أي أيامك أجمل يا محمد؟ ( 12 )

 

أم يوم علمتنا فن التربية يا محمد؟
يوم حلت بين الشباب وبين الرذيلة بأسلوبك الإنساني الخاص. يوم أتى إليك شاب يتوقد لهفة إلى النساء. يطلب منك رخصة للإستمتاع بهن. دعني أستمتع أنا أيضا يا محمد ـ يا نبي التربية ـ بما خلع عليك ربك سبحانه من قرب من الناس. أقول في نفسي دوما : لو لم تكن قريبا من الناس ـ الناس كلهم مسلمهم وكافرهم ومتدينهم ومتسيبهم ورجالهم ونساؤهم ـ لما دنا منك ـ وأنت من أنت وقارا ومجدا ورفعة ـ هذا الشاب يستأذنك الزنى. قربك من الناس جعلك تعرفهم وتعرف مشاكلهم وتحمل آلامهم وآمالهم معا. قل لي بربك يا محمد : من يجرؤ اليوم منا ومن الناس كلهم أجمعين على الدنو من أي مسؤول ـ حتى لو كان أبا في أسرة أو معلما في فصل ـ ليسأله هذا السؤال : إئذن لي في الزنى؟ لا أحد قطعا. أجل . لا أحد قطعا. ليس لأن أهل أولئك قلة ولكن لأن الناس كلهم ـ إلا قليلا من قليل من قليل ـ لا يشعر حالهم أنهم قريبون من الناس. الناس يسألون القريب والقرب لا يكون إلا بالتواضع والحلم والبسمة. أما البعيد المتعالي الغارق في أبهته فلا يسأل لأنه يخشى. أنت كالبدر يا محمد. أستغفر الله بل أنت البدر في جماله وجلاله وكماله ونوره. أنت البدر الذي يظهر للناس عاليا محلقا ولكن نوره الوهاج يضيء لهم الطريق. أنت مع الناس بنورك الوهاج وقربك الحبيب ولكنك في خلقك في رفعة كرفعة القمر يا محمد. ألم تعلم المسؤولين درسا لا ينسى أن القرب من الناس يجعلهم يطمئنون فيطرحون ما شاؤوا من الأسئلة مهما كانت سمجة مقرفة؟ أجل. والله. غيرك يا محمد يشبع هذا الشاب سبا وشتما وتشهيرا حتى يجعله يندم طيلة حياته على اليوم الذي فكر فيه فيما فكر. أنت من طينة أخرى يا محمد. عالجت الشاب الملهوف على النساء والذي شعر بالقرب منك كأنك أخوه بما يناسبه جمعا بين العقلانية وبين اللطف. قلت له في مسحة عقلانية جعلته يراجع أمره : هل ترضى هذا لأمك؟ هل ترضاه لأختك؟ سألته بروحك الطيبة وقربك الرفيق منه الأسئلة المعقولة والمحرجة في غير كبر. من يجرؤ على القول أنه يرضى الفاحشة لأمه أو أخته؟ لا أحد. أنت مفتاح العقول يا محمد. أنت مفتاح القلوب يا محمد. أنت علمتنا أن لكل إنسان مفتاح فمن أمسك بمفتاح الإنسان ولجه بيسر وفعل فيه ما يريد ومن هجم على الإنسان بغير مفتاح أو بمفتاح غير مفتاحه فلن يلجه حتى يلج الجمل في سم الخياط. عندما أبلغته بقولك البليغ وبلطفك الحبيب ضربت على صدره بيمينك الكريمة حتى قال الشاب عن نفسه أنه جاء إليك وأحب شيء إليه في الحياة هي الرذيلة وبعد كلمات قصيرات حليمات كريمات منك خرج من عندك وأبغض شيء إليه فيها هو ذلك. ألست طبيب القلوب يا محمد؟ بلى والله

أم يوم علمتنا كيف نعالج ثورات الجنس في الشباب؟
علمتنا ذلك عندما كنت تردف إبن عمك الفضل إبن العباس خلفك على بغلتك إذ إعترضت طريقك إمرأة خثعمية روى الصحابة عنها بلسانهم هم أنها شديدة الجمال. ظلت المرأة تستفتيك في بعض شأنها والفضل خلفك ينظر إلى جمالها بلهفة كأنه يفترسها بعينيه وأنت لا تزيد في كل مرة على أن تكف بصره بيدك حيثما أدار وجهه ومن دون أن تشعر المرأة بشيء ومن دون أن تنشغل عن الحديث معها وظل المشهد يتكرر كذلك حتى أنهت المرأة عرض مشكلتها وبعد ذلك نخست بغلتك لتواصل مسيرك وكأن شيئا لم يكن. غيرك ـ أي نحن ومن غيرك يا محمد ـ وهو في قمة الأدب سيمطر الشاب بوابل من اللوم والعتاب والتأديب أما لو كان غير كذلك فسيشبعه ضربا وركلا وأدنى جزاء هو ألا يجعله رديفه فوق بغلته. نبي هذا خلقه. سبحان من شهد لك في الأيام الأولى أنك على خلق عظيم. علمتنا ـ ولكننا لا نريد التعلم منك زعما منا في لا شعورنا أننا أكثر منك ورعا ـ أن معالجة الثورة الجنسية في الشباب بصفة خاصة لا تكون بمثل ما نفعل نحن اليوم أي بالكلام الكثير والطويل والمدجج بالآيات والأحاديث وكأنه كان يعوزك أن تذكر الفضل بآية أو حديث وأنت صاحب الحديث نفسه… علمتنا أن معالجة ذلك تكون بمثل ما فعلت أنت بالضبط. أي حيلولة باليد لطيفة لا عنف فيها ولا إرهاق ومن دون إشعار المرأة أنها في قبضة عينين مفترستين وربما لو أشعرت الفضل بذاك لإنصرم حبل حديث المرأة فأنسيت ما كانت تريد قوله وربما إزداد الشاب لهفة .. لله درك يا نبي التربية ويا رسول الأدب

أقول في نفسي دوما : ربما يقول الناس اليوم أن مثل هذا النبي ليس جديرا بالنبوة إذ هو لا يشعرك بغيرته على الدين والخلق بمثل ما تمثل في رؤوسنا. من المؤكد أن بعضنا يظن ذلك ولكن سطوة المجتمع لا تعيره فرصة للبوح بذلك ومن ذلك ينشأ الغلو والتشدد. أقول في نفسي دوما : متى نفيء إلى هذا المنهاج التربوي النبوي الإسلامي في سماحته ولطفه وقربه ودنوه ومراعاته للفطرة ولصلف الثورة الجنسية؟ لم نتنكر دوما للفطرة البشرية حيث نعامل أنفسنا ـ لا بل غيرنا وليس أنفسنا ـ أننا ملائكة من طينة نورانية؟ ألم نتعلم من هذا الدين العظيم قانون الواقعية؟ لم نستكبر على الوحي ونتعالى على النبوة؟ لم نظن أن ما نحن فيه من طهر يجب أن يكون سابغا لكل الناس؟. لم ننسى أننا كنا مثل ذلك وأشد شرا وضرا؟ لم يتدين المتدين من بعد ما يملأ الأرض فسادا فإذا تدين ـ أو خيل إليه أنه تدين ـ يظن نفسه نبيا مبعوثا؟ لم لا نجمع بين العقل وبين اللطف؟

شاهد أيضاً

قصة يونس عليه السلام

هو يونس إبن متى عليه السلام أحد الأنبياء المرسلين المذكورين في القرآن الكريم وحملت سورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *