شأن الرخص ومواطن اليسر ولكن أكثر الناس اليوم إلا من رحم ربك يتأثمون من الترخص والتيسر فإذا دعوا إلى مواطن العزيمة من مثل المقاومة ورص الصف والقبول بالتعدد حتى الديني منه بله المذهبي والفكري وتحرير الإنسان والوطن وطلب العلم وبثه والشورى والحديد وتجديد التوحيد وغير ذلك مما هو معروف ومبثوث … إذا دعوا إلى ذلك تقاعسوا.
والله أعلم