ألا ما أجرأنا على حدود الله : الطلاق العابث مثال

غرضي من هذا مزدوج :

ــ بث شجن ملأ صدري لما ألقاه بمعدل مرة واحدة كل ثلاثة أسابيع على أقصى تقدير وعلى إمتداد عقدين على الأقل من ضيق شديد بسبب مشاكل الطلاق بين الأزواج.

ــ دعوة إلى الأزواج ونصيحة.

وليس من غرضي التقعر الديني في بيان الأحكام وأدلتها عزوفا بالعلم وبنفسي عن إتاحة فرصة جديدة للمتعالمين ـ أنصاف المتعلمين كما قال أحدهم بحق ـ ليملؤوا هذا الفضاء بنقول ظنا منهم أن النقل دليل أو بتعليقات تزيدك شجنا على شجن.

تحرير المشكلة وأمثلة منها :

ــ كنت ذات يوم من أيام 2013 أستعد لصعود المنبر في يوم جمعة بمسجد عمر إبن عبد العزيز بمنطقة جبل الجلود بالعاصمة التونسية وإذا برجل يأتي إلي بعجوز غادر السبعين من عمره راويا لي أنه على خصومة مع زوجته منذ ثمانية عشر عاما ـ والله ـ وهو لا يجامعها ولا يكلمها في أثناء هذه الحقبة كلها وهو ما يسمى ظهارا في الشريعة بل مقرونا بمقاطعة لا يصبر عليها أشد الأعداء حيال عدوه.

ــ إتصلت بي البارحة صديقة عزيزة تخبرني وتستأنس برأيي في شأن رجل مثله في السن يستبد به الغضب بما لا يحصى من المرات في حياته فيطلق زوجته مرات ومرات حتى قال له أبناؤه الذين له منهم أحفاد أنه تجاوز الحد الشرعي ـ أي ثلاث طلقات ـ مرات ومرات ولم يعد له على أمهم لا طول ولا حول ولا عصمة. الرجل حمامة مسجد. ولكنه غراب بيت.

ــ لشدة ما أجد من هذا كنت كلما إقترب مني رجل ـ أو إمرأة ـ ليسأل عن أمر ما أسأل الله ألا تكون المصيبة التي عكرت مزاجي وأهمت حياتي أي مشكلة قسم بالطلاق وفي أي مرحلة من ذلك هما.

هي ثمرة الفهم الأعوج للدين :

لكل شيء سبب وعلة دون ريب في عمران الله كونه وخلقه. عندما أقول في خطبة أو درس أو شيء من ذلك : شهادة السوابق العدلية الحقيقية تستخرج من البيت شهادة للزوج أو عليه من زوجته أو لها أو عليها من زوجها .. تتمعر وجوه ويود كثيرون ـ بل كلهم تقريبا ـ ألا يصدر هذا مني إذ أنى للبيت أن يصدر الشهادات للزوجين. عقلي يخبرني أن تحدياتنا الأخرى الكثيرة يمكن التغلب عليها والزمان كفيل بها بفضله سبحانه عدا هذا السرطان الأخبث الذي ينخر البيوت. أنا على يقين أن آلافا مؤلفة ـ بل أكثر ـ من البيوت جهلا أو عمدا إستنفدت أغراض وجودها الشرعي إذ وقع الطلاق ثلاثا مرة من بعد مرة. كما أني على يقين آخر مثله أن بيوتات أخرى كثيرة وقع هدمها بسبب جهل المفتين إما بالشريعة أو بالإجتهادات الغابرة والحاضرة التي لا بد على من يتصدى للفتوى في قضايا البيت خاصة أن يتابعها متابعة مثابرة جادة وإلا هدم البيوت بيده وبإسم الدين.
متى نعي أن العلاقة بالله سبحانه لا تغني شيئا يوم القيامة إلا إذا كانت متوازية مع علاقة مثلها ـ أجل. مثلها ـ مع الناس. أولى الناس هنا هم أهل البيت والرحم والقرابات والأجوار ثم تتوسع الدائرة.
متى نسلم لله سبحانه في البيوت؟ متى نؤمن بالله وبما أنزل في كتابه بشأن البيوت؟

قيمة الحدود المفترى عليها منا جهلا :

سل بنفسك الآن من يليك من المسلمين : ما هي الحدود في الإسلام؟ ستجاب قطعا بنسبة تصل المائة بالمائة أو تقاربها كثيرا بأن الحدود هي قطع يد السارق وغير ذلك. من قال ذلك؟ القرآن ؟ كذبت والله. القرآن الذي هو مرجع اللسان ومرجع الدين حرفا وحدا معا ما أطلق صفة الحد سوى على شؤون البيت. لن أنبسط هنا ولكن أذكر الشغوفين بالعودة إلى الأصل حدا وحرفا معا أن الحدود في القرآن الكريم هي : إنتهاك حرمة المسجد والإعتكاف والمرأة معا مباشرة كما ورد في آخر البقرة ـ إنتهاك حرمة الإرث كما ورد في النساء ـ إنتهاك حرمة العدد المرسومة في الطلاق كما ورد في سورتي البقرة والطلاق ـ تلك هي الحدود وهي كما ترى متعلقة جميعها بالبيت أي بالمرأة. أعرف أن هذا الكلام ثقيل على الفحول العربية التي تربت على مقولات : بيت الطاعة وجهاز آخر كثيف من الإنتاج التراثي الذي جعلناه دينا مدينا .. أعرف أن الفحول لا تريد هذا كتابة ولا قراءة. أعرف أنه مزعج. أعرف أن القول بأن الله ما رسم حدودا لحماه عدا بقضية البيت والمرأة قول باهظ ثقيل غير مرغوب فيه. أعرف أن صاحبه قد يرمى ـ بل رمي ـ بالتعلمن. أعرف أن آلافا مؤلفة يفقهون هذا أكثر مني مليون مرة وأعرف أن قليلا منهم فحسب يغامر برمزيته ومكانته شيخا وإماما ومسموع الكلمة أن يقول مثل هذا أو يثبته.
أما آن لنا أن نعود إلى القرآن الكريم لنعد البيت والمرأة حدا من حدود الله بل هي الحد ولا حد سواها؟ إلى متى نقاد بفحولة عربية جاهلية؟ إلى متى ندعي الكفاح السياسي والنضال الحقوقي والكلمات الكبيرة وحصوننا مهددة من الداخل؟

دعوتي إلى الناس ونصيحتي إلى الأئمة :

1 ـ إقتحم مشروعا في حياتك عنوانه : لا حلف بعد اليوم بالطلاق ولا تهديد به إذ أن المسألة حد إلهي لو جاوزته فطلقت زوجتك الطلقة الثالثة بانت عنك بينونة كبرى فلا تحل لك إلا بنكاح زوج آخر وليس كما كان يجري الأمر ـ وقد عشته والله وأنا طفل صغير يافع لا أفهم شيئا ولكن وقفت عليه حديثا بين الرجال والنساء ـ أي نكاح التحليل الذي لعنه عليه الصلاة والسلام فاعلا ومفعولا له.

2 ـ لا تغضب : أروع وصية نبوية. إذا غضبت فتجنب كلمة الطلاق تجنبا كاملا. ألا تظن أن زوجتك التي معك هي الآن حرام عليك لأنها بانت منك حماقة منك مرات ومرات؟ ما هو عنوان حياتك اليوم معها ؟ أليس هو معاشرة جنسية وحقوق مادية وميراث ونسب وغير ذلك ولا وجه شرعي له؟

3 ـ يا حضرة الفحل المذكر : لماذا تستجيب لغريزة الغضب في وجه زوجتك فحسب. هل تغضب بعشر معشار ذلك وأنت بين يدي قوي من حكومة أو فحل مثلك في السوق؟ ألا تحاسب نفسك لتقول لنفسك سرا : ما أوقحني وما أسفلني إذ أستأسد على إمرأة ضعيفة وأنا بين الفحول نعامة؟

4 ـ يا حضرة الإمام الذي يفتي الناس : أما تعلم أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يعد الطلاق ثلاثا في مجلس واحدا عدا طلقة واحدة؟ أما تعلم أن أول من سن خلاف ذلك ـ سياسة شرعية بصفة الإمارة منه وإجتهادا إصلاحيا ـ هو الفاروق لتأديب الناس؟ أما تعلم أن الإجتهادات من بعده فاءت إلى ما فعله عليه الصلاة والسلام بسبب ما أسموه وهو صحيح ضعف الدين وعموم الجهل به؟ لم تنصب نفسك فاروقا والبون بينكما شاسع واسع فلا أنت في مقام الإمارة والمسؤولية ولا أنت بفقهه وتقديره بل كان منهم يومها إجماعا؟

5 ـ لم لا تعمل بقوله عليه الصلاة والسلام : لا طلاق في إغلاق. وهو الشدة من كل شيء وليس غضبا فحسب بل يكون فرحا أو غير ذلك؟ لم تتبنى أشد الإجتهادات توسيعا للطلاق في زمن ضعف فيه التدين ورق فيه بسبب الجهل والهوى ومؤثرات أخرى كثيرة؟ ألا تعلم أن مؤسسة البيت في الشريعة أعظم مؤسسة أحاطها سبحانه بما لم يحط غيرها إذ فصل فيها تفصيلا دقيقا وما ذلك سوى لقيمتها عنده سبحانه؟ ألا تفتي الناس بالأيسر من الإجتهادات حفاظا على هذه المؤسسة المسؤولة على الأمة باسرها؟

6 ـ أليس لك في الحديث السابق تعليم صريح الغرض منه هو إتاحة أكثر ما يمكن من فرص عسى أن يعود البيت إلى سالف عهده؟ ألا تتعلم منه عليه الصلاة والسلام وهو يقرر أصلا تشريعيا عظيما : إدرؤوا الحدود بالشبهات؟ أليس درأ ما هو أدنى من الحدود أولى إذ الحدود أغلظ؟ هل هناك حد في الإسلام أولى من حد البيت؟

7 ـ ألم يكن عليه الصلاة والسلام يأتيه الزاني ليقيم عليه الحد فيظل يصرفه بقوله لعلك .. لعلك .. أي يبحث له عن أي مخرج؟ لعلك تتهمه عليه الصلاة والسلام بالتهاون في إقامة حدود الله؟ ألا تتهم نفسك بذلك إذ التهاون في إقامة حدود الله هو ما تأتيه أنت إذ تسلك التضييق في شأن البيت فتقضي على البيت والأبناء بالتشرد ليكونوا لقمة سائغة في أفواه العلمانية والمخدرات والجريمة؟

8 ـ ألا تعلم أن الظهار جريمة في حق الزوجة ولو لم تكن جريمة لما رتب عليها الذي تجد في سورة المجادلة؟ ألا تعلم أن الإيلاء محدد بأربعة أشهر حدا أقصى فإما فيئة بعده أو طلاق أو هو حكم عليها بالتعليق وجزاء المعلق التعليق يوم القيامة عقابا وفاقا؟ ألا تعلم أن القسم لا يكون إلا بالله أو الصمت؟

حسبي هذا أن يثعب فؤاد جرحه دما قانيا.
الله وحده يعلم كم يؤلمني ما أجد حرجا بسبب هذه المهنة.
في كل معاركنا يمكن أن يكتب لنا النصر لأنها مظالم علينا من طواغيت دولية ومحلية إلا هذه المعركة الداخلية فهي من نصيبنا فإما علم بالشريعة وإلتزام بها قمعا للهوى وإما إجتثاث للبنة الأولى : البيت .. بأيدينا جهلا وحماقة. وعندها نقر أعين العدو قرا ولا يحتاج منا شيئا آخر إذ نقضنا غزلنا بأيدينا وهدمنا بها حصوننا الأخيرة…

والله أعلم .

شاهد أيضاً

ترشيح اليهودي في ميزان الإسلام

هممت في بداية هذه العاصفة ـ ترشيح يهودي تونسي على قائمة حزب النهضة بمدينة المنستير …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *